صبحة بغورة تكتب: عداوة الحموات والزوجات.. حقيقة أم افتراء؟

يزخر التراث الانساني وخاصة العربي بقصص ساخرة، تضع الحماة في صورة العدو اللدود لزوجة ابنها، وتنسج خيوط الكراهية بينهما انطلاقًا من أنها تظل تتصيد كل كلمة تتفوه بها وتترصد أي حركة تقوم بها.

وتحاك القصص والحكايات، فأوجدت بذلك في أذهان الفتيات المقبلات على الزواج اعتقادًا سيئًا وشائعًا وانطبع في النفوس شعور بمقت الحماة وكرهها؛ حتى أصبحت العروس لا تدخل بيت الزوجية إلا وهي تحفظ مسبقًا في ذهنها طرق تم تلقينها لها والتي يجب أن تسلكها مع حماتها؛ حتى تتقي شر مكائدها، وطبيعي أن ينتج عن ذلك عقوق الوالدين وانعدام البركة والخير من البيت.

كل امرأة مهما كان مستواها الاجتماعي والثقافي والأخلاقي، ترغب في بناء بيت الزوجية في ظل الاستقلالية التي تمنحها هامش مريح من حرية التصرف في إدارة شؤون منزلها وفق تصوراتها الفكرية ورغباتها الذاتية والمتطلبات الخاصة؛ كي تتمتع بحياتها الزوجية بعيدًا عن التدخلات المباشرة وغير المباشرة من الأهل والأقارب وحتى من الأباعد، وخاصة من الحماة التي صار اسمها عبر التاريخ مرادفًا لمعنى البغض وملازما للشعور بالعداوة.

تتزوج الفتاة، ويصبح في حياتها شخصان، زوجها وحماتها، وكثير من الحماوات الفضليات يعاملن زوجة الإبن كبناتهن، لا يترددن في تقديم الدعم لهن لمواجهة تلك المقتضيات التي لم تكن تعرفها من قبل لحياتها الجديدة، بل ويبادرن بتقديم النصح والمشورة والرأي السديد لضمان التعامل مع مختلف القضايا بدون أخطاء، ويعود هذا الحرص انطلاقا من أنهن سيصبحن أمهات لأحفادهن.

دور الحماة هنا هو الحماية، وقد يكون دورها عظيمًا أو خطيرًا، بإشارة تتحول الحياة في المنزل إلى جحيم لا يطاق، وبلمسة حنان منها تجعل بيت ابنها واحة غناء وجنة نعيم يملؤها الحب والحنان، ولكن المشكلة ليست في الحماة أو الزوجة أو الزوج، بل في أسلوب التربية الذي لا يضع حدودًا يحترمها وجوبًا كل فرد في العائلة الواحدة، فالحدود مهمة في الأسرة ويجب على الجميع أن يتقيد بها ويلتزم بأن لا يتجاوزها.

اقرأ أيضًا: رسائل رومانسية.. حلا شيحة ومعز مسعود يعترفان بارتباطهما رسميًا

منذ اللحظة الأولى لولادته، يجد الإنسان نفسه بين يدي أمه توفر له كل أسباب الحياة وتغمره بالحب والعطف والحنان وتحيطه بكل وسائل العناية والرعاية، ثم تتابعه باهتمام وهو يكبر أمامها وينمو ويجتاز مراحل حياته واحدة تلو الأخرى، إلى أن يصبح رجلًا كاملًا، فتراها تحرص على أن يتزوج، وغالبا ما تتدخل في اختيار الزوجة وان لم تتدخل مباشرة فإن رضاها عن الزوجة ضروري لكي يمر حفل الزفاف بسلام.

بعد الزواج، يحدث أحيانًا ما لم يكن في الحسبان؛ إذ سرعان ما ينشأ التوتر بين الأم وقد أصبحت تحمل لقب "حماة" والزوجة التي تحمل بالنسبة إلى الأم لقب "كنة"، وكثيرا ما يتحول هذا التوتر إلى صراع بارد أو ساخن بينهما، ويكون الرجل ميدانًا لهذا الصراع، فالأم والزوجة تتجاذبان وتحاول كل واحدة أن تستميله إلى موقفها.

والرجل سيء الحظ، تضعه ظروف حياته الشخصية والاجتماعية الصعبة في موقف حرج عندما يفرض الواقع على المتزوج حديثا الاقامة في بيت أهله اضطرارًا، وحينها يكون احتكاك الحماة وزوجة ابنها احتكاكًا يوميًا، وتنشأ المشاكل بسبب الاختلاف حول أبسط التفاصيل ويكون على الزوج أن يعمل قاضيا بينهما.

وبسبب عدم القدرة على الاستمرار بالحياة الزوجية في ظروف ملتهبة، سيكون عليه في النهاية التضحية بعلاقته بإحداهن من أجل الأخرى، والمحظوظ من الرجال هو الذي يعيش ظروفًا جعلته يستطيع أن يتخذ موقفا متوازنًا وعادلًا بينهما، فيحافظ على بره بأمه وإكرامه لزوجته.

ومهما يكن، ترغب كل زوجة في أن يكون زوجها مستقلًا، بما أنه أصبح رب عائلة جديدة تنتظر منه النهوض بالمسؤوليات والقيام بالالتزامات واتخاذ القرارات بصفة مستقلة، ولكن تبدو هذه الاستقلالية في الكثير من الحالات مستحيلة أو صعبة المنال على الأقل على المدى القصير وحتى المتوسط تبعًا للظروف الاقتصادية والأحوال المادية التي لا تسمح لنسبة كبيرة من الشباب المقبل على الزواج الحصول على سكن خاص منفرد عن العائلة، كما أن ذهنيات مجتمعاتنا العربية المحافظة لا تتقبل فكرة الاستقلالية بل وليست لها القابلية لممارستها، ولا تتمتع بتقاليد عملية على أرض الواقع.

ونادرًا ما تعترف الأمهات بهذه الاستقلالية، بل وتعتبرها البعض منهن ضربًا من ضروب الجفاء للأهل عمومًا.. إذن وفي ظل الظروف المادية والاجتماعية أو الأدبية، سيكون على الزوجة أن تتهيأ للتعايش مع أهل زوجها، وأن تكون على استعداد لإيجاد ما تيسر من الوسائل لخلق أجواء التفاهم معهم، وابتكار الحيل العملية السهلة للتقرب منهم بشكل يؤكد حقوقها عليهم وحقوقهم عليها.

وعلى الزوجة، ألا تفكر في غمرة هذا الجهد أن تمرر فكرة الاستقلالية المطلقة، لأنها فكرة غير واقعية، لن تجني من ورائها سوى المتاعب؛ إذ لا يعقل أن تستطيع الزوجة أن تحقق استقلاليتها بمقاطعتها أهل زوجها وإخراجهم من حياتها، فهي بهذا ستوسع دائرة الصراع الطبيعي الموجود بينها وبين أهل زوجها خاصة حماتها، كما أنه ليس من الأخلاق والآداب أن تحرم الزوجة والدي زوجها من ابنهما، ولا يمكن أن تبني حياتها على هذا الأساس الخاطئ القائم على الإقصاء والعداء.

لذا، فهي مطالبة بأن تُرسي بهدوء معالم استقلاليتها الزوجية بطريقة ذكية ومتحضرة وأكثر نضجًا، انطلاقا من الفهم الصحيح لماهية هذا المصطلح، بالرغم من أن علم النفس لا يتناول ظاهرة "الحماة" وطبيعة علاقتها بزوجة ابنها بل بالعلاقات الأسرية، والآلية التي يمكن أن تحدث كنتيجة لكل ما يتفرع من العلاقة الأساسية التي تحكم رابطة الأم سواء بابنها أو بنتها، فتدورعجلة الحياة وتصبح هذه الأم حماة لزوج ابنتها، وكذلك حماة لزوجة ابنها.

المهم، أن تحث الزوجة دومًا زوجها على طاعة أمه والبر بها والحرص على كسب رضاها، فلا ينبغي أن تشعر الأم بعد زواج ابنها بأي تغيير في شعوره نحوها أو في مستوى اهتمامه بها، لأنها ستربط ما لاحظته مباشرة بزوجته، وحينها يمكن أن تُعلن الأم عليها الحرب بشكل لا يمكن تصوره، ويصبح ما يمر به الزوجان قضية جوهرية من الخطورة تركها تتفاقم، بل لابد من تدخل الزوج من أجل الإصلاح بين أغلى وأعز نساء الدنيا وأقربهم إلى قلبه " أمه، وزوجته".

الأم، هي من جعل الله الجنة تحت أقدامها ولها عليه أعظم الحقوق، والزوجة، شريكة حياته وأم أولاده مستقبلًا، وهو ملزم أن يحسن اليها، والأكثر من ذلك أنه مجبر أن يصبر عليهما بشيء من الحكمة والذكاء بما يناسب وضع كلا منهما، ويمكن أن يكون وسيط خير بالكلمة الطيبة والابتسامة المشعة دائما بالتفاؤل.

ومن الجميل دفع الزوجة إلى الصبر على ما تلقاه من حماتها، وأن تتروى ولا تقنط؛ عسى الله أن يؤلف بين القلوب، ولكن عمليًا كيف يمكن تجسيد هذه المعاني الجميلة وتحقيق تلك الأهداف النبيلة؟

إن أول ما يمكن البدء به، هو التأكيد على مفهوم الذكاء الاجتماعي وأهميته الكبيرة في تجاوز مختلف المواقف الحرجة، من ذلك ضرورة قيام الزوجة بكل ما يُشعر حماتها بأهمية وجودها في المحيط الأسري وفي الجلسات العائلية من خلال حسن الاستماع اليهما وتفهم كافة الآراء، وبتعمد طلب استشارتها في أمر ما خاصة أمام الآخرين واحترام ذوقها ورغباتها الخاصة، ثم الانتقال الى مرحلة مدح صفات الزوج والاشادة بطباعه وأخلاقه، وارجاعها دائما حسن طريقة تربيتها له ونجاحها في ذلك.

كما يجب أن تتذكر الزوجة حماتها في المناسبات الخاصة، وتقديم الهدايا لها، فالحماة في الأخير أم وانسانة وليست بالضرورة على الصورة المشاعة عنها دائما كمصدر ازعاج، يكفيها أن تلمس بصدق الحب النابع من القلب، فكيف إذا كانت صاحبته على مستوى من اللباقة والروح الاجتماعية البشوشة المرحة التي تحاول قدر الإمكان تفادي المواقف التي تشعل نار الفتنة، فذلك كله بالتأكيد سينعكس سريعًا بالهدوء والسكينة على البيت.

وبالعودة الى استقلالية الزوجة عن أهل زوجها، ينبغي التنبيه الى أن هذه الاستقلالية ستكون وستظل جزئية أومؤقتة بل ونسبية أيضا، لأن الأسرة العربية ما تزال تحتفظ بمكانتها الاجتماعية في قلب دائرة الأحداث، وتمثل محور دورانها بفضل تماسك أفرادها بشحنة العواطف الأسرية والمشاعرالأبوية والأخوية الخاصة المتبادلة بينهم بكل الحب والتقدير وبوافر الإحساس بالواجب وعميق الامتنان والرغبة في رد الجميل.

ولن يمكن للزوجة التي ارتضت في البداية العيش مع أهل زوجها، أن تحقق لنفسها الاستقلالية دفعة واحدة، بل يجب أن تتهيأ نفسيا لتقبل فرضية تحقيق هدفها بشكل مرحلي وتدريجي، والاستقلالية التي لا تتحقق في كنف رعاية وعناية ومباركة الأهل ستعتبر خطوة في الطريق الخطأ المحفوف بالعقبات والمشاكل، والعكس إذا عبرت الزوجة لحماتها بأنها بحاجة الى أمومتها، فإن محاولة كهذه لخلق هذا النوع من الاحساس هي خطوة عملاقة نحو إعادة رسم مسار علاقة عرفتها المجتمعات الانسانية عبر التاريخ باللامستقرة، كما أنها قفزة جريئة لكسر حواجز العداء ورواسب الغيرة، خاصة إذا أمكنها إيصال رسالة بليغة إلى الزوج تؤكد أن برها بأمه هي من طاعتها وحبها له.

                                                                                                               صبحة بغورة                                                                      متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: دكتورة رانيا يحيى تكتب: الطفل ومهارات الإبداع