صبحة بغورة تكتب: الغيرة بين الأبناء يصنعها الآباء!

كثيرًا ما يجد الوالدان أنفسهما مدفوعين بمشاعر الحب المفرط إلى إثارة حساسيات خفية بين أبنائهم من دون الانتباه إلى ما تختزنه نفوسهم من مكنونات سلبية.

فيصنعان بذلك أجواء أسرية غير صحية، تقوم على اعتقادات غير سليمة، لأنها تؤدي إلى حد تقديس أحد الجنسين على الآخر على نحو يؤدي إلى تدمير العلاقات الأخوية.

حيث يصير التكبر الجنسي المبني على الدلال والإفراط في الرعاية، إلى غيرة طفولية سرعان ما تتحول لاحقا إلى ضغائن وأحقاد بين الأخوة.

ويعبر معظم الأولياء عن فرحتهم الكبرى عند سماع أن مولودهم الجديد ذكرًا، وتولي معظم الأمهات في الأسر العربية اهتمامًا كبيرًا ورعاية فائقة وعناية خاصة له لاسيما إذا كان هو الابن البكر.

حيث سيظل يحتفظ بمكانته المميزة في الأسرة، التي تعني تمتعه بالأولوية في تحقيق أحلامه واقتناء ما يلزمه من احتياجات ولو على حساب تأجيل مشتريات باقي الأخوة باعتباره أكبرهم.

وقد يقبل باقي الأخوة على مضض هذا التمييز إذا كان محدودًا، ويقتنعون في صمت إذا كان التأجيل مؤقتا لمدة قصيرة.

والآباء الذين يميزون الابن الأكبر في التعامل أو يفضلون الذكور على الإناث في المعاملة، عادة يثبتون على أنفسهم صفة الأبوة المستبدة، وأيضًا الاهمال الأبوي تجاه بقية الأبناء الذي يشعر به كل الأطفال في سن مبكرة وهو ما يؤدي إلى تعميق الفجوة بين الأخوة منذ الصغر.

وإذا كانت الغيرة بين الأطفال، شعور طبيعي شائع يصيبهم لأتفه الأسباب ثم سرعان ما يزول بزوال سببه، فإن الغيرة السلبية هي التي تسيطر على الطفل بسبب شعوره بالحرمان من حب واهتمام والديه.

وفي المقابل سيكون من الطبيعي أن يفضل الأولياء الطفل الحنون ذو الشخصية الهادئة، المرحة والناضجة، ذو الطبع اللطيف.

بينما الوضع غير المقبول، أن يجري التعبير بالثناء على هذه المشاعر تجاه الابن المفضل علنا أمام بقية الأخوة، ثم تعمد تكرار على مسامع اخوته في كل وقت وبغير مناسبة؛ إذ يحمل هذا السلوك ما يحمل من خطورة.

فمقارنة سلوك الطفل المفضل بسلوك باقي إخوته، يمكن أن يورث مشاعر سلبية وتبعات عدائية أساسها الغيرة.

وغالبا سيعاني هؤلاء الأطفال من حالات نفسية سيئة وصعبة، تجعلهم دائما يحاسبون أنفسهم في صمت حتى أثناء محاولة خلودهم للنوم الذي سيكون عسيرا في البداية لشعورهم الخاطئ بالسوء، وسيخضعون لظنون السوء ولما يمليه عليهم شيطانهم وهو التصرف بطيش وعدوانية أكثر، كتعبير عن عدم رضاهم عن تقييم الوالدين، وللتأكيد على أنهم لا يأبهون للمقارنة وأنه لا يهمهم تقدير المحيط الأسري والعائلي لموقفهم.

وفي المقابل، سينتشي الطفل المفضل عادة بعبارات المدح والتبجيل من والديه، ومع تكرار التقليل من شأن باقي إخوته في وجوده، سيكون من الطبيعي أن يمنحه ذلك إحساسًا بالتميز يدفعه للتعالي عليهم، وبذلك يصنعان منه شخصية متعجرفة بغيضة، وسيغذيان فيه روح التكبر المقيت.

وسيدفع الطفل ثمن هذه التربية عندما يعاني من جنون العظمة، وسط أقرانه في الحي والمدرسة.

إن كل طفل يجد نفسه في منزله يعيش هذا الوضع، سيمثل في حقيقته وفي جوهر شخصيته وفي طبيعة حضرته بؤرة خطر اجتماعي في أسرته وفي محيطه البعيد، وستبلغ حالته حد وصفها بالآفة.

وقد صدق من وصف هذه الحالة بالقنبلة الأسرية، واعتبر الغيرة بين الأبناء صناعة مبكرة للأولياء سيتحملون تبعاتها.

فتوجه الطفل المفضل إلى الحياة العملية في كبره بذات روح الغرور والتعالي والتكبر الذي نما بداخله، سيجعله في حالة اصطدام مستمر بواقعه الاجتماعي ومع العاملين في محيطه المهني، وفي حالة خصومة وشجار دائم على مستوى علاقاته الشخصية.

وقد يفاجأ عندما يصارحه أحدهم أن حالته غير سوية لأنها غير طبيعية، وسيحزنه أن يرى ضيق من هم حوله بسوء طبعه وعدم استعدادهم للتنازل عن كبريائهم ، وعن كرامتهم، وسيدرك أنه ليس أفضل من كل الناس وأنه أينما يتواجد سيدرك أنه يعيش في محيط يعج بما لا يحصى من الأذكياء عقل والمتميزين وعيا وإدراكا والمنضبطين سلوكا والمؤدبين أخلاقا.

حينها سيختل توازنه النفسي وسيكون عليه أحد الأمرين، إما أن يتراجع عن غروره وينكسر، وإما أن يواصل تكبره وحتما يوما سينكسر.

الحكمة تقضي بأن يعمد الآباء إلى اتباع أسلوب تربية يقوم على عدم الإخلال بالتوازن النفسي لأفراد الأسرة، وإقحام جميع الأبناء في أعمال تعاونية في المنزل تتدرج من السهولة إلى المهام الصعبة.

وأن يجري ذلك من خلال تقسيم المهام والأدوار حسب سن كل طفل منهم، وتبرير تكليف أحدهم بعمل ما مميز لقدرته الجسمانية أو لمهارته اليدوية أو لخبرته المعرفية أو لضرورة تعويده على مواجهة تقيدات هذا العمل، أو لتنمية الإصرار لديه على أدائه مهما كان معقدًا لاختبار قوة عزيمته، مع ضرورة الثناء على شجاعته مهما كانت نتيجة عمله.

العامل الحاسم لتفادي إثارة مشاعر البغضاء بين الأخوة، هو الحرص على اتباع أقصى درجات المساواة بينهم والعدل في التعامل معهم ثوابا وعقابا.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: أبناؤنا.. ومصيدة رفقاء السوء