صبحة بغورة تكتب: السعادة هدية الوعي..!

عندما تتقاطع هموم عملية تلبية احتياجات الغرور الذاتي مع جهود البحث عن مواصفات مصدر السعادة، نكون هنا بصدد مهمة معقدة نتحمل فيها أعباء تحديد سر السعادة.

يحدد الطبيب والمؤلف الأمريكي ديباك تشوبرا، المواصفات التي يتسم بها مصدر السعادة في قائمة تجزئ السعادة إلى مكوناتها، وهي: "اللامحلية، التحررية، اللاشخصية، الجوهرية، الكونية، وعدم القابلية للتغيير".

اللامحلية

اللامحلية، تعني أنك قبل أن تستطيع تغيير قلبك يجب أن تخرج من داخل نفسك لكي يكون لديك منظور أوسع ، والأنا الأنانية تحاول تضييق كل قضية إلى حدود التساؤل الحائر ما الذي سأحصل عليه منها؟ أما إذا أعدنا الصياغة إلى ما الذي سيحصل منها عليه كل واحد منا ؟ فان قلبك سوف يشعر فورا بأنه أقل محدودية وتقييدًا.

التحررية

أما التحررية، فتعني أنك لا تستطيع أن تغير قلبك إذا كانت لك مصلحة في نتيجة معينة، فالحدود مرسومة وكل واحد اختار الجانب الذي سيكون فيه، والأنا الأنانية تصر على أن تجعل عينيك مسمرتان على النتيجة التي تريدها لأن لها الأهمية المطلقة. ولكن بالتحررية، فإنك تدرك أن العديد من النتائج يمكن أن تكون مفيدة لك، وبالتالي فإنك تعمل من أجل الحصول على النتيجة التي تعتقد بأنها الصواب، ومع ذلك تبقى متحررًا بالقدر الذي يكفي لأن تغير من نفسك عندما يقول لك قلبك بأنه ينبغي عليك الآن أن تتغير.

اللاشخصية

اللاشخصية، تتجلى في الأوضاع التي تحدث للناس وتكون ناجمة عن أسباب أعمق مما يبدو على السطح، فالكون يكشف عن نفسه وهو الذي يوفر كل الأسباب التي لابد من وجودها، فلا تتعامل مع هذه العملية شخصيا فعملية السبب والنتيجة عملية أزلية وأنت مجرد جزء من هذا الصعود والهبوط الذي لا نهاية له. ومن خلال ركوبك للموجة فقط، يمكنك أن تضمن ألا تغرقك الأمواج، وأما الأنا الأنانية فتتعامل مع كل شيء بصفة شخصية ولا تترك مجالا للغاية المثلى.

الكونية

الكونية، تتطلب منك أن توسع احساسك بالأنا الأنانية الصغيرة إلى مستوى الأنا الكونية، ففي هذا المستوى من الوعي تبدأ رؤية كل الأوضاع مملوكة من قبل عالمنا. ورغم أن هذا الإدراك قد يبدأ صغيرًا في مستوى الأسرة والبيت والحي، إلا أنه يستطيع أن ينمو طبيعيًا، فكما هو من السخف أن تقول عالمي هو مجرتي، وكوني، فإن ذلك يدلل على أن هناك تغير جار لم يحدث تلقائيًا.

والفكرة الأساسية هي أن تستحضر في ذهنك أن الوعي الكوني بغض النظر عن درجة القيود التي تفرضها عليك الأنا الأنانية في أي لحظة زمنية بعينها.

عدم القابلية للتغيير

أما عدم القابلية للتغيير، فهي إحدى مميزات السعادة التي اعتادت على أنها تأتي وتذهب ولكن بدلا من التفكير فيها على هذا النحو وبأنها يمكن أن تنضب تماما، دعنا نتخيل الغلاف الجوي، فهناك دائما توجد رطوبة في الجو وأحيانا تتجسد بصورة مطر، وفي الأيام التي تمطر فيها لا يعني أن الجو صار خال من الرطوبة، فالرطوبة موجودة دائمًا في الهواء تنتظر تكثيفها عندما تتغير الظروف.

وبإمكانك أن تتبنى نفس وجهة النظر نحو السعادة التي هي موجودة دائما في الوعي الإنساني من دون أن تضطر للتكشف في كل لحظة، فهي تتكشف حسب تغير الظروف، والناس مختلفون في الحد الأدنى لعواطفهم ويمتلكون بعض الخبرة أكثر من غيرهم، ويتفاوتون في مقدار ما يتسمون به من البشاشة والتفاؤل والقناعة.

هذه التشكيلة تعبر عن التنوع في الخليقة، فلا يمكنك أن تتوقع أن يتصرف المرء في الصحراء والغابة الماطرة بنفس السلوك، ولكن هذه التغيرات في التكوين الشخصي تبقى سطحية، فنفس السعادة غير القابلة للتغيير يمكن الوصول إليها في وعي كل إنسان .

من حيث الجوهر، السعادة ليست شيئا فريدًا وإنما هي نكهة واحدة من نكهات الجوهر، وعندما تلتقط الجوهر فإن السعادة سوف تنساب لأن كل مواصفات الجوهر ستأتي تباعا.

لذلك، فإن السعي لأن تكون سعيدًا باعتبار السعادة غاية في حد ذاتها مجال محدود، وستكون محظوظا لمجرد أن تلبي احتياجات غرورك الذاتي لتعيش حياة سعيدة، فإذا كرست نفسك بدلا من ذلك للتغير الكلي في وعيك، فعندئذٍ ستأتي السعادة كهدية مجانية يقدمها لك الوعي نفسه.

كيف تغير واقعك لتستوعب سر السعادة؟

يواصل الطبيب ديباك تشوبرا، توجيه حديثه بصيغة المخاطب أن سر السعادة يتعلق بالحرية الشخصية، فأنت لا تستطيع أن تكون حرًا في الحقيقة إذا كانت تعاملاتك مع الكون شخصية فالشخص مثل السلة محدودة، فإذا بقيت داخل السلة فإن وعيك سيبقى محصورًا فيها، لذلك تبدأ منذ اليوم الأول بالتصرف كما لو أن نفودك يمتد إلى كل مكان فلكي تواجهه اليوم قبل أن يبدأ، يعني أن تكون حاضرًا عندما يولد يومك الجديد، فافتح نفسك على أحد الاحتمالات، فلم تقع بعد أية أحداث وما زال اليوم الوليد مفتوحًا وجديدًا ونضرًا، ويمكن أن يتحول إلى أي شيء.

انهض باكرًا كما تفعل دائمًا، وتستطيع أن تستعد لليوم الجديد وأنت في السرير، اترك عقلك قبل أن تنهض يتطلع إلى الأمام.

في البداية، ستجد أن العادة قد تأخذ طريقها وستجد نفسك تمارس روتينك اليومي المألوف والقيام بنفس الواجبات اليومية سواء تجاه عملك أو تجاه أسرتك، وكذلك الالتزامات الأخرى تجاه الغير، وربما تختبر ما حدث في اليوم السابق، مثل العمل الذي لم تنجزه والخلاف الذي بقي دون حل، وقد تعود إليك بعد ذلك المخاوف، فاترك كل هذه الأمور تدخل وتخرج من وعيك، وبعد بضع لحظات سوف تلاحظ أن عقلك أقل ميلًا للقفز من السرير، وهذا يعني أنك غصت إلى عمق أبعد في وعيك، فلا تدع نفسك تعود للنوم ولا تتطلع إلى شيء دراماتيكي فأنت في مرحلة تبدأ منها بذور الأحداث في النمو، وكل ما تفعله أنك تقترح على نفسك بأن تكون في تلك الأحداث وأنت لا تحتاج لتغيير أي شيء ولا تحتاج لأن تقيد نفسك بأحكام أو أفكار مسبقة حول ما يجب أن يحدث في ذلك اليوم الجديد.

وعندما تتفاعل مع يومك، استعمل نفودك من خلال وعيك بصمت، ذلك لأنه يحدث التأثير بطريقة ذكية وخفية، وبداية اليوم الجديد يحتاج منك أن تبدأه بحالة هادئة ومستقرة ومتحررة من أعباء الأمس، وأن تضيف نية ذكية وخفية بأن تترك الحياة تتكشف من تلقاء نفسها لتستقبلها أنت بقلب وعقل مفتوح، وستشعر حينها بأنك إنسان جديد.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

 

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تعدد الزوجات بين مبرراته وموجباته