صبحة بغورة تكتب: الحب.. انتهـى زمنه أم تغيـر شكله؟!

أصبح نمط الحياة الحالي يشجع أكثر على الاستهلاك، لذا، تغيرت قيمة الفرد، فبعدما كان الشاب يستمد قيمته الاجتماعية من العمل لما كان للعمل قيمة اجتماعية، أصبحت تتحدد مكانته من مستوى قدرته الاستهلاكية المتأتية من ما يمتلكه من إمكانيات مادية ومالية، فأين مكانة الحب بين القيمتين؟.

هناك تغير عميق أثر على منظومة القيم داخل المجتمع في عصرنا الحالي، وانعكس بالتالي سريعا على وضع الأسرة، فعصر السرعة وضع الجميع على خط السباق مع الزمن، الكل يريد أن يصل إلى القمة بأسرع ما يمكنه وفي أقل وقت ممكن. ولم يعد لأي فرد استعداد لإضاعة المزيد من الوقت في التغني بالمشاعر والاستغراق في العواطف والتعبير القيصري عن الأحاسيس، كل شيء صار قصيرًا يبدأ بسرعة وينتهي بسرعة.

يلعب المال في اعتقاد الكثيرين دورًا كبيرًا في تحديد اختيار الأزواج، لأنه يعطي مؤشرًا على مستوى استهلاك معين يرتبط مباشرة بضمان الاستقرار وتوفير هناء البال في الحياة الزوجية، وهذا التحول كما يرتبط بالشاب، فإنه يتعلق أيضا بالفتاة، فمساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي تبقى ضعيفة وضئيلة، والبطالة في أوساط الفتيات لاسيما الجامعيات مرتفعة جدًا، وتشكل أمامهن صعوبات كثيرة لتوفير حاجتهن، وهو ما يفسر لجوئهن إلى أشكال مختلفة من الزواج مع الأثرياء من كبار السن مثلا أو بالشباب المهاجر الذي اغترب لسنوات طويلة عن قيم وطنه حتى النخاع.

والمثير في أمر تقلب القيم، أن تؤكد شابات جامعيات أن الزواج من كهل وغني ، لديه أموال وممتلكات أفضل من الزواج من شاب مثقف لا يملك إلا ثقافته، لأن الثقافة في رأيهن لا تضمن حياة سعيدة ومريحة ، بل يمكن أن تجلب الكآبة والحزن، وتهجر بعضهن بالرأي أن الزواج من شاب مثقف وفقير هو حكم عليهن بالإعدام؛ لأن رأسمال المثقف هو الكلام والنقاشات الفارغة، بينما الحياة اليوم تتطلب المال لاقتناء كل ما تشتهيه العين وتتمناه النفس ولأن بواسطة المال يمكن حل جميع المشاكل والمعوقات وبدونه لا يمكن ذلك.

ولا تتردد الكثيرات من الشابات في إطلاق أوصاف غير لائقة على الشابة " الغبية " التي تتزوج من شاب فقير ومثقف، وتؤكدن أن الفتاة " الشاطرة" هي التي تتزوج من ميسور الحال وإن كان كهلا أو عجوزًا، لأن المهم لديهن مسألة تأمين المستقبل المالي للفتاة كشراء منزل أو محل تجاري أو بفتح حساب بنكي باسمها.

إن الجرأة التي تتملك الفتيات عند مناقشة مستقبلهن يدفعهن إلى البوح الصريح حين تستعيد إحداهن نغمة سابقة ترددت في الأفلام، وهي أنه إذا استطاعت الزوجة الشابة أن تحقق جميع رغبات زوجها الكهل الغني يمكن أن يوفر لها جميع طلباتها، وبالنسبة لها فهي ليست بحاجة لكلام معسول من فم شاب مثقف، لأن أي شاب بدون مال سينحني أمام أول مشكلة تصادفه في الحياة الزوجية أو عند مواجهة أول ضائقة مالية، وهذا معناه أن الزواج بهذا الشكل لن ينجح.

ولكن ترى أخرى، أن الرجل الغني الكهل، يحتاج إلى ممرضة وليس زوجة؛ لأنه في حال ارتباطه بفتاة شابة تصغره بفارق كبير في السن فإن مهمتها تجاهه تنحصر في الحرص على رعايته صحيا وإعطائه الأدوية في مواعيدها، وحينها ستنعدم جدوى المال وستحرم من متعة الحب، وسيغيب عنها معنى الحياة والتفاهم هذا في وقت يخفق قلب الفتاة الشابة بنبضات الحب.

تبرز في ذات الموضوع بعض الآراء الأخرى، تبدو بعضها منطقية على لسان شابة تذهب في اتجاه آخر حين تؤكد أن الزواج من شاب مثقف وإن كان لا يملك المال أمر مقبول إن كان بينه وبين فتاة أحلامه حب، وتستغرب أخرى حين تتساءل لماذا علينا أن نتصور بداية أن كل شاب مثقف بلا مال أو أنه سيظل فقيرًا؟.. إن ثقافته دليل على أنه يسير في الطريق الصحيح في الحياة، وبثقافته سيعمل ويرتقي بعلمه فحيوية وهمة الشباب المسلح بشهادته يخلق الطموح والتطلع بتفاؤل للمستقبل وسيتمكن من فتح بيت ويكون مسئولا عن أسرته وستتشكل بينه وبين زوجته الشابة رؤية مشتركة للحياة، وحينها ستدرك كل زوجه كم هو جميل أن تتزوج المرأة عن حب مع توفر مستوى مادي ولو متوسط يسمح بحياة كريمة للطرفين.

وفي رأي آخر، ترى شابة أكثر وعيا أن الحب بين الطرفين أمر هام، ولا يهم بوجوده فارق السن، وإذا توافق الطرفان كان الزواج ناجحًا، فالاقتناع بالشخص أمر أساسي وهام بغض النظر عن مستواه الثقافي أو المادي أو فارق السن، وتؤكد صاحبة هذا الرأي أن تحديد الموقف من اختيار شريك الحياة يلزمه الكثير من التروي والمزيد من التريث والتفكير بوعي ونضوج، حتى لا تكون نتيجة الاختيار سيئة كحدوث طلاق أو ارتكاب فعل الخيانة الزوجية.

لذلك، فالمال وحده لا يحقق السعادة إلا إذا كان مقترنا بالحب والمعنى أن الوضع الأمثل هو أن يكون شريك الحياة يجمع بين الشباب والمال والحب كي يكون هنالك تفاهم، وهو أمر ليس مستحيلًا ولكن صعب التحقيق في ظل القيم الحياتية السائدة في أوساط الشباب والتي لا تتوافق مع متطلبات الحياة الجادة وشروط الزواج الناجح والحياة السعيدة.

ويبدو أن الحقيقة بعيدة عن مسألة تفضيل نوع من الزواج على الآخر، لأنه لا يجوز أن نضع الفتيات أمام خيارين ليسا متساويين بل متناقضين لعدة أسباب، أولا لأن فرص الاختيار غير متوفرة، ولأن الأمر يجري النظر إليه في أقسى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المجتمعات العربية وغير العربية؛ حيث أن التحولات الاجتماعية العنيفة بسبب الانتشار الواسع لقيم السوق وقيم الاستهلاك قد أثرت على نمط الحياة الحالي وشجعت الرغبة أكثر على الاستهلاك، فتغيرت بالتالي قيمة الفرد، وأنه كان الأجدر أن تجري المقارنة بين شاب مثقف متواضع الإمكانيات المالية وهو في بداية حياته المهنية يشق الطريق لبناء مستقبله، وبين شاب آخر غير مثقف ولكنه يمتلك إمكانيات مالية ومادية كبيرة ليست من صنع يديه ولا هي ثمار كده واجتهاده.

أما مسألة وضع اختيار شريك الحياة بين متناقضين، الكهولة والمال أم الشباب والشهادة، فإننا نتجاهل كيفية الحياة الزوجية والتداعيات التي يمكن أن تفرق بين طرفي النقيض بداية من الأكل إلى الأحاسيس.

الحب لم ينته بعد، وربما الذي حدث أن هناك تغيرًا في شكله وطريقته، ولعبت وسائل الإعلام والمؤسسات الفنية دورًا سلبيًا في التسويق المخادع والتصوير السيء لتأثير قلة حيلة وذات اليد الشباب المثقف المكافح في حياته وعيشته.

وفي المقابل، أبرزت الأعمال الفنية في السينما والمسرح والتلفزيون نمط الحياة الزائف للشباب المرفهة والمستهتر بقيمة العلم وأهمية العمل في صورة من لا يهمهم سوى جني المال مهما كانت طريقته، واللهو المتعة ولو على حساب الآخرين، فكانوا للأسف للكثيرين غيرهم مثلا مضللا وللفتيات الساذجات فتنة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: من أجل تماسك البناء الزوجي