صبحة بغورة تكتب: الاعتلال المزاجي للأم بعد الولادة

تشعر الكثير من النساء برغبة ملحة في البكاء بعد وضعهن، ثم تصاب 10 % منهن بحالة من الاكتئاب بشكل لا يناسب الحدث السعيد، ونجد تأكيد هذه الحالة في نصائح الجدات لهن بضرورة الحصول على قدر كافٍ من النوم، فيما ترى أخريات أهمية استشارة الطبيب.

في تقدير الأوساط الطبية العاملة في مجال الطب النفسي الاجتماعي، تعود الاضطرابات المزاجية لدى النساء بعد الولادة إلى حالة اضطراب نفسي يعرف باكتئاب ما بعد الولادة واضطراب الخوف "Babyblues"، تصاحبها أيام النحيب التي تصيب ما بين 50 إلى 80 % من جميع النساء، وسببها التغيرات الهرمونية التي تطرأ عليهن بعد الإنجاب.

وفي العادة تزول التقلبات المزاجية تدريجيًَا من تلقاء نفسها في الأيام القليلة التالية، ولكن يحدث أن تتحول هذه الحالة إلى مشكلة صحية حقيقية إذا ما استمرت لدى الأم لمدة أطول من أسبوعين؛ حيث ستشتد حدة اكتئابها ومعها تزداد معاناتها من حالات ضعف التركيز والنسيان وصعوبة النوم والشعور الدائم بالإرهاق وفقدان الاهتمام بمتابعة شؤون المنزل، أو أي شيء آخر أو حتى التحمس للنقاش مع الأهل والمقربين، وتصبح أكثر قابلية للاستثارة والغضب والتعامل بعصبية زائدة، كما تقل لديها الدافعية للعمل، وتفقد بعد ذلك الرغبة في المشاركة في النشاطات المختلفة حتى المرحة منها.

تفسير حدوث مثل هذه الأعراض لدى الأم بعد الولادة مرتبط إلى حد كبير بشعورها بازدياد حجم الأعباء والمسؤوليات عليها، وهو تفكير سلبي متشائم وحالة يأس تعاني منها بعد الولادة سواء كانت هي الولادة الأولى لها أو سبقتها ولادات أخرى، وغالبًا ما يعود سببها إلى الوضع الاقتصادي الصعب التي تمر بها الأسرة وتقاسي تأثيراته السلبية يوميا وإلى حالة العسر المالي المزمن الذي تعاني منه، وعدم وجود فرص واقعية حقيقة تفتح أمامها الآمال واسعة في إمكانية تحسين مستوى معيشتهم.

ومن أهم الأسباب المباشرة، تقصير الأب في دوره المطلوب منه لاحتواء زوجته أثناء فترة الحمل، وتعمده إحاطتها دائمًا بهموم عمله والشكوى المستمرة من قلة دخله وتشاؤمه من الأيام المقبلة السوداء التي تنتظرهم، أو أن يتعلق السبب أيضًا بعدم وجود رغبة لدى الزوجة للإنجاب في الوقت الحالي أو للمزيد من الإنجاب بسبب الوضع المالي المحدود للأسرة، أو لاعتبارات مهنية تتعلق بطبيعة عملها.

ومما يزيد الأمر سوءًا، أن يكون الزوج من مدمني المشروبات الكحولية والمخدرات ومهملًا لضروريات أسرته، وغافلًا عن متطلبات بيته؛ حينها تجد الزوجة نفسها بمفردها في مواجهة أعباء إضافية لوضع أسري صعب يثقل كاهلها وعليه أن تصمد أمام مسؤوليات عديدة وجديدة ستحملها على عاتقها وحدها، وهو شعور ثقيل الوطأة على نفسها في أقسى حالات ضعفها طوال فترة الحمل وأثناء الوضع.

إن في مثل هذه الظروف الأسرية القاهرة والقاسية من الإهمال الأبوي الفاضح ستفتقد الأسرة متعة الدفء العائلي والتنعم بالأجواء الأسرية السليمة عندما تسودها المحبة والتضامن والعلاقات الحميمية بين أفرادها التي تسمح بوجود مساحات فكرية دائمة لتبادل الآراء والنقاش والحوار، لمعرفة احتياجات أفراد الأسرة ومتطلباتهم، وبغير ذلك ستجد الزوجة نفسها مدفوعة إلى الاستغراق في أفكار لا تحمد عقباها، وإن فشلت في الحصول على الطلاق، فإنها ستبيت منكسرة ومحطمة، فكيف إن حملت ووضعت وليدها وهي يائسة ولا تريد الحياة!.

الاعتلال المزاجي لدى الأم بعد الولادة، يجد علاجه الشافي في دور الزوج الذي بيده أن ينتشلها من دوامتها، ويجدد في نفسها الأمل ويزرع في قلبها الفرح والسعادة؛ لتتجاوز سريعًا ما ألمّ بها من شعور سلبي بعد وضعها، فليس أشق على نفس الزوجة من انصراف زوجها عنها بعد ما قاسته أثناء الوضع، إنها مجرد كلمات مباركات تحرك الوجدان وتخاطب الفطرة وتفتح العقل على حقائق الحياة؛ لتروي التعطش العاطفي وتزيل الجفاء والاغتراب الأسري، وحينها ستتقبل الأم وليدها في حنو إلى جنبها، فيشعر الرضيع بدفء الأمومة ووهج عاطفتها، ويرى في عينيها بلاغة حبها له، وهو حقه المعنوي الثابت والأكيد الذي تأسس قبل أن يولد.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: دوافع السرقة عند الأطفال