صبحة بغورة تكتب: الإجهاض.. والشعور المدمر بالنقص!

من نعومة حلم كل زوجة في حملها الأول بمرحلة الأمومة، إلى ألم فقدان الجنين؛ تصاب المرأة بصدمة تؤثر سلبًا على نفسيتها ويتملكها الحزن الشديد والاكتئاب الحاد.

إضافة إلى هاجس مستمر بالإجهاض المتكرر، برغم أنه حالة طبيعية يمكن أن تحدث لأي امرأة.

وتحرص كل امرأة في أول حمل لها، على سلامة صحتها ومراقبة نمو جنينها حتى تتم عملية الولادة بخير.

ولكن يحدث لأسباب خلقية أو ظروف خارجية، أن تفقد المرأة الجنين.

وتفيدنا التفسيرات العملية بالأسباب، إما بوجود ضيق في عنق الرحم أو ضعف جدار الرحم وعدم قدرته على احتواء الجنين خاصة مع تزايد وزنه.

مما يتسبب في تعرض الحمل لحدوث حالة خطيرة سواء على حياة الأم أو بقاء الجنين.

وإما بسبب ممارسة الأم أعمال شاقة، كحمل ونقل أثقال، أو لتعرضها لحادث اصطدام قوي أو انزلاق شديد أو سقوط شيء أو ارتطام بعد فقدان التوازن.

أو يكون السبب تناول أدوية ليست مناسبة للحوامل بدون استشارة الطبيب، حينها يغادر الجنين بيئته الحيوية نحو الخارج، أو يضطر الأطباء إلى إجراء عملية الإجهاض جراحيا حفاظا على حياة الأم.

وفي الحالتين، تفقد حينها المرأة جنينها قبل اكتمال نموه وهو ما يسبب لها حالة نفسية مدمرة.

حيث تظل تلوم نفسها وتتملكها قناعة دائمة بأنها المذنبة وأنها تتحمل مسؤولية "قتل" ابنها، وصولًا إلى حد الانهيار النفسي، والإجهاض أو فقدان المرأة جنينها هو فشل في الحمل يدفع المرأة في حالة الحزن الشديد إلى التوهم بعدم القدرة على إسعاد الزوج وتأدية المهمة الزوجية على أحسن وجه والإحساس بنقص في الأنوثة الكاملة.

لذلك، تعد هذه المرحلة من أصعب مراحل حياة المرأة، ويختلف حجم وطبيعة تراكماتها النفسية على حسب شدة تأثيرها، وتبعا لطبيعة شخصيتها وعمرها وحالتها العاطفية مع زوجها وعلاقتها العائلية.

وعلى العموم، يخلف الإجهاض شعور عام بالفشل والندم لدى الزوجين وإحساس بالتعاسة وبالألم العميق، وهي مشاعر مشتركة يتطلب تجاوزها بعض الوقت والكثير من الرعاية العائلية وقدرا أكبر من تفهم الزوج واحتوائه لزوجته بالمزيد من الحب والحنان، وعدم استعجال الوقت والأمور لعودة العلاقة الزوجية.

فالتقدير الواعي والسليم لطبيعة الحالة، يجنب الزوج حرج الموقف، لأنه كلما اقترب من زوجته انتابها الشعور المدمر بالنقص وعدم قدرتها على استكمال حملها؛ إذ يحرك الإجهاض ذاكرتها في شكل كوابيس تعرض حياتها الزوجية لأزمات عاطفية عميقة قد تؤدي ببعض الأزواج غير المتفهمين إلى قرار الطلاق.

وتبدو المتابعة النفسية للكثير من الزوجات بعد حدوث الإجهاض ضرورية للمساعدة على التخلص من ذكريات الحدث وصوره المزعجة ومواقفه الأليمة.

والمراد قوله، إن حالة المرأة بعد الإجهاض تستحضر السؤال عن الكيفية التي يمكن أن تستعيد بها حياتها الطبيعية من جديد دون الشعور بالتعاسة، فالمرأة غالبًا ستحتاج إلى وقت للعودة إلى سابق عهدها وإلى ما كانت عليه.

ولكي تتخلص نفسها من ثقل مشاعر الفشل وأسى الفقد التي تغمر قلبها والتي يمكن أن تدفع بعض الزوجات إلى النفور من الزوج، وتناول الأدوية والمهدئات وربما المخدرات، وقد يبلغ تفكير بعضهن إلى الانتحار.

لذلك، كان من المهم متابعة المرأة لمدة قد تمتد إلى نفس التاريخ الذي أجهضت فيه، فبرغم مرور الشهور يحدث أن تستعيد المرأة في نفس اليوم ذات الشعور الذي عرفته من قبل، الألم الجسدي والتأثر النفسي والانزعاج وضيق صدر لا يطاق، وتجتاحها حمى عنيفة واعتلال مزاجي حاد وكأنها تجهض مرة أخرى.

لكن المبادرة بالمتابعة العلاجية النفسية المبكرة، يمكن إعادة تشكيل صورة إيجابية لديها عن ذاتها وإعادة بناء ثقتها بنفسها وتصفية ذهنها من الهواجس ومساعدتها على التخلص تدريجيا من الشعور بأنها المتهمة في" قتل " جنينها، ومن التخلص أيضا من الصور المزعجة في ذاكرتها، وتشجيعها على الانفتاح الأسري والعائلي والاجتماعي بشكل يبعث في نفسها الاطمئنان والسلام الداخلي وحثها على التواصل مع الزوج من منطلق الحرص على العش الزوجي، وكل هذا يأتي في إطار التحضير النفسي للمرأة لمحاولة الحمل مرة أخرى.

يؤكد الأخصائيون النفسانيون أن الإجهاض هو فقدان حياة أولا، وفقدان حلم الأمومة ثانيًا، وثالثا يلقي على العائلة واجب إتباع مجموعة من السلوكيات الهامة ولعل من بينها إعطاء قيمة للحادثة ولكن بدون مغالاة وتهويل وبكاء وندب.

وبالمقابل الحرص على عدم إظهار اللامبالاة بالأمر وكأن شيئا لم يكن، خاصة من جانب الزوج حتى وإن كان هناك أطفالا آخرين.

كما ينبغي الانتباه إلى فضول بعض النساء المحيطات بالزوجة؛ حيث يرغمنها بتصرفات غير لائقة وغير محببة على إحياء ما ينبغي نسيانه.

ومن فضائل الدفء العائلي، إشغال الأم المجهضة عن البقاء أسيرة التفكير فيما حدث في إطار مرح، ومحاولة صرف تفكيرها عن ما حدث بالأعمال اليدوية والنقاش الفكري ومشاهدة البرامج الفنية.

كذلك، إبعاد كل ما كان قد جرى تحضيره من لوازم في إطار الاستعداد لاستقبال المولود الجديد، والاحتفاظ به في حقائب بعيدا عن عينيها، ومعاملتها على أنها نفساء، أي وكأنها أم عادية، حتى ولو كانت في حملها الأول، ودعمها في يوميات حياتها لأخذ أكبر قسط من الراحة، والترفيه عنها لأطول وقت كي يتاح لها استرجاع تمام صحتها وكامل عافيتها، وتميل نفسيا وجسديا لتكرار الحمل.

ولكن في التجربة يكمن الدرس، ومنها تبرز العبرة لضمان عدم تكرار الخطأ، بانضباط السلوك وبانتظام تناول ما ينصح به لتقوية جدار الرحم، والاعتناء بكل ما سيمثل المجال الحيوي الضروري لنمو الجنين.

تعتبر معاناة المرأة في حالة الإجهاض أضعاف معاناتها في حالة الوضع الطبيعي، وإن ما يخلفه الإجهاض من آلام عضوية أشد بكثير.

لذلك، تحتاج المرأة إلى حوالي ست أسابيع على الأقل قبل العودة إلى ممارسة العلاقة الحميمية، وهذا بشرط التأكد من توقف النزيف وبعد شفائها تماما.

بالإضافة إلى ذلك، يطلب منها إجراء فحص طبي للتأكد من استعدادها الجسدي والنفسي لذلك، بمعنى أنه من الأحسن ممارسة الجماع في وقت لا يشعر فيه الطرفان بالإرهاق، ولا تعاني فيه الزوجة من حالة الاكتئاب الملازمة للمرأة عادة عدة شهور سواء بعد الإجهاض أو بعد الولادة الطبيعية أو القيصرية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرا أيضًا: صبحة بغورة تكتب: لباقة الحديث.. أدب وفن وتربية