صبحة بغورة تكتب: أثر الأخطاء الإملائية في النطق على مهارة الكتابة

طغت اللهجة المحلية على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية بمجتمعاتنا العربية وحتى في التخاطب الشعبي وامتد أثرها في صياغة الخطاب الإعلامي، ثم ظهرت مفرداتها الدارجة في تصريحات كبار المسؤولين، ولوحظ أن الكثير من المعلمين والأساتذة لا يعيرون خلال التدريس اهتمامًا كافيًا للنطق الصحيح لحروف اللغة العربية وبذلك يتناقلها النشء عن جهالة فانتشرت الأخطاء حتى أصبح تكرارها نطقا مثبتا لها كتابة.

مفهوم أن الإملاء هو نظام لغوي معين، وهو علم يعنى بالقواعد الاصطلاحية التي بمعرفتها يحفظ قلم الكاتب من الزيادة والنقصان والتغيير في أصل المفردات، وهي جزء مهم من الكتابة العربية، ومن الأسس المهمة في إجادة التعبير الكتابي، وهي وسيلة لصحة الكتابة نحويًا واشتقاقًا من حيث الصورة الخطية، وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للإملاء باعتبارها مفتاحا لأبواب المعرفة، إلا أن استمرار مشكلة الضعف الإملائي أقلقت المعلمين وأولياء الأمور وطبقة كبيرة من المثقفين، فالضعف الإملائي يشوه الكتابة ويعيق الفهم، وهي مشكلة تصاحب التلميذ في كل مراحل تعليمه حتى المستوى الجامعي، وقد يتخرج وهو يعاني من هذا الضعف الذي يسبب له حرجا كبيرا في حياته المهنية؛ فالكتابة الصحيحة عامل مهم في التعليم وعنصر أساسي من عناصر الثقافة، والاعتقاد السائد لدى المختصين أن ثمة تأثير عكسي ثابت للبيئة المحيطة على المدرسة وليس كما ينبغي أن يكون اتجاه هذا التأثير، إذ تفرض المفردات الشعبية الخاطئة والتراكيب المحلية الضعيفة في اللهجات الدارجة حضورها على لسان النشء سواء في الحديث بين أفراد الأسرة وخلال العملية التعليمية داخل المدرسة. ولايزال الكثيرون يخطئون في لهجتهم المحلية نطق حرف "ذ" وينطقونه "ز" وتكون النتيجة أن يكتب التلاميذ عن طريق الخطأ في دروس الإملاء مثلا، الاسم الموصول "الذي" تبعا لسماعهم بالشكل "الزي" فيتغير المعنى عند الكتابة لأن "الزي" يعني اللباس.

كما يخطئ الكثيرون في نطق الحرف "ث" وينطقونه بالسين "س" مثل النطق الخاطئ لكلمة "الثلاثاء" بـ"السلاساء" أو "الثلاساء". وأيضًا كلمة "الثواني" التي تنطق "السواني"، وتعني استخراج مياه الآبار بواسطة الحيوانات في التراث السعودي، وكلمة "التراث" عندما تنطق "ألتراس" التي تعني المناصرين المتطرفين رياضيا.

وهكذا أيضًا بالنسبة لحرف القاف "ق" عندما يقرأ كاف في الكثير من الكلمات مثل كلمة "القانون" التي تنطق بالخطأ "كانون" وهو نوع من المواقد الشعبية القديمة، لقد تغير المعنى تماما عند الكتابة بسبب الخطأ الإملائي في النطق. كما نرى الكثير من اللهجات المحلية تخطئ نطق حرف الضاد "ض" الذي يندر أن يوجد في أي لغة أخرى غير اللغة العربية حيث نراه يكتب صحيحا لكن ينطق "ظ " مثل كلمة "ضروري" التي تنطق عن طريق الخطأ "ظروري".

ومن الأخطاء الشائعة عدم الفهم والتفريق في الكتابة بين تاء التأنيث المربوطة والهاء المربوطة، وعدم الإلمام بقواعد الهمزة المتوسطة وطريقة كتابتها في وسط الكلمة، حيث لا يزال الكثيرون لا يجيدون قاعدة كتابة الهمزة المتوسطة التي تنطق مضمومة، مثل "مسـؤول" فيكتبونها خطأ على نبرة مسئول، أو يقعون في خطأ كتابة "شؤون" فيكتبونها "شئوون"، ومثلها مثل الهمزة المتوسطة المفتوحة على ألف والمكسورة على نبرة، ويزداد الأمر سوء عندما يقع الخلط بين كتابة حرف الياء "ي" ذات النقطتين وبين الألف المقصورة "ى" فتختلط المعاني بين اسم العلم "اليلى" وبين ظرف الزمان "الليلي".

إذن يفهم أن الخطأ الإملائي يعني كتابة الكلمة بشكل لا يوافق قواعد الإملاء ويحدث هذا سواء بسبب جهل الكاتب أو الراقن أو الخطأ المطبعي، وغالبا ما ينظر للأخطاء الإملائية بنظرة انتقاد واستهزاء من مستوى كاتبها، وللأسف فهي ظاهرة منتشرة نراها في الرسائل الالكترونية القصيرة والإعلانات التجارية والدردشات عبر المواقع وفي الفيسبوك وتمر مرور الكرام.

ويعكس تعدد الأخطاء الإملائية وتنوعها مدى تفشي الأخطاء اللغوية ومنها الأخطاء الفونولوجية التي تتعلق بالنطق والكتابة وهي دلالة على تراجع مستوى الثقافة، أما استمرار تكرار الأخطاء الإملائية في النطق السليم للحروف العربية فهو نتيجة مباشرة لنقيصة شابت المثقفين والإعلاميين وعيب لقلة القراءة والمطالعة وقصور الباحثين عن المطابقة الكلية أو الجزئية بين الصور الصوتية أو الذهنية للحروف والكلمات وعن مدار الكتابة الإملائية مع الصور الخطية لها التي تتناسب مع قواعد الكتابة الإملائية المحددة أو المتعارف عليها، والدليل على ذلك كثرة ظهور هذه العيوب الإملائية في برامج التلفزيون والومضات الإشهارية والفواصل الإعلامية والإعلانية، وفي البحوث الجامعية ومختلف الدراسات الأكاديمية.

ولا شك أن المداومة على قراءة القرآن الكريم الذي أنزل بلسان عربي مبين ستساعد كثيرًا على تصحيح الكثير من الأخطاء إذا كانت تحت إشراف مباشر من كبار شيوخ التلاوة الصحيحة، وكلما كانت المداومة في سن مبكر كلما تقلص كثيرًا هامش الأخطاء الإملائية في النطق لدى النشء سواء بالنسبة للهجات المحلية الشعبية أو اللغة الفصحى، ولعل الحاجة إلى وجود مدققين ومصححين لغويين تبدو ملحة لتدارك التدهور الإملائي المؤثر على النظام اللغوي برمته.

الضعف الإملائي شائع بين الصغار والكبار بسبب قصور مبكر في معالجته وإهمال تقدير تأثيره السلبي على صياغة الأفكار وإجادة التعبير؛ إذ يمكن أن ينحرف المعنى عن المراد ولا يترجم بدقة حقيقة النية والشعور والقصد، ولعل أشد القطاعات حساسية وتأثرا بذلك هو السلك الدبلوماسي والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، التي قوامها الصياغة المحكمة للعبارات حسب طبيعة المواقف فيما تترجم سلامة اللغة طبيعة القرارات.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية المقالات التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: خوف الطفل من الوقوع في الخطأ.. أسبابه وطريقة معالجته