رانيا يحيى تكتب: «وحوي يا وحوي» و«رمضان جانا».. سحر استحضار روح الشهر الفضيل

في ظل هذه الأجواء العصيبة التي تشهدها الإنسانية بعد تفشي «فيروس كورونا»، وحالة القلق في جميع دول العالم، وتوقف الطيران وشل حركة الاقتصاد وخلافه، يستقبل المسلمون شهر رمضان الفضيل.

أغاني شهر رمضان 2020

ونستقبل شهر رمضان بأغانيه وروحانيته لعله المنجي والمخلص من هذه العذابات، و يتلهفون على انقضاء شهر شعبان بالخير لاستقبال وبلوغ الشهر المبارك ببهجة وفرح وشوق.

تُعد الأغنية من أهم أدوات التواصل بين الشعوب؛ حيث يسهل ترديدها في أي زمان ومكان، خاصة لو تحقق لها التوافق بين عناصرها؛ ما يجعلها أكثر عمقًا فنراهن على استمرارها وبقائها على مدار الزمن.

ولعبت الأغنيات دورًا مهمًا في تجسيد الحالة الدينية والاجتماعية التي تضفيها علينا هالة رمضان بجماليتها ووجدانياتها نتوارثها جيلًا بعد جيل؛ لتظل هذه الأغنيات أيقونة لاستهلال شهر الخير والرحمة.

أشهر أغاني رمضان

أغنية «رمضان جانا»
ومن أشهر هذه الأغنيات ذات الصدى الواسع على مستوى دولنا العربية أغنية «رمضان جانا»، باعتبارها من أجمل ما قُدم لرمضان، بكلماتها الواضحة المعتمدة على الوصف المباشر، وهي تُعد حتى الآن إحدى علامات الشهر الفضيل.

وارتبط صوت المطرب «محمد عبد المطلب» في وجدان الأجيال المتعاقبة بشهر رمضان الكريم.

ويُعد لحن الأغنية من البداية إلى النهاية وحدة لونية متكاملة في سياق يميل إلى الخفة والنشاط في المقدمة الموسيقية التي تسبق صوت المطرب.

خاصة مع المساحة الصوتية العالية لآلات التخت وعلى رأسها الفيولينة والناي، وإيقاع الفوكس في البداية صبغها بحالة جمالية؛ حيث تستمد منه رقتها ورشاقتها.

واستطاع الملحن الكبير محمود الشريف أن يترجم سعادة البشر وفرحتهم بحلول الشهر المعظم، وعبّر أداء المطرب محمد عبد المطلب ببساطته وروعته وهدوئه وتلويناته الصوتية عن الكلمات البديعة التي كتبها حسين طنطاوي بدون مبالغة أو انفعال.

فعند سماعه لم نشعر بغربة عند تلاقينا مع أدواتها، سواء اللحن السلس أو كما ذكرنا الكلمات أو الأداء الطربي لـ عبد المطلب وهو الثالوث المكون لأي أغنية، إذا تكامل التناغم بين أضلاعه نجحت الأغنية وتربعت في قلوب عشاقها.

ويرتكز لحن الأغنية على مقام العجم وهو السلم الكبير في الموسيقى الغربية، ويتميز هذا المقام بسهولة الانتقال منه وإليه، فيلمس الملحن مقامات ذات طابع شرقي مثل الراست.

وكذلك الحجاز والنهاوند بلمحتهما الشجنية، لكنه سرعان ما يعود للمقام الأساسي «العجم»، واستخدم محمود الشريف؛ بجانب إيقاع الفوكس البسيط، إيقاع «المصمودي» الصغير الذي ينتمي لعائلة إيقاع المقسوم.

ومن أجمل ما في أداء عبد المطلب البساطة وأسلوبه الشبيه بالإلقاء المنغم، ورغم المصاحبة الموسيقية إلا أنه أداء فطري تلقائي، وهدوئه في الغناء يشعرنا بالتراث والقيمة الحقيقية لهذه الأغنية التي تستمد رحيقها من زمن الفن الجميل.

وأيضًا أداؤه «الجليساندو» الهابط المعبر والتلوينات النغمية بصوته، ودعم الكورال للتلوينات الجمالية للأغنية وجعلها تطل علينا بأصوات تتكاتف وتتآزر معبرة عن الفرحة برمضان.

ومن الطريف أن عبد المطلب كان يعتبر هذه الأغنية أهم من بيان المفتي؛ لما لها من تأثير في نفوس جموع الشعب المصري والعربي.

أغنية «وحوي يا وحوي»
ورغم مرور عقود على انتشار الأغنيات الرمضانية إلا أننا نتغنى بها إلى الآن ونسعد بسماعها وكأنها وليدة كل عام، وهو ما يثبت جمال وإتقان الفن الحقيقي الذي يحيا بآثاره دون طمس أو تحريف مهما مرت الأعوام

أطفالنا لم يعاصروا على سبيل المثال أغنية «وحوي يا وحويز»، إلا أنها تشع بهجة وفرحة وترتبط في أذهانهم بفانوس رمضان.

وأود أن أقف عند هذه الأغنية التي تتسم بالبساطة الشديدة في اللحن والأداء، ورغم ذلك تُعد من أروع ما غُني لرمضان وظل عالقًا بالفؤاد.

فالأغنية تراثية رائعة ارتسمت في خيالنا بهدوء صوت أحمد عبد القادر، واستلهم المؤلف حسين حلمي المانسترلي الكلمات من مخزون الفولكلور الشعبي المصري الذي يمتد إلى عصر أجدادنا الفراعنة.

كلماتها متوغلة في القدم ويصعب تحديد زمنها بدقة، وكانت تُغنى مع كل الشهور القمرية إلى أن جاء عهد الفاطميين ودخلت الفوانيس للاحتفال بشهر رمضان فارتبطت بهذا الشهر فقط.

واستخدم المؤلف كلمات تعود للغة المصرية القديمة والتي ظلت مستمرة على امتداد العصور، وكذلك بعض الكلمات المتداولة بين الأطفال في ليالي رمضان.

الأغنية تعتمد على تيمة موسيقية لحنية وضعها أحمد الشريف في مقام «الهزام» وهو مقام شرقي الطابع، واللحن «مونوفونيك أحادي» يؤديه التخت الشرقي، والبعد الجمالي هنا نتذوقه بسهولة دون حاجة لفهم أو دراسة؛ لاختراقه الوجدان ببساطة الأداء والصوت التلقائي للمطرب بلا تصنع في طبقة صوتية متوسطة تشعرنا وكأنه يتحدث.

فالأداء أشبه بـ الإلقاء المنغم، كما يزيد الرؤية الجمالية واقترابها من وجدان الجمهور مجموعة الأطفال الكورال أثناء الرد على المطرب والتي تعكس حالة من البهجة.

ويظل اللحن في نفس المقام ويتصاعد حتى يصل إلى «شهر مبارك وبقاله زمان»، فيلمس الملحن مقام الصبا ذا الثلاثة أرباع النغمة والطبقة الصوتية تميل للحدة، بعدها ينتقل لمقام الهزام ومنه للصبا مرة أخرى مع نفس السجع الموسيقي للكلمات في «جيت بجمالك سقفوا يا عيال»، ودائمًا يعود للمقام الأساسي للأغنية الهزام.

[caption id="attachment_59790" align="alignnone" width="1184"]رانيا يحيى د. رانيا يحيى[/caption]

والأغنية في مجملها لوحة بسيطة رقيقة يسهل ترديدها، وهو ما صبغها بهذا التلوين الجمالي المسيطر علينا وعلى كل الأجيال العاشقة لها؛ حيث استطاعت أن تخاطب الوجدان بمنتهى الصدق.

وحققت نجاحًا منقطع النظير حتى وقتنا الحاضر؛ لأنها أغنية طربية ذات سرعة متوسطة تميل للبطء في مقام شرقي وظهرت لجمهور متذوق محب للاستماع، وكانت تتناسب مع فرحة الاستقبال بالشهر الكريم فظلت عالقة بالأذهان.

وبالطبع هناك العديد من الأغنيات، سواء الحديثة أو التراثية، لكننا اقتصرنا على اثنين من أروع وأبقى الأغنيات التي تُعد تراثًا غنائيًا وموسيقيًا مميزًا له سحره وقوته في استحضار شوقنا لشهر هو خير من ألف شهر.

دكتورة رانيا يحيى تكتب: “أحلف بسماها” و”أم البطل”.. كيف ساهمت الأغنية في الصمود والنصر؟