لقد عانى الوطن العربي ويلات الحروب والتشرذم منذ دخول الكيان الصهيوني كالجرثومة الحاملة للمرض الخبيث لينهش في جسد هذه الأمة؛ حيث لعبت الأغنية دورًا في مسايرة هذه الأحداث.
واستطاعت أن تعبّر عن آلام الاعتداء على أرضنا المغتصبة، وما بذله جيشنا والجيوش العربية من أجل التحرير.
فعبرت الأغنية عن الصمود والكرامة والعزة أثناء العدوان الثلاثي، وما تلاه في أحلك مراحل الصراع إبان هزيمة 1967 التي لحقت بالعرب.
ولكن الكلمات كانت تستبشر النصر، وتساعد في إشعال حمية الجنود؛ فلعبت بذلك الأغنية دورًا قويًا في الدفاع عن الوطن جنبًا إلى جنب أسلحة الجنود.
ونجد صوب أعيننا أغنية "عدى النهار" كواحدة من أجمل الأغنيات الوطنية التي تبرز مدى إيمان القائمين عليها بالنصر على العدو وعدم الاستسلام للهزيمة التي لحقت بالعرب بعد حرب 67.
والكلمات التي عبر بها "الأبنودي" كانت تعبر عن مشاعر العطاء للوطن بفيض غزير وكأننا في حلم بيوم النصر.
حيث بدأ بانكسار واقعي ثم انطلاقة بهذا الحلم العربي الشامخ وعاد بنا "الأبنودي" مرة أخرى لهذا الواقع المرير، كي نتذكره ليظل الحلم هو الهدف حتى تحقيقه.
والتي شبه فيها الأحداث السياسية والمشاعر الوطنية المؤلمة لأبناء دولة فلسطين الشقيقة بآلام السيد المسيح -عليه السلام- فكانت مرادفاته تزيد من هذا الإيحاء والإيهام بالعذاب وتجسد الألم والمعاناة.
وخرجت أغنية "أحلف بسماها" كصيحة تغنى بها العندليب في جميع حفلاته حتى تحقق النصر.
وكانت خير معبر عن رجولة ووطنية في جملة "أحلف بسماها وبترابها" للدلالة على الإصرار مهما نتكبد من أجل قيمة وطننا.
أيضًا، تحفيز الهمم وجمع شمل الوطن العربي، والذي برع الأبنودي في التعبير عنه بالقول (ما تغيب الشمس العربية طول مانا عايش فوق الدنيا) بقمة الإبداع والمسؤولية لعودة الحلم العربي الذي تفجر داخلنا.
وإلى الآن تحمل كلماتها أمل الوحدة العربية في استشراقة مبكرة من الشاعر المبدع عما يجول في أواصر أبناء الأمة.
أما أغنية "ابنك يقولك يا بطل"، فقد أكد قدوم النصر في فلسفته الشعرية لرفض العدو المغتصب.
كما انطلقت ألفاظه المعبرة عن حبه الصادق لتراب أرض الفيروز سيناء بأغنية "صباح الخير يا سينا" في حالة من التفاؤل والأمل.
[caption id="attachment_156490" align="alignnone" width="926"] د. رانيا يحيى[/caption]
والحقيقة كان للفن دور محوري في تعضيد مشاعر الصمود والكفاح واستعادة أرضنا وعرضنا.
فقد لعب بعض الموسيقيين دورًا قوميًا حتى تحقق النصر وفي مقدمتهم بليغ حمدي.
حيث مكث في الاستوديوهات لأيام لتلحين أغاني النصر إيمانًا منه بهذا الدور الوطني فخرجت "بسم الله.. الله أكبر" باعتبارها صرخة وانتفاضة بغناء الكورال للتعبير عن قوة الجيش المصري العظيم ببسالته وصموده.
وكانت مؤكدة للروح التي أفصحت عن الوحدة الوطنية بخروج الجيش يوم العاشر من رمضان بمسلميه ومسيحييه في اتحاد وقوة لنصرة بلدنا.
وهي أول أغنية تعبر عن لحظة الانتصار، كما لحن للعندليب من كلمات محمد حمزة "عاش اللي قال"، "عبرنا الهزيمة" وغيرهما.
أيضًا من الأغنيات الرائعة التى عبّرت عن فرحة النصر، أغنية "لفي البلاد يا صبية" للملحن المبدع محمد الموجي؛ وكلمات محسن الخياط في مقام "البياتي".
ورغم أنه يتسم بالشرقية والحزن إلا أن عبقرية الملحن جعلته يستخدمه ببهجة ليعكس روح الانتصار.
حيث قوة تأثير الكلمات وما لها من دور مهم في دفع الحس الوطني الذي تدفق من الشاعرة نبيلة قنديل؛ زوجة الملحن والموزع الموسيقي صاحب الإبداعات علي إسماعيل.
أنتج الثنائي إبداعات متعددة أذكر منها أغنيتان؛ الأولى "راجعين" وفيها تنوع أداء الكورال بجانب التوزيع الآلي الذي أخرج حالة شعورية جاذبة للمستمع. وهنا حدثت حالة من التكامل والتزاوج الإيجابي ما بين كلمات شديدة الحماسة ترفع عزيمة الجنود وكذلك تدعو للتكاتف ووحدة الشعب ضد العدو، وتؤكد الإيمان بالواجب الوطني والقسم باسم مصر.
أما الأغنية الثانية، فهي "أم البطل" للمطربة شريفة فاضل، والتي عبرت بصدق متناهٍ عما عاشته من فقدان ولدها الأكبر السيد بدير واستشهاده في الحرب، وما في هذه الحالة من تناقض شديد بفخر الأم بابنها البطل كأحد رموز قوات الجيش الباسل الذين راحوا فداء هذا النصر العظيم للوطن، وما بين حزنها الدفين على فراقه.
وتغلب هنا عبقرية الأداء لشريفة فاضل، والتي أبدعت بصدقها في تأكيد كل كلمة ومعنى بإحساس مرهف؛ فحققت نجاحًا كبيرًا.
كما تغنت الرائعة شادية بمجموعة من الأغنيات الوطنية في مناسبات عدة؛ منها "أمانة عليك أمانة"، "بلد السد".
وبعد مرور سنوات غنت شادية "يا حبيبتي يا مصر"، وكثير من الأغنيات المحفورة في أذهاننا وأرواحنا.
وكانت الحالة العامة يسودها الفرح بهزيمة العدو الصهيوني، فشدت مبدعات الأمة العربية بالأغنيات الوطنية التي صالت وجالت في وجداننا جميعًا، ورسخت لمشاعر النصر والانتماء لأمة تستحق أن تظل رايتها دائمًا شامخة أبية.
دكتورة رانيا يحيى رئيس قسم فلسفة الفن بأكاديمية الفنون عضو المجلس القومي للمرأة بمصر
اقرأ أيضًا: د. رانيا يحيى تكتب: لطفي بوشناق.. “بافاروتي العرب”