دكتورة رانيا يحيى تكتب: في عيد الحب.. المرأة «جوهرة» الحياة وسر الإبداع

في يوم عيد الحب تنتفض القلوب مُعلنة عن كسر القيود والحواجز لبلوغ أسمى معاني الإنسانية، فالحياة لا ترقى إلا بالحب الذى يُولّد الأحاسيس لتنطلق الإبداعات من مكنوناتها وترسم لوحات فنية شعورية تتدفق فيها أنات فنانيها عابرة للجغرافيا والتاريخ.

رانيا يحيى

عيد الحب

وعبّر كثير من المبدعين عن تلك المشاعر الفياضة في كلمات مأثورة، فنجد مثلًا الأديب والشاعر الألماني «جوته» يقول «عندما تنام كل العيون، تظل عيون الحب وحدها ساهرة».

بينما تتمثل وجهة نظر المؤلف الموسيقي العالمي «لودفيج فان بيتهوفن» عن علاقة الموسيقى بالحب في قوله «يجب أن تُشعل الموسيقى النار في قلوب الرجال وتجعل عيون النساء تدمع»، وتؤكد ذلك رؤية وفلسفة الموسيقي الألماني العالمي «ريتشارد فاجنر»، حين قال «لم أستطع أن أفهم روح الموسيقى إلا بالحب».

وكانت المرأة دائمًا سر تحريك ملكات الإبداع لعدد كبير من عمالقة الموسيقى في العالم؛ باعتبارها جوهرة الحياة ومانحة الطاقة المتجددة التي تنبعث منها الآمال والأحلام.

فنجد عبقرية «بيتهوفن» تقودها العلاقات العاطفية في بعض أعماله متأثرة بهذه النزعة الرومانسية؛ حيث اكتشف أصدقاؤه، بعد وفاته، ثلاثة خطابات مُخبأة في أدراجه الخاصة كتب عليها عبارة «إلى حبي الخالد»، ولم يتم التأكد بعد من هي مانحة هذه المشاعر!.

ضوء القمر

ورغم هذا إلا أن هناك بعض الدلائل على اتجاه مشاعره نحو الكونتيسة «جولييتا جويتشاردي» تلميذته، والتي كتب لها واحدة من أشهر «سوناتات» البيانو وهي المعروفة بـ «ضوء القمر» عام 1801، كما كتب لحبيبته «جوزفين» السيمفونية السادسة «الريفية» عام 1808، وجسدت السينما هذه العلاقة العاطفية للموسيقار العالمي في أحد الأفلام السينمائية عام 1994 والذي حمل اسم «الحبيبة الخالدة».

أما المؤلف الموسيقي «هيكتور بيرليوز»؛ فقدم للإنسانية واحدة من أهم وأنجح الأعمال والتي حظيت بشهرة واسعة، وهي السيمفونية الخيالية عام 1830، وتعتبر بمثابة مذكرات شخصية؛ حيث تعود إلى قصة الحب التي عاشها المؤلف مع الممثلة الأيرلندية الأصل «هاريت سميثون»؛ والتي وقع في غرامها حين رآها تؤدى دور «أوفيليا» في مسرحية «هاملت».

كما عُرف عن «ريتشارد فاجنر» علاقاته الغرامية المتعددة والتي ترجمها في عروضه الأوبرالية الشهيرة، مثل: «تانهاوزر، برسيفال، تريستان وإيزولت»؛ حيث تمتزج الموسيقى بولع الحب واللهفة مع مشاعر اليأس والألم.

وهناك قصة حب سرية في حياة الأسطورة «شيطان الكمان» الإيطالي «نيكولو باغانيني»؛ والتي ربطت بينه وبين إحدى معجباته التي داومت على حضور حفلاته ووعدها بإهدائها عملًا موسيقيًا يجسد مشاعره، وبالفعل كتب واحدة من أهم أعماله وقدمها بنفسه لأول مرة للجمهور بعنوان «مشهد حب»، والتي تُعزف من خلال وترين فقط من أوتار الآلة؛ ليُعبر كل وتر عن قطبي هذه العلاقة.

عاطفة المرأة

فالأول هو تعبير عن عاطفة امرأة شابة في صورة «فينوس»، أما الثاني فيُعبر عن عاطفة لغة محمومة لعاشق مُتيم وهو «أدونيس»، ويُعتبر هذا العمل من أنجح الأعمال التي استطاعت أن تجسد واحدة من علاقات الحب المتعددة في حياة هذا المؤلف العبقري؛ من خلال نموذج جديد من المؤلفات التي أبدع فيها بلغة الحوار بين الحبيبين مُجسدة العشق والغرام.

وفي القرن الماضي، تأججت إحدى أشهر قصص الحب بين ملكة الأناقة والموضة «كوكو شانيل» والموسيقي الروسي «إيجور سترافنسكي»؛ والتي تابعناها في فيلم «كوكو شانيل وإيجور سترافنسكي» إخراج جان كونين، والذي أوضح العلاقة العاصفة بينهما ومدى تأثيرها في إبداع كل منهما، فالحب عادة هو جوهر الإبداع.

وفي عالمنا العربي، كان الحب وراء إبداع حقيقي ومتجدد في عالم الموسيقى والغناء، ولعبت الثنائيات العاشقة دورًا كبيرًا في إثراء تاريخنا الفني بعدد لا بأس به من الأغنيات التي فجرت طاقات هائلة من الأحاسيس والمشاعر المتدفقة بين المحبين، وسواء انتهت هذه العلاقات بالزواج أم ظلت حبيسة الصدور، فهي أفرزت إلهامًا صادقًا.

فعلى سبيل المثال، نجد الثنائي الغنائي الشهير «ألمظ وعبده الحامولي» بكل إبداعهما في القرن التاسع عشر، وما له من تأثير في الأجيال التالية، وفى القرن العشرين مع تألق كوكب الشرق «أم كلثوم» ظهر عشاقها ومحبوها ممن تعاملوا معها وقدموا لها أروع أغنياتها، مثل أحمد صبري النجريدي وقدم لها «اللي انكتب على الجبين لازم تشوفه العين»، «يا كروان والنبي سلّم».

جددت حبك ليه

بجانب عشق الشاعر أحمد رامي؛ والذي برع في كتابة أروع القصائد «جددت حبك ليه»، «هجرتك»، «دليلي احتار»، أما محمد القصبجي فلم يكن مجرد عازف أو ملحن وإنما تُيّم بحبها مترجمًا ذلك في «رق الحبيب، صباح الخير، ما دام تحب».

ولم تكن أم كلثوم وحدها من تربعت على عرش قلوب محبيهم، وإنما نجد فايزة أحمد حظيت بقلب محمد سلطان وتزوجا وأخرج أعمالًا إبداعية جسدت حبهما سويًا؛ وهي «رسالة من امرأة، خليكو شاهدين، دنيا جديدة».

وأيضًا، نقف أمام ثنائية بديعة متمثلة في وردة وبليغ حمدي كعلاقة حب وزواج من أصدق وأشهر زيجات الوسط الفني والغنائي، وقدم بليغ لمحبوبته مجموعة رائعة من الأغنيات التي ما زالت تشجي مسامعنا؛ لما تتضمنه من مشاعر إنسانية صادقة، كما في «أحبك فوق ما تتصور» قبل زواجهما، ثم وُثق الزواج وكان الفن شاهدًا على الحب في «طب وأنا مالي، العيون السود، لو سألوك بلاش تفارق».

وهناك كذلك علاقة الحب التي تُوجت بالزواج بين صوت السماء «السيدة فيروز» وزوجها الملحن والموزع عاصي الرحباني؛ واللذين لمعا في العالم العربي؛ حيث تميزت هذه المدرسة بالتجديد والتطوير مع قِصر مدة الأغنية، وتناولها قضايا وموضوعات متنوعة أثرت الحياة الغنائية بروح جديدة عصرية وغير تقليدية، كما في «زهرة المدائن، نسم علينا الهوا، باكتب اسمك يا حبيبي» وغيرها الكثير.. حقًا إنه الحب صانع المعجزات ومفجر طاقات وملكات الإبداع التي تلامس الوجدان بمشاعر صادقة تترجمها الكلمات والألحان لننعم بالموسيقى غذاء الروح.

اقرأ أيضًا: رانيا يحيى تقدم أول كتاب عن «فؤاد الظاهري» عبقري موسيقى الأفلام