المسرح أو اللعب التمثيلي إحدى الممارسات الفطرية التي يدركها الأطفال دون أن يوجههم أحد، لذلك ترى الطفلة تلازم دميتها وتعتني بها كما لو كانت أمًا لها أو شقيقة أو صديقة، وكذلك يفعل الطفل عندما يتعامل مع العصا على أنها سلاح أو سيارة أو دراجة أو حصان، جميعها أوجه مختلفة للعبة المحاكاة التقليدية التي نكتسب منها نحن البشر كثير من تقاليدنا وثقافتنا.
المسرح والأطفال
وإذا كان المسرح وهو الوسيلة غير التقليدية للتعليم لم يوظف بعد كما يتناسب وهذه الأهمية في خدمة الأغراض التعليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد آن الأوان أن يتم الالتفات إليه بدراسة نوعية العمل المسرحي الذي يناسب هذه الفئة، وقد سبق ذلك تجارب عملية كما هو الحال في جميع الممارسات المسرحية التي دائمًا ما يسبق فيها التجربة التنظيم والتطبيق.
وأتيح لي من خلال متابعتي لمسرح الطفل والمسرح المدرسي أن أطلع على كثير من تجاربهم المسرحية التي أمكنني أن أخلص منها إلى هذه الورقة التي آمل أن تسهم في نشاط هذا المسرح النوعي لما له من ضرورة وأهمية كعلاج سلوكي للأطفال بما يوفره من بيئة اجتماعية وفنية ومحاكاة تعليمية.
المسرح رسالة يوجهها العرض خلاصتها أن الحياة لمن يؤمن بها فقط، أما الإحباط والاستسلام للعقبات سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، فإنه يعني الخروج نهائيًا من ساحة العطاء، غير أن الأكثر أهمية من كل ذلك هو عنصر الفرجة في العمل لما يتميز به من جماليات وإتقان، وحيوية، وتنوع.
اكتشاف المواهب
المسرح هو عالم يشمل الموسيقى والرقص والأداء، فتتشكل اللوحة الاستعراضية في أجزاء كثيرة منها، توظف بمهارة عناصر كالإضاءة والأزياء، والإيماءات والديكورات البسيطة والألوان وسواها. حيث تبرز الليونة والسرعة البداهة، والقدرة على تجسيد الشخصية لا من حيث المظهر فقط، بل من الداخل أيضًا.
كثير من العروض تحتاج إلى متابعة إعلامية مناسبة، فالمسرح المدرسي أو الجامعي منصة مهمة ينبغي الالتفات إليها بغية اكتشاف المواهب والطاقات، وبغية التعرف أيضًا إلى طبيعة الاهتمامات التي يعيشها جيل الشباب سواء أكانت على مستوى الحياة، أو على مستوى الفن والرؤى والتطلعات الإبداعية.
يضاف إلى ذلك جانب لا يقل أهمية عن سابقه، وهو الدور الذي تقوم به المؤسسة الأكاديمية في الحياة الثقافية العامة فالانفتاح على المجتمع ضرورة لا غنى عنها. والخروج بالتجارب من القاعات المغلقة باتجاه المجتمع خطوة لصالح الطرفين معًا.
قد يكون هذا ما ينبغي التركيز عليه فيما يخص توثيق الصلة بين المِؤسسة التعليمية والمجتمع، للوصول إلى نوع من التكامل والثراء في المنجز النهائي.
دمج ذوي الهمم
يختلف المسرح مع هذه الشريحة عن غيره من الممارسات النوعية. في أن الممارسين يحتاجون إلى أدلة تقودهم بالضبط كما هو الحال في جميع الأنشطة الحياتية الأخرى.
والدليل يكون معلمهم نفسه، أو من ينوب عنه من أشخاص مألوفين لهم، على أن يقود هذا الدليل اللعبة التمثيلية. ولا يشترط أن يكون محترفًا للتمثيل أو دارسًا له، فقط المهم أن يكون مؤمنًا بأهمية ما يصنع.
لأنه يحتاج إلى تصرف بسيط وطبيعي ولا يتطلب هذا العمل مغالاة أو إبداعًا، وأي جنوح نحو ذلك يفسد المسألة برمتها، فقط مطلوب من المعلم أن يتفهم نص الموضوع وأن يرتب أفكاره جيدًا حتى ينطلق في الاتجاه السليم وإلى الأمام ممسكًا بناصية الأمور.
النصوص المناسبة
إن لأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة نصوصًا مسرحية تتناسب معهم وتوافق مراحلهم العمرية والذهنية. وأي محاولة فرض أفكار مسرحية تتعالى عليهم يكون لها أثر عكسي. النصوص يجب أن تصاغ من قبل مسرحيين متعاطفين مع هذه الحالات الإنسانية. دارسين لطبيعتها وقدرتها على أن تنتصر النصوص المصاغة للصورة والحركة والفعل المسرحي على حساب الحوار.
وأن تترك فراغات للموسيقى التي تحظى بقبول كبير من هؤلاء الأطفال. الأمر الذي يجعلها وسيطًا أساسيًا في تقويم وتربية وتعليم حالات متأخرة ونادرة جدًا منهم. كذلك تساهم الإضاءة في أفضل توظيف لها في العلاج السلوكي للأطفال.
كما يتضمن النص المسرحي فاصلًا احتفاليًا يبتهج فيه الممارسون، ويتبادلون الكلمات والتحيات. ويعرض باللهجة المحلية بواسطة جمل مختزلة ومعبرة وقصيرة يقوم على أداء أكبر قدر منها المعلم. وكبيان على ذلك نحاول وضع الخطوط الرئيسية للمسرحية.
المسرح هو الوسيط الساحر للتربية والتعليم والتقويم لهذه الفئة التي تستحق منا كل الرعاية والعناية بدلا من الاستهانة بهم. والسخرية من أحوالهم التي تتعهدها الدراما ووسائل الإعلام. التي يجب أن ترتفع الأصوات من كل الاتجاهات تناشدهم الكف عن مضايقة هؤلاء الأطهار ذوي الهمم.






















