العيد في السعودية.. هل سرقت السوشيال ميديا بهجة اللقاءات؟

العيد في السعودية.. هل سرقت السوشيال ميديا بهجة اللقاءات أم أضافت بُعدا جديدا؟
العيد في السعودية.. هل سرقت السوشيال ميديا بهجة اللقاءات أم أضافت بُعدا جديدا؟

لطالما ارتبط العيد في السعودية، “الفطر والأضحى” بصورٍ راسخة في الذاكرة الجمعية؛ تجمعات عائلية دافئة، أصوات تكبيرات العيد الصادحة في المساجد، رائحة القهوة العربية والحلويات التقليدية تملأ البيوت، وأطفالٌ يركضون بفرح بملابسهم الجديدة، حاملين عيدياتهم التي اكتسبوها بكل براءة.

كانت هذه الأجواء جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السعودي، تعكس قيمًا عميقة من الترابط والتكافل والاحتفاء بالدين والتراث.

العيد في السعودية

ولكن مع الطفرة الهائلة التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، وبروز منصات؛ مثل: “سناب شات، تويتر، إنستجرام، وتيك توك” كجزءٍ لا يتجزأ من الحياة اليومية، يطرح تساؤلًا ملحًا: هل فقدت أجواء الاحتفال بالعيد في المملكة بريقها الأصيل، أم أنها تكيفت مع هذا الواقع الجديد، محتفظة بجوهرها رغم التغيرات؟

لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أدخلت بعدًا جديدًا على طريقة الاحتفال بالعيد. فبدلًا من التركيز المطلق على التفاعل المباشر مع الأهل والأصدقاء، أصبح هناك حرصٌ متزايد على توثيق اللحظات ونشرها، ومشاركة تفاصيل العيد مع دائرة أوسع من المتابعين الافتراضيين.

فنجد الكثيرين يحرصون على التقاط الصور ومقاطع الفيديو للأطباق الشهية، والملابس الجديدة، والعيديات، وحتى زيارات الأقارب، ليتم نشرها على الفور، مصحوبة بالتهاني والتعليقات.

هذا التوجه، في أحد جوانبه، يعكس رغبة طبيعية في مشاركة الفرحة والبهجة، وتوسيع نطاق الاحتفال ليشمل مجتمعات افتراضية. كما أنه يوفر فرصة للذين قد لا يتمكنون من التواجد مع أحبائهم جسديًا لمشاركتهم بعض تفاصيل العيد، وإن كان افتراضيًا.

هل سرقت السوشيال ميديا بهجة اللقاءات في العيد؟

ولكن، في جانب آخر، يرى البعض أن هذا السلوك قد أفرغ الاحتفال من بعض جوهره. فبدلًا من الاستمتاع باللحظة الحالية والتفاعل الحقيقي، يتحول التركيز إلى “صناعة المحتوى” القابل للنشر؛ ما قد يشتت الانتباه عن الهدف الأساسي من العيد، وهو التقرب من الأهل والأصدقاء وصلة الأرحام.

قد تتحول الزيارات العائلية إلى مجرد مناسبات لالتقاط الصور الجماعية، وتفقد الأحاديث العميقة والمرح العفوي لصالح البحث عن “اللقطة المثالية” أو “الفيديو الفكاهي” الذي سيحظى بأكبر عدد من الإعجابات. وهذا قد يخلق شعورًا بالضغط الاجتماعي. إذ يشعر البعض بضرورة تقديم صورة مثالية للعيد على وسائل التواصل، حتى لو كانت لا تعكس بالضرورة الواقع.

ومع ذلك، من المبالغة القول إن وسائل التواصل الاجتماعي قد فقدت أجواء الاحتفال بالعيد بريقها بالكامل. فالعديد من الجوانب الأساسية للعيد ما زالت تحتفظ بقوتها وبريقها. فالتجمعات العائلية الكبيرة ما زالت هي المحور الأساسي للاحتفال. إذ تتجمع الأسر من مختلف الأجيال، لتبادل التهاني، وتناول وجبة العيد الشهية، والحديث عن الذكريات والخطط المستقبلية.

هذه اللقاءات، حتى وإن تخللها استخدام الهواتف الذكية بين الحين والآخر، تظل تحتفظ بدفئها وروحها. كما أن تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران ما زال تقليدًا راسخًا، يعزز الروابط الاجتماعية ويجسد قيم التكافل والمحبة.

التركيز على الجانب الديني للعيد

أحد الجوانب التي لم تتأثر كثيرًا؛ بل ربما تعززت، هو التركيز على الجانب الديني للعيد. فصلاة العيد في المصليات والمساجد ما زالت تشهد حضورًا غفيرًا، وتلهج الألسنة بالتكبير والتهليل.

الكثيرون يحرصون على أداء زكاة الفطر وتوزيع الأضاحي، تجسيدًا لروح العطاء والتراحم التي يدعو إليها الدين الإسلامي. هذه الممارسات الدينية هي جزء لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد. وهي تتجاوز تأثيرات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى صعيد آخر، يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي قد أسهمت في بعض الأحيان في إحياء بعض العادات وتطوير أخرى. فمثلًا، نرى الكثير من الحسابات السعودية المتخصصة في الطبخ تشارك وصفات للأطباق التقليدية التي تقدم في العيد؛ ما يشجع الأجيال الشابة على تعلم هذه الوصفات والحفاظ عليها.

كما أن بعض المنظمات والمبادرات الخيرية تستغل هذه المنصات لجمع التبرعات وتوزيعها على المحتاجين في العيد؛ ما يعزز روح التكافل الاجتماعي. وحتى العيدية التقليدية، التي كانت تعطى نقدًا للأطفال، أصبحت أحيانًا تحول إلكترونيًا. ما يسهل على الأقارب البعيدين إرسالها.

أجواء الاحتفال بالعيد في المملكة شهدت تحولًا وتكيفًا

لذا يمكن القول إن أجواء الاحتفال بالعيد في المملكة لم تفقد بريقها بالكامل بسبب وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل إنها شهدت تحولًا وتكيفًا. ففي حين أن هناك جوانب قد تأثرت بظاهرة “التوثيق والمشاركة”؛ إلا أن الجوهر الحقيقي للعيد، المتمثل في الترابط الأسري، وصلاة العيد، وتبادل الزيارات، والعطاء، ما زال قويًا وراسخًا.

الرابط المختصر :