الدكتورة سلوى الهزاع: المرأة السعودية تعيش مرحلة تمكين غير مسبوقة

سلوى الهزاع

ـ أهم إسهاماتي الصحية علاج أول حالة بالشرق الأوسط وراثيًا ـ أوشكنا على وضع استراتيجيات وطنية لفحص مرض السكري تشرفت باختياري أول طبيبة سعودية تدخل القصر الملكي ـ نجحت في وضع المملكة على خريطتي الجينوم والذكاء الاصطناعي

 

واحدة من أكثر النساء تميزًا وتأثيرًا في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، ومن أوائل السعوديات اللاتي حققن نجاحات دولية أكاديمًيا ومهنًيا وسياسًيا، وأول امرأة تدخل القصر الملكي في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، كطبيبة له؛ لذا لُقبت بـ "طبيبة الملوك"، كما لُقبت بطبيبة القارات الخمس.. إنها الدكتورة سلوى بنت عبد الله فهد الهزاع؛ كبيرة الاستشاريين في طب وجراحة العيون، التي التقتها "الجوهرة" فكان الحوار التالي..

من هي سلوى عبد الله الهزاع؟

الزوجة، والأم، والطبيبة، والجراحة، والأكاديمية، والباحثة، والمهتمة بالذكاء الاصطناعي لوضع استراتيجية وطنية خاصة بإجراء الفحص المبكر لجميع مرضى السكري لفحص العين، لدي ثلاثة أبناء؛ هم: "مشعل" فنان تشكيلي، "نايف" رجل أعمال، والمهندسة هالا.

وعملت عضوًا تنفيذيًا بالمجلس الدولي لطب العيون، وأول امرأة بالشرق الأوسط، وطبيبة العيون الوحيدة من القارات الخمس؛ لذا لقبت بـ "طبيبة الخمس قارات".

في عام ٢٠١٣ صرت عضوًا في "مجلس الشورى البرلماني" السعودي في خطوة تاريخية سمحت للمرأة لأول مرة بأن تكون جزءًا من الهيئة الاستشارية الرسمية في المملكة، وفي عام ٢٠٠٨ شغلت منصب "مستشار أول" لوزير الصحة السعودي، ثم كبيرة الاستشاريين في طب وجراحة العيون وأستاذة إكلينيكية متميزة ومحاضرة في كلية الطب بجامعة المؤسس الملك عبد العزيز وجامعة الفيصل منذ ٢٠٠٩.

كرمتني جامعة فرانكلين السويسرية، ونلت الدكتوراه الفخرية في عام ٢٠١٧م، ثم في عام ٢٠٢٠ عُينت عضوًا في أول "مجلس أمناء" جامعات بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وأضع حاليًا استراتيجيات وطنية لفحص مرض السكري (الوباء الصامت) من واقع خبرتي على مدار ٣٥ عامًا في "مرض سكري العين".

طبيبة الخمس قارات

سلوى الهزاع طبيبة الخمس قارات.. ما قصة هذا اللقب؟

بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وصلتني مكالمة هاتفية من جنوب أمريكا خلال الاجتماع العمومي للمجلس الدولي لطب وجراحة العيون، باختياري ضمن المجلس، وضرورة ذهابي إلى أستراليا بعد ثلاثة أشهر لإجراء المقابلة وامتحاني لتولي أعلى منصب يصل إليه طبيب العيون.

ذهبت إلى أستراليا بعد أشهر من أحداث ١١ سبتمبر؛ حيث ظهرت فيها المملكة العربية السعودية بمظهر غير مستحب عالميًا ودوليًا، وبعد ثلاثة أيام من المقابلات، تم اختياري بالمجلس العالمي لطب وجراحة العيون؛ فكنت المرأة الوحيدة في المجلس من خمس قارات ، كما كنت أصغرهم سنًا.

وعندما ألقيت كلمتي أمام أكثر من ١١ ألف طبيب عيون اجتمعوا في سيدني، كانت تُعد أكبر وأنبل رسالة بأن السعودية في عام ٢٠٠١-٢٠٠٢ أعطت المرأة حقها؛ إذ سلطت الضوء على طب وجراحة العيون في بلادي، بداخل أكبر صرح طبي في الشرق الأوسط؛ وهو مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث؛ فكانت رسالة قوية بأننا لسنا إرهابيين، بل دعاة تحضر وتقدم.

التوفيق بين الأسرة والعمل

كيف وفقتِ بين حياتك الأسرية وبين عملك ورسالتك؟

دومًا أُسأل هذا السؤال: كيف أوفق بين كوني زوجة وأم، وبين رئاستي قسم العيون على مدى ٢٤ عامًا متتالية في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وكبيرة الاستشاريين في طب وجراحة العيون؟

هناك ١٨ ساعة خلال الـ٢٤ ساعة في اليوم أستطيع التوفيق فيها بين عملي وبيتي، فإذا حدد المرء أولوياته وفكر كيف ينظم يومه كل صباح، استطاع تحقيق الكثير.

وبجانب الطب، أهتم بالأبحاث والارتقاء بقسم الطب وجراحة العيون للعالمية، فاستطعت بفضل الله تعالى أن أقدم الكثير لوطني الغالي؛ كي يكون على خريطة طب وجراحة العيون عالميًا، وكان آخر جهودي وضع السعودية على خريطة الجينوم وخريطة الذكاء الاصطناعي.

العصر الذهبي للمرأة

بمَ تنصحين المرأة في ظل دعم قيادة المملكة لها؟

أقول للمرأة السعودية: كم أنتِ محظوظة في هذا الزمن، زمن سلمان الحزم، وما تلقته المرأة من دعم وتمكين في مختلف المجالات؛ فذلك كان صعب المنال في حقبة الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية.

تستطيع الآن كل امرأة أن تحقق أفضل مما حققته أنا وغيري من السعوديات الناجحات؛ إذ يمكنها التنقل بسهولة والعثور على جميع ما كنا ننتظره من منشورات أكاديمية وعلمية.

أتمنى في هذا العصر الذهبي؛ عصر تمكين المرأة، أن تصل كل امرأة إلى أعلى المستويات. وأقول: لم يكن لي رواد سعوديات بل كانت رواد أمهات على بساطتهن، أما الآن فهناك رائدات في الطب، والصحة، والإدارة، والأبحاث، وشتى المجالات.

أول طبيبة بالقصر الملكي

كنت أول طبيبة تدخل قصر الملك فهد بن عبد العزيز، فكيف جرى ذلك؟

كان لي الشرف كأول طبيبة سعودية تدخل القصر الملكي من جميع الأجناس؛ وذلك في عام ١٩٩٧م باختياري الطبيبة الخاصة للملك فهد؛ حيث عملت معه حتى وفاته؛ الأمر الذي فتح أبوابًا كثيرة للمرأة السعودية.

وبعد كشفي الأول له، أخبرني أطباؤه بأنها المرة الأولى التي تقوم فيها طبيبة من أي جنسية بفحص الملك، وكثيرًا ما كنت أُسأل عن سر استمراري في القصر الملكي، فكنت أجيب: أستعمل عقلي وقلبي عند فحص العائلة المالكة، فأعطيهم كمرضى ما أملك من نصح وعلم.

وقد شرفت بهذا المنصب ٧ سنوات، دون أن أتخلى عن منصبي في مستشفى الملك فيصل، فكنت أباشر عملي في المنصبين.

سلوى الهزاع

أقوى العربيات تأثيرًا

كيف كان شعورك بدخولك قائمة أقوى النساء العربيات تأثيرًا؟

في عام ٢٠٠٥ اختارتني مجلة فوربس العالمية ضمن قائمة أقوى النساء العربيات تأثيرًا، في وقت كان فيه تحفظ كبير على ظهور النساء إعلاميًا، فكنت من أوائل النساء اللاتي خطت هذه الخطوة؛ لأفتح الأبواب للجيل القادم.

والآن بعد أن أصبحنا- نحن النساء- في كل مجال، أشعر بالسرور؛ كوني من أوائل النساء اللاتي حظين بالمنصب الأكاديمي والبحثي والسياسي والطبي في ذلك الوقت.

التصدر الرقمي للمملكة

المملكة تصدرت مجال الصحة الرقمية بين مجموعة العشرين، فهل يسهل تحقيق ذلك في كل المجالات؟

فعلًا، تصدرت المملكة مجموعة الـ 20 بمجال الصحة الرقمية، فعندما سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحضور بأكاديمية العيون، وجدت الأعضاء منبهرين بموقعي "توكلنا، و"الصحة الإلكترونية".

كذلك، تصدرت المملكة دول مجموعة العشرين رقميًا، ضمن تقرير التنافسية الرقمية 2021؛ ما يمثل الريادة الرقمية للمملكة ومحافظتها الدائمة على التقدم في مختلف المؤشرات.

وهذا الإنجاز، ثمرة للدعم والتمكين والتوجيه لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على مدى السنوات الماضية، كما يعكس القفزات النوعية التي حققتها المملكة على مستوى البنية التحتية للاتصالات، وتنمية القدرات الرقمية، والمشاريع الرقمية الضخمة، إضافة إلى نضج التنظيمات والتشريعات الرقمية؛ وذلك نتيجة لاستراتيجية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات 2023 المستمدة من رؤية 2030.

وكذلك تطوير القدرات الرقمية وجذب الاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية لتعزيز المعرفة الرقمية والتقنية، كما تشمل الأهداف الرئيسة لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات إيجاد أكثر من 25000 وظيفة جديدة في هذا القطاع، وزيادة حجم سوق تقنية المعلومات والتقنيات الناشئة بنسبة 50 %، ونمو مساهمة قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 13 مليار دولار على مدى 5 سنوات وزيادة مشاركة المرأة في القطاع بنسبة 50 %.

وقد وافقت القيادة الرشيدة على إنشاء هيئة الحكومة الرقمية التي تساعد في إنشاء تفاعلات رقمية وخدمات إلكترونية بين المواطنين والحكومة وقطاع الأعمال، كما عملت على تنفيذ خطة العمل الثالثة في الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي التي تغطي الفترة 2020-2024 الهادفة إلى تحقيق حكومة ذكية في الدولة، كما تواصل المملكة الاستثمار في بنيتها التحتية الرقمية؛ بنشر شبكات 5G وبناء 6500 برج جديد.

علم العيون الوراثي

لماذا اخترتِ تخصص علم العيون الوراثي؟ وهل يمكن أن تصبح المملكة من أوائل الدول المؤثرة فيه؟

لم أختر طب وجراحة العيون، بل هو الذي اختارني، فعندما تخرجت لم أستطع السفر للخارج؛ إذ كان الابتعاث يُعطى للزوج أو الأب أو الأخ أو المَحرم؛ وذلك في أواخر الثمانينيات والتسعينيات.

كذلك، فإن عاداتنا وتقاليدنا- خاصة ونحن من أهل القصيم (أهل بريدة)- تحول دون سفري بمفردي للزمالة، فبحثتُ في الرياض عن الزمالة المعترف بها دوليًا أولًا، والمعترف بها محليًا، فوجدته في طب وجراحة العيون؛ فكان أول مشروع مقيم مُعترف به.

ولو عاد بي الزمن لاختيار تخصص آخر، لاخترت نفس التخصص، فدومًا أقول لطلابي: "العبد في التفكير، والرب في التدبير"، فلا تيأس حتى وإن أُغلقت جميع الأبواب أمامك.

الليزر الثلاثي

تعهدتِ سابقا بالتخلص من تدني مستوى الخدمة الصحية في المملكة، فما أبرز إسهاماتك؟

الإسهامات الصحية كثيرة، فكنا من أوائل من استعمل الليزر الثلاثي، ومن بعدها استعمال الحقنة داخل الجسم الزجاجي لمرضى الإيدز، واستعمال "اللوسنتس" لعلاج اعتلال شبكة العين، وكنا من الأوائل في استعمال هذه التقنية حتى قبل الدول الأوروبية، وبعدها استعملنا ما يُسمى بـ "الإشعاع الحراري" للبقعة الصفراء، وكذلك الإنزيمات لأمراض الاستقلابية.

وتوالت بعدها كثير من التقنيات، ولكن أعتقد أن أهمها استعمال العلاج الوراثي لأول حالة في الشرق الأوسط بمستشفى الملك فيصل التخصصي؛ حيثُ قمت بهذه العملية مع الدكتور محمد بن خثيله؛ ما جعل السعودية توضع على خريطة الجينوم، ثم على خريطة الذكاء الاصطناعي؛ حيثُ نقوم بالفحص السكري.

وستكون المملكة أول دولة في الشرق الأوسط تستعمل الذكاء الاصطناعي؛ ما يرتقي بالمستوى الصحي والطبي بها؛ وهو مشروع كبير تساهم فيه وزارة الصحة و"سدايا" و"هيئة الدواء والغذاء" و"هيئة الابتكار" بدعم من مشروع "نيوم"؛ حيث نقوم بالمسح الوطني لمرضى سكري العين في جميع أنحاء السعودية.

البرلمان العالمي

ما توقعاتك للمرأة السعودية وتمثيلها للمملكة في المحافل الدولية؟

المرأة تمثل السعودية دوليًا منذ زمن، فبعد أحداث 11 سبتمبر مثلناها في عدة محافل دولية؛ حيث استطعت دخول مجلس الشورى في البرلمان العالمي؛ لضرورة وجود نساء فيه، فكنا نسمي أنفسنا استشاريين خلف الستار، دون أن أهتم بهذا الأمر؛ إذ كان همي الأول هو تمثيل وطني، فتلقيت بعد ترشحي في سويسرا، مكالمة من الدكتور صالح الحميد من مكة، يشكرني على جهودي.

والمرأة السعودية تعيش مرحلة تمكين غير مسبوقة في ظل المكاسب التي حصلت عليها بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم عام 2015؛ ما أسهم في تمكين السعوديات واستثمار طاقاتهن وتعزيز مكانتهن، ومنحهن المزيد من الحقوق؛ ما أتاح للمرأة لعب دور مهم في التنمية، تحقيقًا لأهداف رؤية 2030، فباتت اليوم شريكًا فعليًا للرجل في تنمية الوطن.

صروح طبية عملاقة

كيف يمكن الارتقاء بالطب في المملكة؟

رُصدت للقطاع الصحي في عهد الملك سلمان، ميزانيات ضخمة، وشُيدت صروح طبية عملاقة، بدءًا من الرعاية الصحية الأولية، مرورًا بالمستشفيات العامة والمركزية، وتتويجًا لها بالمدن الطبية والمستشفيات التخصصية فائقة التطور والمجهزة بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا في المجال الطبي.

ويعجز التعبير عن الإنجازات عمومًا، والطبية خصوصًا، ولعل اهتمام القيادة تمثل في صورته الأشمل من خلال توفير الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة الوقائية والعلاجية والتأهيلية والتعزيزية بما يتماشى مع أخلاقيات المهن الصحية، ويحقق رضا المستفيدين من المراجعين والمرضى وأسرهم ومجتمعهم من الخدمات الصحية؛ وذلك برفع مستوى الوعي الصحي وتحقيق العدالة في توزيع الخدمات الصحية كمًا ونوعًا على مختلف مناطق المملكة.

اقرأ أيضًا: معرض الكتاب بالرياض يتزين بـ100 إصدار نسائي سعودي