قضت إرادة الله، أن يخلق الجنسين الذكر والأنثى، ويجعل بينهما ميلًا فطريًا تجاه بعضهما تكسو مساحاته وترسم أبعاده وتحدد اتجاهاته مجموعة علاقات متضافرة يهذبها ويوجهها واجب الاحترام وتغشاها المودة والرحمة، فكانت سنة الله تعالى، في حياة خلقه وتصديق قدره لإعمار الكون.
كتبت- صبحة بغورة:
قد لا يكون الاحترام الزائد والمبالغ فيه مفيدًا لصاحبه في الكثير من الحالات، فالاحترام الواجب من المرؤوس لرئيسه في موقع العمل الإداري أو المهني. هو ذلك الذي لا يلغي طبيعة شخصية الفرد أو يهز ثقته بنفسه أو يؤثر في اعتداده بها؛ لأن مساحة العلاقة بين الطرفين تحددها أصلًا الصلاحيات المخولة المنبثقة من حجم المسؤوليات. بما يتوافق مع مصلحة العمل.
فأي مغالاة في إظهار سلوك إنحنائي من طرف الموظف سيجري اعتباره تصرفًا وصوليًا وتملقًا أو نفاقًا لتحقيق مصلحة خاصة. كما أن أي تعسف في ممارسة السلطة من رئيس العمل تجاه موظفيه سيعتبر غلوًا مقيتًا معرقلًا لسيرة العمل ومعطلًا لوتيرته. ويفهم من الحالتين أن كل طرف قد تعدى حدود المساحة المحايدة في علاقته مع الطرف الآخر.
العواطف الجياشة في نفوس البشر قد لا نملكها تمامًا كلها. ولكن يمكن تحجيمها أو إخفاء قدر منها إلى حين ميسرة سواء الإيجابية منها أو السلبية، وسيعكس البوح بها شجاعة أدبية وسلوكًا أخلاقيًا حميدًا؛ لأنه يدخل في إطار الإشباع النفسي للجانبين.
إذ يسعد الإنسان كثيرًا للكلام الطيب العذب؛ لأنه يشجعه ويدعم روحه المعنوية، ويجد كل من الجنسين في شجاعة البوح مفتاحًا سحريًا لمغاليق الأمور وعصا عكاز لتجاوز تعقيدات الأعراف ومحددات العادات وإحراجات التقاليد.
وبذلك؛ يتم قطع شوط كبير في مساحة حيادية كانت شاغرة في العلاقات بين الرجل والمرأة.
وتؤكد الممارسة اليومية أن المساحة الحيادية في العلاقات بين الرجل والمرأة في يومياتهما الحياتية العامة يحددها المستوى الثقافي العام والوعي الاجتماعي السائد. والذي بناء عليه يتحدد مدى تطور المجتمع ومقدار ارتقائه الذي سينعكس بداهة على سلوك الأفراد وطبيعة علاقاتهم، ومنه ستتأثر مساحة العلاقات المحايدة بتأثر مساحة حضور ونشاط المرأة وحجم مكانتها الاجتماعية.
والمفارقة أنه مهما أصرت السياسات والتحليلات وتشددت القوانين في التأكيد على أن مفاهيم حقوق الإنسان، تشمل المحايدة على أساس الجنس. بمعنى تساوي الرجال والنساء في الحقوق أو أنهم على قدم المساواة في التمتع بالامتيازات الوظيفية والمكاسب المهنية، انطلاقًا من فرضية عدم وجود تمييز بين الجنسين، فإن الأساليب المتبعة تتضمن سلوكًا خفيًا متحيزًا للرجال. ويميل إلى استبعاد النساء من مهام لدواعي الخطورة.
ومن هنا يتجدد تمدد مساحة العلاقات المحايدة طوعًا نحو إبعاد الكثير من النساء عن بعض المسؤوليات والمهام لعدة أسباب خاصة منها الأمنية التي تتعلق بسلامتهن الجسدية أو لاعتبارات أخرى مرتبطة بطبيعتهن البدنية أو بمسؤولياتهن الأسرية.
إن الاختلاف بين الرجل والمرأة في التكوين والقدرات البدنية يقتضي أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل وظيفي لا صراع صفري. وهي لا تعني على الإطلاق الأفضلية لأحدهما على الآخر. فمعيار الأفضلية مفقود منطقيًا في هذه المعادلة، إنما هو تفاضل في الصفات يقود إلى التكامل في الأعمال وأداء المهام.
إن المساواة المطلقة التي يطالب بها البعض ويرفعها شعارًا في المحافل الدولية. هي دعوة مستحيلة التطبيق في المجتمعات الإنسانية كلها، ولو تم فرضها في المجتمع عن طريق الجبر. فلن يجن المجتمع إلا التنافر بين الرجل والمرأة. لأن العلاقة بينهما وفق هذا الاختلاف في التكوين والصفات، هي علاقة تكامل وظيفي.
ولئن تطابقت وظائفهما، فلا يمكن أن تكون النتيجة إلا التنافر بينهما؛ ما يؤدي إلى هدم المجتمع البشري مع الزمن.
والحقيقة أنه لا يمكن الحديث عن مسألة التفوق أو الدونية إلا فقط بين الأشياء. التي تكون من جنسٍ واحد. والمرأة ليست أعلى ولا أدنى؛ لأنها مختلفة عن الرجل ولا نقيصة لها، لذلك؛ تسقط المقارنة.
وبناء عليه يسقط تحديد الطرف الأعلى أو الأدنى تمامًا مثلما لا معنى مثلًا للسؤال أيهما أهم. القلب أم الرئة؟ لأن كلا العضوين لا يمكن أن يقوم أحدهما بوظيفة الآخر، بل إن الاختلاف بينهما يعطي قيمة خاصة لأحدهما بالنسبة للآخر. وهو ما يحقق التوازن الجنسي.
فالثابت أن كل قانون يجعل القيمة هي أساس المسؤولية. وبما أن الواجبات الدينية التي يفرضها القرآن الكريم، على الرجل والمرأة متساوية تمامًا، ولا فرق بينهما فيما يخص تحمل المسؤولية. في أداء العبادات وأركان الإيمان، فكذلك الأمر بالنسبة للواجبات الأخلاقية التي يطالب بها القرآن الكريم صراحة.
أما التطابق والاختلاف في التشريعات. فإنه يأتي متناسبًا مع مقدار التطابق. وطبيعة الاختلاف بين صفات الرجل والمرأة.
وعليه تتحدد مساحة العلاقة المحايدة بين الجنسين. انطلاقًا من فرضية أساسية. وهي أنه ليست المساواة في كل الأحوال سبيلًا بالضرورة لتحقيق العدالة .
وبناء عليه ففكرة أن تحظ المرأة بنفس شروط العمل. التي يحصل عليها الرجال غير ممكنة تمامًا؛ لأن حاجتها وحقها مثلًا في التمتع بإجازة أمومة طويلة ومدفوعة الراتب لا يمكن التفاوض عليه.