في قرية ورق البردي.. هنا كُتبت سطور التاريخ

يُعد فن صناعة ورق البردي، أحد الفنون المصرية الضاربة في القِدم، حيث يعود تاريخ الصناعة لعهد الفراعنة، واستخدموه في كتابة تاريخهم وتوثيقه للأجيال القادمة.

وعلى خُطى الأجداد، تعمل قرية “طوخ القراموص” بمحافظة الشرقية في صناعة ورق البردي، حتى باتت واحدة من أشهر القرى عالميًا في زراعة وإنتاج ورق البردي.

وخصص أهالي القرية أراضيهم لزراعة البردي، وتصنيع أوراقه التي تتماثل مع ما كان يستخدمه القدماء المصريين.

ويفتخر سُكان القرية بأنهم ملوك البردي لعصور طويلة، فالمهنة توارثها سكان القرية أبّا عن جد، ويشترك بها الجميع بغض النظر عن العمر أو التعليم أو المستوى الاجتماعي.

وأوضح عدد من أهالي القرية، أن الشتلة الأولى من البردي زرعها بالقرية أستاذ الفنون الجميلة الراحل أنس مصطفى سمك، والذي كان أول من زرع نبات البردي أمام منزله؛ ليتوسع في زراعته لاحقًا بعد تزايد الطلب على إنتاج البردي.

ويقول أحمد محمد، فلاح من قرية طوخ القراموص، يبلغ من العمر 50 عامًا: “إن زراعة البردي في القرية أوجدت فرص عمل لشبابها، مشيرًا إلى أن البردي لا يستخدم في صناعة اللوحات الفرعونية والرسومات فقط، بل بات يُطبع عليه كروت دعاوى الأفراح.

وأوضح أن أستاذ الفنون الجميلة أنس سمك، أنشأ أول مصنع للبردي؛ سعيًا نحو حلمه في أن تصبح القرية مركزًا عالميًا في صناعة البردي، واستعان بفنانين تشكيليين؛ لتدريب الأهالي على تحويل أوراق البردي إلى أعمال فنية عن طريق دمج الألوان، وصناعة الرسوم الجذابة.

وأشار إلى أن زراعة البردي إلى جانب عائدها الاقتصادي، لها بعد آخر اجتماعي جعل من سكان القرية أسرة واحدة تجمعهم روابط العمل، ووحدة الغاية.

ويشير فلاح طوخ القراموص، إلى أن إجمالي المساحة المزروعة من نبات البردي بالقرية تبلغ 400 فدان، من إجمالي 500 فدان هي مساحة الأراضي الزراعية بالقرية، مشددًا على أن القرية البالغ عددها 25 ألف نسمة لايوجد بها بطالة، وتكفل نبات البردي بتشغيل أبنائها.

من جهته، أكد عاطف سعيد، 40 عامًا فلاح بالقرية، أن البردي يتميز عن غيره من النباتات بأنه يُمكن زراعته في أي من فصول العام، على هيئة شتلات، وينمو سريعًا، ويرتفع سعره في الشتاء؛ نظرًا لبطء نموه خلال هذا الفصل على عكس الصيف الذي ينمو فيه النبات سريعًا، مشيرًا إلى أن الطاقة الإنتاجية للفدان الواحد تبلغ 15 ألف ورقة بردي.

وكشف أن الفلاحين يستفيدون من كامل أجزاء النبات، علاوة على أن ساق النبات تنمو عدة مرات بعد قصها باستخدام سكين أو مقص زراعي، تُباع جذورها في النهاية لشركات الأدوية، كما تُباع السيقان كعلفٍ للدواب، وتباع زهورها “الشواشي”، لمحال بيع الزهور.

في السياق ذاته، تقول منال عيد 26 عامًا بكالوريوس تجارة، إن أوراق البردي تمر بالعديد من مراحل المعالجة، حتى تخرج بالشكل النهائي الذي يراه الناس، لافتة إلى أنها تفخر بانتمائها لقرية صناعة البردي، وسط أجواء تذكرها بقدماء المصريين.

وأوضحت أنها عملت بمجال صناعة ورق البردي منذ ما يقرب من 10 أعوام، وكانت توازن ما بين دراستها وعملها.

وتقول إيمان الطوخي 19 عامًا طالبة بكلية الفنون الجميلة، إنها تتقاضى دولار ونصف عن كل رسمة ترسمها على أوراق البردي بأحد مراسم القرية، لافتة إلى أن أجرها عن كل رسمة يختلف من حيث حجم الورقة وصعوبة الرسمة ذاتها.

وكشفت أن أسعار لوحات البردي تتراوح بين 25 جنيهًا وحتى 600 جنيه، على حسب جودة ورقة البردي ومقاس الرسمة.

واستنكرت طالبة الفنون الجميلة عرض بعض أصحاب المتاجر لرسومات البردي بشكلٍ تجاري، مشيرة إلى أن البعض يعرض أوراق البردي جنبًا إلى جنب مع الأحذية والاكسسوارات والأقمشة.

الرابط المختصر :