صبحة بغورة تكتب: صحة طفلك في رمضـان

مع بداية شهر رمضان من كل عام، يسعى الآباء إلى تشجيع أطفالهم على الصيام أو التدرب عليه لصغار السن لتحبيبهم فيه وترغيبهم في الاستمتاع بجو الروحانيات والتسامي فوق الماديات، وتعويدهم تدريجيًا على تحمل مشاقه في إطار من الترابط الأسري والتقارب الوجداني بعد التوحد في قلب نفس المعاناة.

الثابت في حياتنا اليومية، أن الصوم يساعد الإنسان بقدر كبير على التخلص من العادات الغذائية غير السليمة وعلى تخفيف حدة الشره غير الحميد على تناول الطعام في كل وقت وبدون انتظام في المواعيد، وهو بالتالي وسيلة للتخلص من الوزن الزائد.

ولتجنب مضاعفات السمنة خاصة عند المراهقين الذين تبدأ بدانتهم في الظهور مع أواخر مرحلة الطفولة وبداية مرحلة البلوغ، والصيام يعطي للأم الفرصة لإبعاد أبنائها عن تناول الوجبات السريعة الجاهزة الغنية بالسعرات الحرارية التي تفتقد القيمة الغذائية، وهي بإعداد وجبات غذائية صحية على مائدة الإفطار يمكنها أن تتحكم في اتباع نمط غذائي سليم ومنتظم، يراعي ضرورة تنشيط المعدة أولًا بطبق شوربة خفيف قبل التوجه لصلاة المغرب ثم تناول الطعام.

ومن المفيد لخفض الوزن، استبدال العصائر المحلاة بالسكر بعصير الفواكه الطبيعي، والاهتمام بتقديم طبق سلطة الخضر على المائدة والإكثار والتنويع في قائمة الخضروات، مع الانتباه إلى عدم تقديم سوى نوع واحد من النشويات، كما يفضل استخدام اللحوم البيضاء بدلًا من اللحوم الحمراء واستخدام الشواء بدلًا من القلي بالزيت.

إن مشكلة الطفل البدين في رمضان، هي إفراطه في تناول الحلويات التي يمكن استبدالها بالفواكه أو بنوع واحد من الحلويات حتى لا تكون هناك فرصة لتناول كميات كبيرة منها بين وجبتي الإفطار والسحور؛ فتحدث زيادة في وزن الطفل البدين وباقي أفراد الأسرة.

يشدد المختصون في طب الأطفال على أهمية تناول الطعام ببطء، وعلى ضرورة الحرص على المضغ الجيد وعدم تناول كمية كبيرة من الطعام، وعلى ضرورة تشجيع الآباء على إيقاظ أطفالهم لتناول وجبة السحور وعدم الاستسلام لرغبتهم في مواصلة النوم حتى وإن غلبهم النعاس، ويمكن ذلك بتنويع الوجبة وتلمس ما يحبه الطفل لتوفيره على المائدة تشجيعًا له.

اقرأ أيضًا: مدينة الورود.. الورد الطائفي ينشر البهجة في شهر رمضان المبارك

يؤكد خبراء التغذية، أن العادات الغذائية السيئة ترافق الإنسان منذ الطفولة وتؤثر على السمنة، ومن الآباء من يرضخون أمام ما اعتاد طفلهما عليه من الطعام متأثرين بأن من حقوق الطفل المعروفة على والديه الاهتمام بطعامه وملابسه.

أحيانًا، يحدث في الأسر الميسورة إفراط مبالغ في الإطعام، قد يصبح عادة ولا يمكن منع الطفل من تناول ما اعتاد على أكله، كما لا يمكن استعمال العنف معه لأنه سيؤثر عليه بشكل سلبي، ومما يزيد الأمر سوء أن يعتبر الطفل صيامه مزية يقدمها لأبويه، وأن يلجأ في مقابل هذا إلى ربط امتثاله للصوم بمطالب تتعلق بأنواع من الطعام يرغب فيها حتى وإن كانت مخالفة لقواعد التغذية الصحيحة.

ومع انتشار مطاعم الوجبات السريعة الجاهزة، سيكون احتمال إصابة الطفل بالبدانة كبير؛ لأن مثل هذه الوجبات تضاعف معدلات السعرات الحرارية للأطفال إلى 30 بالمائة زيادة عن المعدلات الطبيعية.

وأثبتت الدراسات العلمية، أن السعرات الحرارية التي يتناولها الأطفال في عامهم الأول والثاني تتعدى السعرات الحرارية التي يحتاجها الجسم في اليوم الأول؛ حيث تصل إلى 1220 سعرة بدلًا من 950 سعرة حرارية، وذلك بسبب تناولهم نوعيات دسمة من المأكولات المقلية خاصة، وتقتضي الضرورة إذن وجوب سرعة اللجوء إلى تغيير النمط الغذائي وهو المنعطف الخطير الذي يشغل بال الجهات الصحية المختصة ويقف أمامه المجتمع حائرًا.

ومن هنا كان شهر رمضان المعظم من الأشهر المتميزة التي يساهم وجوب إحيائه تغيير النمط الغذائي، وتغيير نوعية الطعام، وتنظيم كميته، وتثبيت أوقات تناوله بشكل مطلق طوال الشهر الكريم، ولما له من أثر إيجابي كبير في جسم الإنسان وفي قدرته على ضبط النفس أمام إغراءات ألوان الطعام اللذيذ خاصة في فترة إعدادها، بالإضافة إلى آثار الصيام الصحية على الصائم في عملية الهضم والامتصاص وتنشيط الدورة الدموية واستعادة الجسم نشاطه.

للوالدين دور كبير في إشاعة روح البهجة والفرحة والاهتمام بشهر رمضان عند الأبناء، فالحديث الهادئ عن فضائل الشهر الكريم وثواب إحيائه بالصوم الصحيح وعن أبواب الجنة المفتوحة لدعاء الصائمين؛ فرصة لزيادة الحسنات والتقرب إلى الله، ويتم ذلك بأسلوب مناسب لمستوى تفكير الأطفال.

وسيكون من المناسب أيضًا، غرس الرغبة الداخلية في الطفل بدون اتباع أسلوب عنيف أو إكراه أو إرغام؛ لأن ذلك لا يبنى الضمير بل بالعكس قد يولد مجموعة من الأخلاق الفاسدة، مثل الكذب والنفاق والخداع.

الصيام مثل الصلاة وباقي العبادات، هي علاقة بين العبد وربه لا يعلم صدقها سوى الخالق سبحانه المطلع على الأفئدة والسرائر، ومثل هذه المعاني هي ما يجب أن يعلمها الطفل من أبويه، وقد تختصر التحفيزات المادية والتشجيع المعنوي كثيرًا من الجهد على الوالدين، بالإضافة إلى فضائل إيجاد روح التنافس بين الأخوة ومع الأقران الصالحين كسبيل للتشجيع على الصيام والإقبال بانتظام على صلاة الجماعة بالمنزل أو المسجد.

وبناء عليه، يمكن بسهولة تمرير القناعة بأن شهر رمضان فرصة للتعود أولًا على الصبر وشغل وقت الصوم بالعبادات والذكر والأمور المفيدة، وأن هذا الشهر الكريم ليس للأكل الكثير حتى وإن بدا أن ثمة اهتمام غير عادي بإعداد ألوان من الطعام الشهي؛ لكن ذلك لا ينفي أن قيمته الغذائية كانت المعيار الأول في اختياره وفي إعداده.

عادة يتشوق الأطفال للمناسبات السعيدة، وبالنسبة لهم فشهر رمضان مناسبة تستغرق ثلاثين يومًا يعدون العدة لاستقباله كمناسبة كريمة تتسع لصنوف الخير الفطري العفوي المحبب في نفوسهم، ولا تحتاج منهم هذه المناسبة أكثر من اغتنام الفرصة لتكوين العادات الخيرة في نفوسهم البريئة.

ولا عجب أن رأينا الأطفال يضعون البرامج ويرسمون الخطط بكل حماسة وتشوق لقضاء أيام شهر رمضان الكريم وإحياء لياليه، وعلى الآباء مهمة ترشيد هذه الحماسة وتوجيهها؛ حيث يمكن أن تتأجج لأقصى مدى بمشاركة الكبار فيها والاستغراق معهم في هذه الحماسة، ومن ثم استدراجهم نحو سواء السبيل.. رمضــان كريـــم.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: لكل أسرة.. نفحات إيمانية في رمضان