صبحة بغورة تكتب: حمى تسوق النساء في رمضان

توافد الحرائر من ربات البيوت والمصونات الماكثات بالمنازل على الأسواق أيام شهر رمضان، باتت ظاهرة منتشرة بكثرة في المجتمعات العربية بشكل استرعى الملاحظة واستدعى التأمل في ظروف تواجدهن بكل أماكن التسوق على غير عادتهن في شهور السنة الأخرى، والحال أنه يبدو أن مشقة الصيام ليست عائقا أمام إشباع رغبة الفضول وحب التسوق.

تغيرت كثيرًا آليات المجتمعات العربية المحافظة في السنوات الأخيرة، خاصة بعدما تجاوزت بمشقة كبيرة آثار الفترات الأمنية، وما تركته من تداعيات خطيرة على الوضع الاجتماعي الصعب والاقتصادي المضطرب؛ حيث أصبح لزاما تعاون أفراد الأسرة في جلب احتياجاتها وتأمين معيشتها.

ولعل نمط الاستهلاك العائلي الخاص في شهر رمضان، يمثل عامل قيد شديد، مما دفع الآلاف من الأسر إلى التنقل بين أروقة الأسواق، والتجول خلال ساعات عمل الأزواج التي لا تسمح ظروفهم بالتسوق، لذلك تجد كل زوجة وربة بيت نفسها في كل الأحوال مضطرة إلى القيام بالتسوق ومجبرة على قضاء حاجياتها بنفسها.

وتحفل يوميات الأسواق في شهر رمضان بالأحداث التي تتعرض لها النسوة خاصة المسنات منهن التي تثير بعضها الاستياء والغضب، فبين حمل قفة المشتريات الثقيلة والمرور العسير بها بين الجموع المتدافعة من المشترين في الممرات الضيقة، ترى الكثيرات قد نال منهن التعب سريعا وأصابهن الإعياء الشديد وارتفاع ضغط الدم.

فترى بعضهن متكآت أو جالسات لالتقاط أنفاسهن، بينما تفضل أخريات الابتعاد عن الجموع والسير بجوار الجدار كالتائهات، وقد اختلطت عليهن الأماكن من شدة الزحام وكثرة الباعة المتجولين الذين احتلوا الأرصفة فتغيرت معالم الطرقات.

اتهامات نسائية جديدة توجه للرجال مفادها أن السبب في خروج المرأة للعمل والتسوق باستمرار، هو استقالة رب العائلة وتخليه عن واجباته بدعوى ضيق الوقت بعد يوم طويل في العمل، وتؤكد آراء أخرى أن المرأة هي سبب تخلي الرجل عن مسؤولياته خاصة وأن المرأة تعشق التسوق في رمضان والخروج لسبب أو بدونه، والنتيجة وقوع مسؤولية توفير مستلزمات البيت وحاجات الأسرة على عاتقها.

عندما يزيد شغف التسوق لدى النساء عن حده، ينعكس أثر ذلك سلبًا على واقعها المعاش، ولعل سهولة التنقل وكثرة المحلات وتنوع السلع الغذائية المعروضة قد أغرى النساء على التجول في الأسواق بأريحية ولمدة أطول حتى احترفن الخروج للأسواق مهما تباعدت المسافات بينها، وأصبحن أعلم من الرجال بالسلع المتوفرة في سوق بعينه وتلك النادرة والمفقودة من سوق أخرى، وهن أدرى بالسلع الجديدة والمعروضة حديثا وبالفوائد الصحية لبعض المنتوجات الغذائية، فأصبحن الأقدر على الإلمام بكل صغيرة وكبيرة في مستجدات السوق.

الكثيرات من الفتيات وجدن في التسوق فرصة تجارية مربحة لتصوير فيديوهات وعرضها في المواقع الالكترونية والقنوات بأسلوب مثير، بغرض الترويج للمنتجات الحديثة المعروضة ببعض المحلات التجارية من أواني الطعام وأدوات المطبخ المبتكرة والديكورات لكسب الزبائن للمحل من جهة، وفي المقابل كسب المزيد من المشاهدات لقنواتهن على "اليوتوب" وزيادة دخلهن المالي.

الأسواق في رمضان ملتقى النساء والجارات والعائلات لتبادل الأحاديث والأخبار ومعرفة أحوال السوق والأسعار، وهن يمثلون معا قوة شرائية مهمة أمام التاجر لفرض منطقهم في عملية الشراء وتحديد السعر المناسب لهن، وغالبا ما ينتصرون على جشع بعض التجار، كما أن التسوق مناسبة للتعارف وتجديد الصداقات وقد يحدث كثيرًا في الأوساط النسائية الإعجاب بالفتيات بعد مشاهدتهن وملاحظة سلوكهن فتكون البداية للتقدم لخطبتهن.

يرتبط الشغف بالتجول في الأسواق في رمضان بالإسراف في الإنفاق؛ حيث تلتهم الأعين كل جميل تراه، ومع اشتداد التأثيرات الراهنة للتحولات الاقتصادية الكبرى في معظم دول العالم، يبدو أن الحاجة لا زالت تستدعي توجيه الدعوة في ظل التغيرات الحالية إلى أن تقوم الأسرة بدورها في حسن إدارة الدخل المالي وأن تؤدي واجبها في ترشيد الاستهلاك، وإلى استيعاب مقاصد الاقتصاد المنزلي في الموازنة ما بين دخل الأسرة ومصاريفها، والوعي بأهدافه في إكساب ربة البيت مجموعة من المهارات التي يجب أن تتوفر في ربة الأسرة لتمكينها من تأدية مهامها المنزلية اليومية، وبالتالي رفع مستوى معيشة الأسرة من خلال حسن تدبير أمورها المالية.

كذلك، الاستجابة لجهود ترسيخ ثقافة استهلاكية رشيدة تتعلق بأساسيات العيش الكريم، وهي في الحقيقة أكبر من إلقائها على عاتق فرد واحد من الأسرة، وعلى ذلك تبرز أهمية التأكيد على مسؤولية وسائل الإعلام ودور الإعلام الإيجابي لمواجهة وسائل الإعلام المتنمرة، وتأثيرات الإعلام السلبي الذي يكرس السلوك الاستهلاكي المفرط الذي يدفع الناس إلى شراء أشياء ليسوا بحاجة إليه.

الإعلام يمثل قوة ناعمة، ولكنه ينعكس في شكل أزمات ومنابر للمناكفة وبعث الرسائل الخاطئة.

ومن جهة أخرى، يؤكد فريق آخر أنه من الضروري التفكير في زيادة الدخل وإدارة الثروة المنزلية وليس تقليص الإنفاق على بعض الخدمات، لأن الهدف حسبهم هو التقدم إلى الأمام في مسار تحسين مستوى المعيشة، ولأن هذا يؤدي إلى زيادة حجم الاقتصاد الوطني.

معضلة ضبط الإنفاق الأسري وإدارة اقتصاد الأسرة، مسألة تتعلق بالوعي أولا وبنشر ثقافة الاستهلاك السليم وتوجيه السلوك اليومي نحو إجادة تحديد الأولويات عند التسوق والتمييز الرشيد عند الشراء بين ما هو أساسي، وضروري، وكمالي، وما يمكن الاستغناء عنه.

والواقع أن الصائم سيكون مستفيدًا من صيامه إذا قام بواجبه وأدى دوره في الحياة وذاق معنى الصيام، ولم يبالغ في الأكل والشرب اللذين يذهبان بسمو معنى الصيام وغايته الروحية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

 

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: إعلان حالة الطوارئ في رمضان