قد تبدو الحالة الزوجية في صورتها التقليدية المعروفة قائمة ظاهريا للناس ولكن في حقيقة واقعها الفعلي مفككة وأواصرها متقطعة بصورة شبه كاملة والحياة الزوجية فارغة المحتوى وغير ذات جدوى في أسرة تعيش حالة تمديد صناعي حفاظا على الوضع الاجتماعي ومنعا لتصعيد غير محمود العواقب على الزوجين معا ، إنه طلاق نفسي ، تستمر فيه العلاقة ظاهريا ولا تصل للطلاق الرسمي.
من أسوأ ما يمكن أن تتعرض له الأسرة في حياتها اليومية تلك الضغوط الاجتماعية المتلاحقة والحجم الكبير من تراكم المشاكل المعيشية التي ترهق أعصاب الأزواج وتحرق الدم بنتائجها الكارثية التي تولد مع الزمن مشاعر غاضبة على واقعها رافضة لطبيعة أحداثها تصدر في صورة ردود أفعال سيئة منعكسة على طبيعة علاقات أفراد الأسرة فيما بينهم في شكل انفجارات عصبية لا يمكن التكهن بها ولا بما ستبلغه في قادم الأيام، وهذا الوضع قد يتجاوز احتمال الزوجين وصبرهما وبالتالي سيقع الخلاف حول مواجهة التحديات المعيشية وسيحاول كل طرف التملص من المسؤولية حتى لا يقع الذنب عليه فيما آل إليه الوضع،والنفور الحاصل بين الزوجين هو باب مفتوح على كل الاحتمالات بدء من الأنفة والنفور، مرورا بالبرود الجنسي ، وصولا إلى الطلاق العاطفي.
الطلاق العاطفي أو الطلاق النفسي قد يكون صادرا عن وعي وبإرادة الطرفين وبعلمهما الكامل بعدما أدركا أنهما أصيبا في صميم العلاقة الزوجية بسهام البغض ،وقد يكون الطلاق النفسي من أحد الطرفين فقط دون علم أو وعي الشريك به، ومعناه شعور أحدهما بعدم الرضا عن واقع العلاقة في ظل استمرار نفس الظروف التي أوجدت هذا الشعور ولكنه يقاوم هذا الشعور ويكبته حتى لا ينعطف الحال نحو وقوع الطلاق الفعلي رسميا ، وغالبا ما تكون المرأة هنا هي الطرف الواعي لحالة الطلاق النفسي دون إدراك زوجها ، ونتائج الطلاق النفسي الصادر عن وعي الطرفين أشد وطأة حيث يدوم الشقاق لمدة أطول وتستمر الخلافات بصورة شبه يومية ، وسيكون من أول ضحاياها الأبناء ، وغالبا ما ترجع أسباب الطلاق العاطفي إلى شعور أحد الطرفين أوكليهما بالغبن من موقف الشريك وتصرفاته وآرائه، او الخجل من مستواه الثقافي والاجتماعي والمادي المتواضع أو محدودية الطموح لديه وعدم رغبته في الارتقاء بآماله في مستقبل حياته ،واختلاف الرغبات وتباين الميول وتباعد القناعات، وتعود أسباب تشكل هذا الوضع إلى أن الزواج يكون قد تم بطريقة تقليدية دون سابق معرفة أو تفاهم أو اتصال مباشر في إطار أسري محترم ، أو لوجود فارق كبيرفي العمر حيث سيتبين لهما سريعا أثراختلاف قيم ومفاهيم وثقافة كل طرف عن الطرف الآخر بحكم انتمائهما لجيلين متباعدين على مستوى الوعي والذي سيتضح من خلال عدم قدرتهما على التوصل عبر النقاش إلى حلول لمشاكلهما بشكل يرضيهما ويحفظ كيان الأسرة ، ومن أهم الأسباب أيضا العجز الجنسي وعدم الانجاب، وهجر فراش الزوجية من قبل الزوج أو الزوجة ، وعدم التوافق في الطباع والأذواق ، كما قد تعد التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على أحدهما نتيجة حادث ما أسفر عن كسر أو إعاقة أو تشويه سببا في حالة النفور وبالتالي تضعف العلاقة العاطفية وتزيد المشاحنات، وفي بعض الأسر يكون تدني المستوى الاقتصادي وقلة ذات اليد سببا في حالة التذمر من استمرار الشعور بالحرمان ، أما عدم توفر الإمكانيات الاقتصادية فهو سبب في غير صالح الزوج حيث سيصعب عليه الدخول في مشروع زواج آخر فيبقى أسير التخبط في زواجه الفاشل والمعاناة من عواطفه المدمرة.
يترك الطلاق العاطفي أو الطلاق النفسي آثاره العميقة في نفوس الأطفال، ويمنعهم شعور الدائم بالحزن والأسى المسيطر على حياتهم من النمو نموا طبيعيا وبشكل سليم ، فهو يحرمهم من أم حنون تحضنهم ومن أب عطوف يرعاهم، والأطفال في الحقيقة بفطرتهم وبطبيعتهم لا يميزون بين الأبوين ولا يفضلون أحدهما على الآخر فكلاهما مهم ووجدوهم أساسي في حياتهم من أجل الحصول على التوازن العقلي والجسدي، فالأبناء بحاجة إلى كل ظروف الحب ولمسات الحنان وإظهار العطف عليهم، تماما مثل حاجتهم أيضا إلى خلق عناصر الشجاعة في نفوسهم وأسباب القوة في أجسادهم وروح الإقدام في مفردات يومياتهم ،وفي غياب البيت الطبيعي والدفء العائلي وأجواء التفاهم ينشأ الأطفال نشأة غير سليمة ويصبحون عرضة للآفات الاجتماعية ورفاق السوء وللأمراض العضوية والنفسية كفقدان الثقة بالنفس والعجز عن أخذ القرارات المناسبة، الأبناء يتشربوا من المشاعر السيئة ويتجرعون مرارة الحياة يوميا وهم يرون الأبوين في طريق الانفصال ولا يجرؤون على الإفصاح عن رأيهم ربما يفضلون الخلاص من واقعهم الذي أربك أذهانهم وهز ثقتهم بأنفسهم وقد يورثهم أيضا ترددا في الرأي وعجزا عن اتخاذ القرارات في حياتهم الخاصة إن حالة الصمت التي تخيم على الحياة الزوجية وضعف الرغبة في التواصل وغياب لغة الحوار بين الطرفين تؤدي إلى غياب اللين بينهما ليحل محلهما العناد والتذمر والشجار وتبلد المشاعر وجمود العواطف ومن أسوأ الحالات عندما يتكرر الغياب عن المنزل ولمدة طويلة ويفضل كلاهما الانعزال المكاني داخل المنزل الواحد ثم النفور الشديد والشعور بالندم الفتاك على الارتباط يوما بالطرف الآخر.إذن الطلاق العاطفي هو انفصال جسدي ونفور النفسي وتباين عقلي وتباعد روحي بين الزوجين على الرغم من كونهما يعيشان في بيت واحد ويمارسان واجباتهما الزوجية بشكل أو بآخر، وهو الطلاق ينقصه فقط الإعلان عنه وتوثيقه ، أو لنقل أنه زواج منتهي الصلاحية أو هو علاقة نكاح ماتت في مرحلة احترقت فيها كل المشاعر الإيجابية والسلبية بينهما ففقد كل طرف إحساسه بالآخر تماما وكأنه لم يعد موجودا في حياته أو حوله ، وأنه أصبح مجرد خيال يراه من وقت لآخر،هي حالة من الصمت الأبدي المطبق في التواصل سبقتها حالة تجمد الأحاسيس ثم موات المشاعر .
معالجة هذه الحالة وهي في أوج تصعيدها يحتاج إلى حكمة كبيرة وهداية ربانية عظيمة لتأليف القلوب التي كان يمكن من خلال المصارحة والوضوح والمرونة رأب أي صدع يصيب الحياة الزوجية ، وكان بالمقدور إشاعة الاطمئنان بزيادة تقدير وانتباه كل منهما للآخر، وحسن تفهم كل منهما لطبيعة سلوك الآخر، كان يمكن التشجيع على المبادرة بتبادل الكلام الرقيق في جو رومانسي تصنعه الزوجة الذكية في بيتها لجلب الراحة والتقارب والألفة الحميمية، كان يمكن لو اعترفت الزوجة بمشاعرها تجاه زوجها ومخاطبته بكلمات الغزل كي يبادلها بكلمات أكثر رقة، وللحقيقة نقول كان يجب على المرأة أن تجهر وتعبر عن حبها عندما يكون الرجل من النوع الصامت الذي لا يعرف كيف يجيد التعبير عن مشاعره تجاه زوجته .