صبحة بغورة تكتب: أثر الفارق العمري في التواصل بين الزوجين

غالبًا ما تحكم المجتمعات العربية عند اختيار شريك الحياة مسألة السن، كمعيار مؤثر في تحديد مستقبل قلبين التقيا على المحبة؛ إذ على ضوئه يمكن أن يتحدد مصير الزيجة بين القبول والرفض.

والعادة في مجتمعاتنا أن يكون الزوج أكبر سنا من الزوجة، ويفضل الكثير من الأهالي لابنهم الشابة الصغيرة السن لأنه في رأيهم أنها تتمتع بصحة جيدة وتتحمل قدرًا كبيرًا من أعباء المنزل ومسؤولياته، وخصوبتها أعلى وتستطيع الإنجاب، كما أنه يمكن تشكيل شخصيتها وتكييفها مع طبيعة بيئة الزوج الجديدة عليها ومع أفكاره دون تعارض.

وليس مقبولًا لدى الكثيرين أن تكون الزوجة أكبر من الزوج، وفي المقابل ليس مستساغًا لدى أهل الزوجة الشابة أن يكون زوجها كهلا أو شيخا، ولكلٍ رأيه الوجيه ومبرراته الموضوعية.

ليس في الديانات السماوية ما يحدد هذه المسألة، ولنا في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ إذ تزوج وهو في العقد الثاني من العمر السيدة خديجة بنت خويلد وهي في العقد الرابع من عمرها وكانت أيضا أغنى منه، ومع هذا كان يحبها حبا شديدًا.

ويبقى البعض يتحفظ كثيرًا بل ويرفض أن يكبر سن الزوجة عمر زوجها ولو بأشهر قليلة، حتى وإن أحاطت بهم نماذج ناجحة لحالات كثيرة مستقرة وهانئة كانت فيها الزوجة أكبر سنا من الزوج ومع ذلك استطاعوا أن يشكلا معًا نموذجًا للوفاق والحب والسعادة الزوجية.

يدفع بقاء هذه المسألة في إطار الحساسية المفرطة إلى التساؤل الحائر عن فارق السن المناسب بين الزوجين، وعن ماهية أهميته، وعن مدى تأثيره على استمرار عمر العلاقة بين الطرفين وعلى طبيعتها.

المتفق عليه، أن عامل السن بصفة عامة في واقع الحياة الزوجية هو من أهم العوامل المؤثرة على نجاح التواصل بين الزوجين، ولكن ليس إلى الدرجة التي تحدد نجاح أو فشل العلاقة بين الزوجين.

وبشكل عام، يميل الاعتقاد إلى أنه يفضل التقارب بين أعمار الزوجين، فالفروق الكبيرة بين الأجيال تخلق كثيرًا من الفجوات التي تعيق التواصل الفكري والتبادل العاطفي، فالزوج الذي يمثل عمر الأب بالنسبة للمرأة يشكل الفارق السني بينهما صعوبة بالغة في مستوى التفاهم وطبيعة التواصل بينهما وهو عندما يبلغ مرحلة المسنين تكون الزوجة في مقتبل العمر، ويخلق هذا نوعًا من عدم الإشباع العاطفي والجنسي؛ ومنه تسود البيت أجواء مشحونة لنشوء المشاكل.

ومع ذلك، إذا كانت العوامل الأخرى من مقومات الزواج الناجح موجودة، فمن الممكن أن تعوض الفارق العمري بين الزوجين الذي ليس له في الحقيقة معدل سنوات محدد، فعدة حالات كان لم يزد فيها الفارق بين الزوجين عن ثلاث سنوات ومع ذلك لم يكن هناك توافق بينهما على الإطلاق، وفي حالات أخرى وصل الفارق بين عمري الزوجين إلى خمسة عشر سنة وكانا في قمة التفاهم والانسجام، لذلك لا نكاد نلمس من مختلف الاخصائيين أي ذكر لعدد سنوات معين كفارق بين الطرفين لأن تحديده لن يفيد بل سيجعل من يعتقد في حال تحديده بأن هناك تحذير مقصود من الزواج بأقل من هذا الفارق أو أكثر، ولن يفيد ذلك في شيء بقدر ما ستتحقق الفائدة من تفهم الطرفين العميق للهدف السامي من الزواج وكيفية إنجاح حياتهما الزوجية.

إذن، المسألة تعبر عن قناعات خاصة، وعند الشباب الأعزب يكون لها صدى آخر، فمنهم من يرى وجوب أن يكبر الرجل زوجته بـ 10 سنوات لكن ليس أكثر حتى لا تحدث اختلالات وتنشب مشاكل، لأن المرأة بطبيعتها عمر خصوبتها محدود وسيبدو عليها علامات التقدم في السن أكثر وأسرع من الرجل وبشكل ملحوظ، فكيف لو كانت أكبر منه سنا لا شك ستكون الحالة أشد إحراجًا وربما سيشعر حينها أنه ظلم نفسه، لذلك لابد أن يكبرها لتبقى جميلة وشابة في نظره أطول فترة في حياتهما الزوجية.

وهناك من يرى أن المرأة الأكبر سنا من زوجها تحاول أن تفرض منطقها انطلاقا من خبرتها في الحياة، وبأسلوب تحاول من خلاله أن تفرض سيطرتها عليه وهو وضع يأباه أي رجل عربي.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية
اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الصمت العاطفي بين ثرثرة الزوجات وخرس الأزواج