تُعد مهنة “سف الخوص”، أحد المهن التراثية التي لا تزال سيدات الأحساء يحافظن عليها لسنواتِ طوال؛ كونها تعكس الموروث الشعبي لدى أهالي المنطقة في الماضي.
وتقتصر تلك الصناعة الآن على المهرجانات التراثية، وتمارسها العديد من النساء في منطقة الأحساء؛ إحياءً للموروث الشعبي المتوارث من الأجداد.
وتقول فاطمة الخليفة؛ الباحثة في التراث السعودي: “إن حرفة “سف الخوص” تقوم على “حياكة” سعف النخيل؛ وتعد واحدة من المهن التراثية القديمة، التي اشتهرت بها منطقة الأحساء، ومثلت حيزًا هامًا في حياة الجدات منذ قديمة الأزل.
وأوضحت الباحثة في التراث، أن الجدات السعوديات استطعن تطويع سعف النخيل؛ ليخرج منها أشكالًا غاية في الروعة، مستعينات بأدواتِ بسيطة؛ لصناعة مقتنيات تلبي احتياجاتهن، وتسير حياتهن.
وشددت الخليفة أن تلك الصناعة لا تزال مصدرًا لدخل العديد من الأسر بالأحساء، مشيرة إلى أن منتجات سف خوص النخيل تباع بأسعارٍ جيدة، خاصة أثناء عرضها بالمهرجانات التراثية، وغيرها من الفعاليات التي توثق تاريخ البلاد، والتي تعد سوقًا رائجًا لتلك المنتجات.
وحول استخدامات خوص النخيل، أكدت الخليفة أن “المهفة”، تعد واحدة من المنتجات التي يتم صناعتها بطريقة يدوية عبر حرفة سف الخوص، وهي مروحة بدائية، تستخدم للزينة، وللتهوية خلال الحر، علاوة على “السفرة والحصير”، والسلال، والأوعية ذات الأحجام المختلفة لحفظ التمور، وأيضًا حياكة “المكبة”، وهي غطاء على شكل مخروطي، يستخدم لحفظ الطعام المقدَّم على السفرة.
بدورها، تقول زهرة المحمد؛ حرفية تمارس المهنة منذ ما يزيد عن نصف قرن: “إن مهنة سف الخوص يلزمها خوصًا معينًا يكون مكانه بأعلى النخيل؛ لكونه أكثر ليونة في التشكيل”.
وتشرح “زهرة” عملية سف الخوص، مؤكدة أنه بعد الحصول على الخوص، يتم غسله وتنظيفه، ومن ثم تقسيمه إلى شرائح رفيعة، وبعدها يغمس في صبغات من الألوان الطبيعية، ويترك فترة معينة، ثم يعاد غسله مجددًا؛ لتزداد مرونته وليونته، ولكي لا تترك الصبغة أثرًا على الأصابع أثناء عملية تجديل الخوص؛ لإنتاج الشكل المطلوب.
وكشفت “زهرة” أن انشغال الشابات بالدراسة ورعاية أطفالهن؛ قد يؤدي في النهاية إلى اندثار هذه الحرفة، مشددة على أن أعداد العاملات بتلك الحرف في تناقصٍ مستمر.
من جهتها، أوضحت حجية الصالح؛ حرفية سف خوص، والتي تبلغ من العمر 65 عامًا، أن منطقة الأحساء كانت مركزًا لهذه الصناعة؛ وكانت تشهد رواجًا كبيرًا في الماضي، مشيرة إلى أن كل ما كانت النساء يحتجن له، هو إحضار الخوص من المزارع حين يكون أخضر اللون، ثم إجراء بعض العمليات عليه حتى يصبح صالحًا للاستخدام بما يتناسب مع مهنة صناعة الخوص.
وأشارت الصالح إلى أنها تعلمت هذه الصنعة منذ 40 عامًا، واستمرت في العمل بها، بعد وفاة زوجها؛ سعيًا لتوفير حياة كريمة لأبنائها، مؤكدة على أنها تقوم بصناعة سُفر الطعام، والمراحل، وقطع الحصير، وغيرها، وتبيعها في بعض الأحيان في الأسواق الشعبية بأسعار جيدة، حيث يصل سعر القطعة الواحدة إلى 30 ريالًا، معربة عن تخوفها من اندثار هذه الصناعة يومًا ما!.