يمثل الشباب الخريجون شريان الحياة لأي مجتمع؛ فهم وقود التنمية ومحرّك الابتكار. وقد تكون هذه المرحلة الانتقالية، من مقاعد الدراسة إلى معترك الحياة المهنية، محفوفة بالتحديات والشعور بالتشتت لكثيرين. فبعد سنوات من الدراسة والتحضير، يجد العديد من الخريجين أنفسهم أمام أبواب سوق عمل تتطلب مهارات وخبرات قد لا تكون متوفرة لديهم بالكامل. وبالإضافة إلى تحديات البحث عن الفرصة المناسبة في ظل المنافسة الشديدة. هنا يبرز الدور المحوري الذي يلعبه كل من الأسرة والمجتمع في دعم الخريجين لعبور هذه المرحلة بنجاح.
دعم الخريجين الجدد.. كيف نواجه التحديات؟
قبل الخوض في أدوار الدعم، من المهم فهم حجم التحديات التي يواجهها الخريج فور تخرجه. ويشعر الكثيرون بـالقلق من المستقبل المجهول، خصوصًا مع عدم وجود مسار وظيفي واضح. تتباين توقعات الخريجين عن واقع سوق العمل، فالبعض يجد أن المهارات التي اكتسبها في الجامعة لا تتوافق تمامًا مع متطلبات الوظائف المتاحة. ما يولد لديه شعورًا بـالفجوة بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل.
ويضاف إلى ذلك، ضغوط المجتمع والتوقعات العالية من الأهل والأصدقاء، والتي قد تزيد من أعباء الخريج النفسية وتدفعه للشعور بـالإحباط أو العجز في حال تأخر حصوله على فرصة عمل. كما أن غياب الخبرة العملية يعد عائقًا رئيسًا. ومعظم الشركات تفضل توظيف من لديهم خبرة سابقة، وهو ما يضع الخريج الجديد في دائرة مغلقة.
دور الأهل.. السند الأول والداعم الأساسي
تعد الأسرة هي الحاضنة الأولى للشباب، ودورها لا يتوقف عند توفير الاحتياجات الأساسية؛ بل يمتد ليشمل الدعم النفسي والمعنوي خلال هذه المرحلة الحرجة.
أولًا، يجب على الأهل توفير بيئة منزلية داعمة ومحفزة، بعيدًا عن الضغوط المفرطة أو المقارنات مع الآخرين. ومن الضروري أن يشعر الخريج بأن أهله يثقون بقدراته، حتى وإن طالت فترة البحث عن عمل. هذا الدعم العاطفي يساعد على بناء الثقة بالنفس ويقلل من الشعور بالتشتت والقلق.
ثانيًا، يمكن للأهل أن يكونوا مصدرًا للمشورة والتوجيه، خاصة إذا كانت لديهم خبرة في سوق العمل. لا يعني هذا فرض اختيارات معينة. بل تقديم رؤى واقعية حول طبيعة الوظائف المتاحة، وأهمية اكتساب مهارات إضافية، أو حتى التفكير في مسارات مهنية غير تقليدية.
ثالثًا، يمكن للأهل المساعدة في تنمية المهارات الشخصية للخريج، مثل مهارات التواصل، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، التي تعد أساسية للنجاح في أي مجال. وقد يشمل ذلك تشجيعه على حضور ورش عمل أو دورات تدريبية قصيرة، أو حتى مجرد ممارسة هذه المهارات في الحياة اليومية.
رابعًا، الدعم المادي وإن كان جزئيًا، يمكن أن يخفف من الأعباء الملقاة على كاهل الخريج، مما يتيح له التركيز على البحث عن عمل وتطوير مهاراته دون ضغوط مالية إضافية. هذا الدعم يجب أن يكون مصحوبًا بالتفاهم وعدم الشعور بالمنة.
دور المجتمع في دعم الخريج
لا يقل دور المجتمع أهمية عن دور الأسرة؛ بل هو مكمل له في توفير بيئة متكاملة تمكن الخريج من الانطلاق نحو مساره المهني.
أولاً، يجب على المؤسسات التعليمية، سواء الجامعات أو المعاهد، أن تعيد النظر في مناهجها الدراسية لتكون أكثر توافقًا مع احتياجات سوق العمل المتغيرة. يتضمن ذلك التركيز على المهارات العملية والتطبيقية، وتوفير فرص تدريب عملي حقيقية للطلاب خلال فترة دراستهم. كما أن مراكز الإرشاد المهني في الجامعات يجب أن تكون أكثر فاعلية في توجيه الطلاب نحو التخصصات المطلوبة، وتقديم ورش عمل لكتابة السيرة الذاتية واجتياز المقابلات الشخصية.
ثانيًا، تقع على عاتق الشركات والمؤسسات مسؤولية اجتماعية تجاه الخريجين الجدد. يمكنهم ذلك من خلال توفير فرص تدريب تتيح للخريجين اكتساب الخبرة العملية وتطبيق ما تعلموه في بيئة واقعية. كما يمكنهم إطلاق برامج توظيف للخريجين الجدد تتضمن تدريبًا مكثفًا في بداية العمل. هذا لا يقتصر فقط على مساعدة الشباب. بل يعود بالنفع على الشركات نفسها من خلال ضخ دماء جديدة وأفكار مبتكرة.
ثالثًا، تلعب المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا في تسهيل عملية انتقال الخريجين إلى سوق العمل. يمكنهم إنشاء منصات للتوظيف تجمع بين الباحثين عن عمل والشركات، وتوفير قروض ميسرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يطلقها الشباب. كما يمكنهم تنظيم معارض للتوظيف وورش عمل متخصصة في ريادة الأعمال.
رابعًا، الشبكات المهنية والاجتماعية لها تأثير كبير في دعم الخريجين. تشجيع الخريجين على الانخراط في هذه الشبكات، وحضور الفعاليات الخاصة بالصناعة، يمكن أن يفتح لهم أبوابًا لفرص عمل وشراكات لم يكونوا ليجدوها بطرق أخرى. دور الموجهين (Mentors) من ذوي الخبرة في المجتمع يمكن أن يكون له أثر بالغ في توجيه الخريجين وتقديم النصائح القيمة لهم.
بناء جيل واع وقادر على العطاء
إن دعم الشباب الخريجين ليس مجرد واجب أخلاقي؛ بل هو استثمار في المستقبل. عندما يشعر الخريج بالدعم والتمكين، فإنه يصبح فردًا منتجًا وفعالًا في مجتمعه. هذا الدعم لا يقتصر على توفير فرصة عمل فحسب؛ بل يمتد ليشمل بناء شخصية قادرة على التكيف مع التحديات، والمساهمة في التنمية، وابتكار الحلول.
من الضروري أن تتكاتف جهود الأهل والمؤسسات التعليمية والشركات والحكومات ومنظمات المجتمع المدني لخلق منظومة متكاملة لدعم الشباب. كما أن هذه المنظومة يجب أن ترتكز على الفهم العميق لاحتياجات الخريجين، والمرونة في التكيف مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، والإيمان المطلق بقدرات الشباب على تجاوز التحديات.