تعد مرحلة المراهقة واحدة من أكثر المراحل حساسية في حياة الأبناء؛ حيث تتشكل فيها شخصياتهم وتزدهر ميولهم وتظهر سلوكياتهم وتزداد رغبتهم في الاستقلالية، لكن أحيانًا قد تظهر تصرفات غير مألوفة ومزعجة مثل الكذب أو السرقة عند المراهقين.
اكتشاف الأم أن ابنها المراهق قد انزلق إلى مثل هذه الأفعال، قد يكون أمرًا محبطًا ومقلقًا، لكن رد الفعل الحكيم والمتزن يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا في تعديل هذا السلوك دون إلحاق ضرر نفسي بالابن.
في هذا التقرير، نستعرض معًا نصائح الخبير النفسي د. علي عبد الراضي؛ المحاضر في اليونيسيف، حول كيفية تعامل الأم بحكمة مع ابنها المراهق في مثل هذه الحالات، لاحتواء المشكلة على نحو سليم وبنّاء.
فهم الدوافع وراء سرقة المراهق
بداية، يؤكد د. علي عبد الراضي، أن السرقة في مرحلة المراهقة قد لا تكون دائمًا سلوكًا دنيئًا نابعًا من رغبة في الإيذاء أو التملك غير المشروع، بل قد تكون تعبيرًا عن مشكلة أعمق أو محاولة لتحقيق احتياج نفسي أو اجتماعي.
وأضاف: على الأم تجنب رد الفعل العنيف المباشر وأن تسعى لفهم ما إذا كان ابنها يعاني نقصًا في الثقة بالنفس، أو شعور بعدم الانتماء، أو حتى نقص الموارد المالية أو العاطفية. فالسرقة قد تكون عرضًا لأزمة أعمق، تتطلب فهمًا لطبيعتها قبل إصدار الأحكام السريعة.
إظهار التعاطف والتفهم لـ المراهق
ينصح د. عبد الراضي، الأمهات بأهمية التحلي بالتعاطف والهدوء عند الحديث مع الابن حول سلوكه. فالتعامل بطريقة انفعالية أو غاضبة قد يزيد حدة المشكلة، ويجعل المراهق يشعر بالإحباط والعدوانية.
من المهم أن تظهر الأم له أنها تريد مساعدته على فهم دوافعه والتغلب عليها، وتقدم له الأمان النفسي ليشعر بأنه قادر على التعبير عن مشاعره دون خوف أو تردد.
على الأم أن توضح لابنها أن الجميع يخطئون، والأهم كيفية التعلم من هذه الأخطاء وإصلاحها؛ ما يساعده على الشعور بأن أمه تقف إلى جانبه لا ضده.
التواصل الفعّال والحوار المفتوح
وفقًا للدكتور علي عبد الراضي، الحوار المفتوح والمبني على الثقة هو أساس التربية السليمة للابن المراهق، فمن خلال فتح باب التواصل، يمكن للأم أن تساعد ابنها على التعبير عن مشاعره ومخاوفه وتصوراته حول السلوك الصحيح والخاطئ.
كما ينصح بضرورة تجنب أساليب اللوم أو السخرية التي قد تدفع الابن إلى الانغلاق والانطواء، كما يشدد على أهمية طرح الأسئلة المفتوحة والاستماع باهتمام حقيقي لما يريد الابن قوله؛ ما يسهم في تحسين تواصلهم وفهم الأم للأسباب الحقيقية وراء سلوكه.
تعليم القيم الأخلاقية وأهمية الثقة عند المراهق
يؤكد الخبير النفسي، أن تعزيز القيم الأخلاقية باستمرار من أهم أدوات تربية الأبناء. وعلى الأم أن تشرح لابنها أهمية الأمانة والنزاهة، ليس من خلال أسلوب المحاضرات، بل من خلال قصص وتجارب حياتية أو مشاركة قيم عائلية مشتركة.
وتابع: عندما يفهم المراهق أن هذه القيم تشكل أساسًا متينًا في حياته. سيكون أكثر ميلًا لتبنيها والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة. وفي هذا السياق، يجب أن تؤكد الأم أهمية الثقة المتبادلة، فتظهر له أن سلوكياته تؤثر في مدى ثقتها به، وبإمكانه استعادة هذه الثقة بتصرفات تعكس نواياه الصادقة.
وضع حدود واضحة وتطبيق عواقب معتدلة
من الأمور التي يجب أن تضعها الأم في اعتبارها، وفقًا لنصائح د. علي عبد الراضي، ضرورة وضع حدود واضحة لسلوكيات الابن وتحديد عواقب واضحة عند تجاوز هذه الحدود.
وقال: السرقة يجب أن يُعترف بها كسلوك غير مقبول، ويجب أن يتعلم الابن أن هناك عواقب لتصرفاته. ومع ذلك، ينصح بأن تكون هذه العواقب معتدلة ومعقولة، بحيث لا تكون مؤلمة أو تضر بالعلاقة بين الأم وابنها، بل تكون مصممة لإشعاره بالمسؤولية وتشجيعه على تصحيح خطأه.
طلب الدعم من مختصين عند الحاجة
في بعض الحالات، قد تكون مشكلة السرقة مرتبطة بمشكلات نفسية أعمق قد يصعب على الأم التعامل معها بمفردها.
في مثل هذه الحالات، يشير د. علي عبد الراضي، إلى أهمية الاستعانة بأخصائي نفسي مختص يمكنه التعامل مع سلوك المراهق باحترافية.
وأوضح أن المختصين النفسيين يمكن أن يساعدوا المراهق على فهم مشاعره وتطوير أساليب سليمة للتعبير عنها، وكذلك يمكنهم توجيه الأسرة بأكملها نحو بناء بيئة صحية تدعم إيجابيًا تربية الأبناء.
ختامًا.. يذكرنا الخبير النفسي د. علي عبد الراضي، أن المراهقة مرحلة انتقالية قد يمر خلالها الأبناء بتحديات عدة تؤدي إلى سلوكيات غير مقبولة.
وأن التعامل مع هذه السلوكيات يحتاج إلى حكمة وصبر وتفهم من الأهل. وعلى الأم تجنب ردود الفعل الانفعالية. وأن تتعامل مع المشكلة كفرصة لتعزيز التواصل وبناء الثقة وتعليم القيم.
فالأبناء في هذه المرحلة يبحثون عن الحب والدعم، حتى وإن أظهروا بعض التمرد، ومهما كانت المشكلة.. يبقى الدعم الأسري والصبر الطريق الأمثل لتجاوزها.