فنان خلقته المنحة، وأثقلت خبراته الهجرة والأسفار، آمن بالفن وبموهبته أولًا، فرحل بعيدًا حتى حط رحاله في إيطاليا، وكندا وغيرهما، وما ذلك إلا عدوًا خلف شغفه، وإيمانًا بموهبته، إنه ذاك الفنان المغمور عربيًا المشهور عالميًا، الفنان السوري بسام وفائي؛ الذي التقته مجلة “الجوهرة“، وكان لنا معه الحوار التالي:
حدثنا في البداية عنك وعن طفولتك؟
كانت طفولة جميلة مازلت أذكرها، رغم أنني لم أكن أمتلك ما يمتلكه باقي الأطفال، كنت أشعر بأن هناك من هو أفضل مني وأنا طفل، ولكن كنت سعيدًا بما كان يقنعاني به والداي بكلمة “غدًا س…”، ومضت السنين وما زلت أنتظر غدًا الذي سيأتيني بكذا وكذا.
ولدت في مدينة حلب السورية، عام 1961م، وكنت ابنًا لأسرة متوسطة الحال، وكنت منذ صغري، هاويًا للفن، عاشقًا للرسم، إلا أنني، وبعد انتهائي من مرحلة الثانوية، التحقت بكلية الحقوق جامعة حلب، بناءًا على رغبة والدي، وتخرجت منها أيضًا.
وبعد تخرجي سافرت إلى إيطاليا؛ لصقل موهبة الرسم أكاديميًا، ولم أكن أمتلك اقساط كلية الفنون فالتحقت بمعهد لاڤانتشة بميلانو؛ وهو في الضواحي، وكان قسطه بسيطًا، وحتى هذا لم أكن أقوى على دفعه، لكني التقيت بسيدة إيطالية تدرس في المعهد نفسه، وهي التي دفعت لي التكاليف، وقررت التخصص في “الواقعية التكوينية”.
عدت بعد ذلك إلى سوريا لأداء الخدمة الإلزامية، ثم هاجرت إلى كندا، لألتحق بالأكاديمية الملكية الكندية للفنون التشكيلية.
أهوى الرسم منذ أن كنت طفلًا
أنت خريج كلية الحقوق، فما الذي أتى بك إلى الفن؟
درست الحقوق لأنه كان لابد أن أرضي العائلة المحيطة بي، كان فرعي الأدبي وكانت الحقوق أفضل فروعه، ربما إرضاءًا لرغبة والداي أو ربما للمجتمع.
كنت منذ الصغر أعشق الرسم؛ منذ أن كنت في السابعة كنت أرسم أوجه الناس، وأرسم على زجاج النافذة في أيام الميلاد؛ أرسم السانتا كلوز وعربته والغزلان التي تجر العربة، كنت الأول في مادة الرسم في صفي، يعني أهوى الرسم منذ أن كنت طفلًا.
سافرت إلى إيطاليا من أجل الفن وتعلمه، كيف كانت هذه الرحلة؟ ماذا تعلمت؟ وما هي أهم العقبات التي واجهتك؟
أما العقبات في رحلتي فلقد كانت المادة واللغة الإيطالية؛ بالنسبة للمادة كنت وما زلت عازف جيتار محترف، فعندما كان يضيق بي الحال كنت أعزف في الطرقات، والمحطات، والأماكن السياحية على سبيل الاستمرار، إلى أن التقيت بتلك السيدة الإيطالية، والتي كانت تدرس في معهد لافانتشة في ميلانو، وتبنت كل مصاريف دراستي في المعهد بعد أن رأت موهبتي في الرسم.
وتمت الدراسة وانتهت وتخرجت بدرجة عالية جدًا، وطبعًا الآن اتصلت بتلك السيدة وهي من أعز صديقاتي وقد سددت لها كل ليرة دفعته لي بالطبع، بالإضافة لهدية مادية قدمتها لها، وقد تم حفر إسمي على حائط المعهد، وهذا بعد فوزي بالمسابقة العام الماضي.
حدثنا عن فنك؟ إلى أي المدارس ينتمي؟ وما هي القضايا التي يحملها؟
كانت المدرستان الكلاسيكية والواقعية اختصاصي، وكانوا يسمونها التخليقية، لأننا درسنا التشريح بشكل مفصل، حتى شرايين الجسم وتوزيعها، وكيفية انتشارها في الجسم البشري، وأكثر مما يخطر على بال وقد عشقت اختصاصي، وكنت كما تراني الآن.
قلما نجدكَ مشاركًا في أحد المعارض العربية، ما السبب وراء ذلك؟
في الماضي، قبل هجرتي إلى كندا لم أستطع الإشتراك في أي معرض لسبب بسيط وهو: أن المعرض يحتاج إلى تجميع الأعمال وهذا يتطلب وقتا طويلًا وأنا لم يكن عندي عمل آخر أستطيع أن أستند عليه لأجمع اللوحات بل كنت سرعان ما أذهب إلى التاجر عندما تنتهي اللوحة لأسلمه العمل وآخذ الثمن؛ كي استطيع شراء قوت أسرتي أو حتى مصروف جيبي.
وشاركت العام الماضي في مسابقة عالمية، بمقاطعة بريتيش كولومبيا الكندية، في فيكتوريا، وفزت بجائزة أفضل رسام في أمريكا وشمالها، وأقمت عدة معارض كلها عالمية.
كيف كانت هجرتك إلى كندا، والإلتحاق بالأكاديمية الملكية الكندية للفنون التشكيلية؟ ولماذا كندا بالتحديد؟
هاجرت إلى كندا لأن أخي هناك منذ خمسين عامًا؛ عندما كنت طفلًا هاجر هو إلى كندا، ودرس هندسة الطيران في الجيش الكندي، وهو متقاعد حاليًا ويدرّس في الجامعة كبروفسور، هذا وقد كان والداي يملكان الجنسية الكندية فكان الأمر سهلًا عليّ من كل النواحي.
وقد تسأل نفسك إذا كان أخيه في كندا، فلماذا كانت حالتي المادية على هذا النحو؟سأجيبك، لا أنكر بأنه كان يرسل لي بعض النقود في المناسبات فقط، والتحقت بالأكاديمية الملكية الكندية للفنون لأنني كنت من المتفوقين في إيطاليا فكان الأمر سهلًا، أما أقساط الأكاديمية فقد حصلت على قرض من الحكومة الكندية لتغطية كافة أقساط الأكاديمية وبعد الانتهاء سددت.
الفن انعكاس للواقع بحذافيره
اخترت التخصص في “الواقعية التكوينية”، تُرى ما الذي دفعك إلى ذلك؟
قلت لك منذ أن كنت في السابعة كنت أرسم أوجه الناس وهذه هي الواقعية الكلاسيكية ومنها يشتق الكثير، ويجب أن أكمل ما ابتدأته في إيطاليا، إن اختياري للواقعية كان إيماني بأن الفن هو انعكاس للواقع بحذافيره، نقل الواقع من خلال رؤيتي أنا.
وهناك من يقول لي إن نسخ الصور المحيطة على القماش من خلال الريشة يكون أسهل علينا التقاط صور فوتوغرافيه، وردي هو لو أمعنتم النظر بكل أعمالي سترون أني أنقل لكم الواقع، وبنفس الوقت أنقل لكم حالتي أنا الشخصية والعوامل النفسية التي أمر بها.
ولاحظ كثيرون بأن كل العيون بأعمالي تشابه عيوني أنا، وهذا صحيح، لأنني أتكلم إليكم من خلال مواضيعي، وهذا الأمر أصعب بكثير من أن نرسم عبارة عن خطوط وألوان، ونقول هذا تشكيلي وهذا يعني كذا وكذا.
أنت مشهور عالميًا مجهول عربيًا، هل لديك تفسير لهذا الأمر؟
حين يكون المواطن العربي مكتفيًا وغير مشغول بالبحث عن لقمة عيشه، ومتطلبات الحياة، سأكون وقتها مشهورًا، فأي مواطن عربي، حتى وإن كان ميسور الحال، لن يشتري لوحة فنية بقيمة مليون دولار أو نص مليون أو مائة ألف ليضعها على الحائط.
حقيقة مرة عن المواطن العربي، ولكنها الحقيقة، مع أن الكل له حس فني رائع، ولكن في الإعجاب فقط وليس في الإقتناء، وإن وجد فهم نوادر.
العالم العربي منجم كنوز فنية
كيف ترى الفنون العربية حاليًا؟ وما هو تقييمك لها؟
العالم العربي منجم الكنوز الفنية الغنية، ولكن الجميع، أي الفنانين، يحتاجون إلى أضواء للاستمرار، يعني عندك سيارة مرسيدس أحدث موديل ولا يوجد فيها بنزين، فما قيمتها بدون وقود، هكذا هو حال الفن في الوطن العربي.
بكل ما ذكرته أتكلم عن الرسامين فقط، وليس باقي الفنون في الوطن العربي، فـ”التمثيل والغناء والرقص الشرقي” جاذبة للشعوب العربية، ويهتمون بهذه النوعية من الفنون.
ما هي أبرز مشاريعك المستقبلية؟
مشاريعي المستقبلية ليست بالكثيرة، فعقدي مع الشركة الكندية باقي على انتهاءه أربع سنوات، وبعدها لكل حادث حديث.