حين يتقدّم شاب لخطبة فتاة، غالبًا ما يكون السؤال الأول الموجَّه إليه متعلّقًا بمؤهله العلمي وطبيعة عمله. وذلك قبل الانتقال إلى بقية الأسئلة التي تتناول وضعه المادي، وظروف أسرته، وقدرته على تكوين بيت مستقر.
وفي كثير من الحالات، تقابل الفتاة وأهلها طلب الزواج بالرفض إذا تبيّن أن الشاب يقلّ عنها في المستوى التعليمي. حتى وإن امتلك صفات شخصية جيدة ومقبولة. وهنا يبرز تساؤل: هل هذا الرفض تعبير عن نوع من التعالي الاجتماعي؟ أم أنه موقف يستند إلى مبررات منطقية تتعلّق بمستقبل العلاقة الزوجية واستقرارها؟
المؤهل الأكاديمي كرمز للجدية والطموح
هذا الموقف أصبح شائعًا في المجتمعات المعاصرة، إذ أضفيت على الشهادة التعليمية قيمة رمزية تتجاوز حدود المعرفة. لتصبح دليلاً على الجدية والاجتهاد. ومؤشرًا على قدرة الشخص على تحمّل المسؤولية الزوجية والأسرية. فبعض أولياء الأمور لا ينظرون إلى الفارق التعليمي كونه مجرّد فرق أكاديمي، بل يعدّونه علامة تكشف جوانب من شخصية الشاب وظروفه السابقة، كأن يدل على ضعف الطموح أو الاستسلام للواقع. لا سيما إن لم يكن الشاب قد واجه ظروفًا قاهرة منعته من إتمام تعليمه.
التعليم في ميزان الواقع والخبرة
ومع أن كثيرًا من الشباب تجاوزوا صعوبات كبيرة في حياتهم ونجحوا في إثبات ذواتهم. فإن المؤهل العلمي لا يزال ينظر إليه بوصفه دليلًا على الثبات والمثابرة، وليس مجرد وثيقة تؤكد اكتساب المعرفة.
الفارق التعليمي وتأثيره على الانسجام الزواجي
وإن لم يكن المجتمع يربط مسألة الفارق التعليمي بالطبقية بصورة مباشرة. إلا أن الكثير من العائلات ترى أن هذا الفارق قد يؤثر مستقبلًا على الانسجام داخل الحياة الزوجية. فضعف المستوى العلمي قد يرافقه. بحسب ما أظهرته بعض التجارب، ضعف في مهارات التواصل، وقلة الصبر، وسطحية في النقاش، ما يجعل الحوار بين الزوجين هشًّا، خاصة إذا كانت الزوجة متعلّمة وواعية وتملك أدوات التعبير.
نضج الشخصية أهم من المؤهل أحيانًا
غير أن هذه النظرة لا تنطبق على جميع الحالات، إذ نجد من بين الشباب الذين لم يكملوا تعليمهم من استطاعوا أن يصقلوا شخصياتهم من خلال خوض تجارب الحياة والعمل المبكر، فصاروا يتمتعون بنضج فكري، وفهم عميق للواقع.
آراء الفتيات بين الحذر والانفتاح
ولذلك ترى بعض الفتيات أن المؤهل العلمي لا يعد مقياسًا كافيًا للحكم على الرجل، بل لا بد من التعرّف عليه عن قرب، واكتشاف مدى نضجه وطموحه، وبخاصة إذا كان قد اعتمد على نفسه في بناء مستقبله.
>إحدى الفتيات الجامعيات ترى أن الفارق في المستوى الدراسي لا يمثل عائقًا إذا وجد التوافق النفسي والعقلي. وكان الشاب ناضجًا ومتّزنًا، بينما ترى فتاة أخرى أن التفاوت العلمي قد يفضي إلى اختلافات جوهرية في وجهات النظر، ويحدث احتكاكات فكرية دائمة. مما ينذر بتحوّل الحوار إلى صراعات مستمرة.
التكافؤ كلمة السر في نجاح الزواج
وتكاد الآراء تتّفق على أن كلمة السر في نجاح أي زواج تكمن في مفهوم “التكافؤ”، وهذا المفهوم لا يقتصر على الطباع أو السن أو الدخل المالي، بل يشمل أيضًا المستوى الثقافي والتعليمي. فالفجوة في التعليم قد تؤدي إلى تباين في الاهتمامات. وتباعد في أساليب التفكير، بل وقد تحدث خلافات في أساليب تربية الأبناء، والنظرة إلى العلاقات الاجتماعية، ودور الأسرة في المجتمع.
أسباب تأخر الزواج وتعقّد الاختيار
ومع تطور المجتمعات واتساع فرص العمل والتميّز أمام المرأة، أصبح التعليم أولوية قصوى لديها، ونتج عن ذلك تأخّر سن الزواج لدى كثير من الفتيات. غير أن هذا التأخر لم يكن ناتجًا عن الطموح فقط، بل جاء أيضًا نتيجة لارتفاع تكاليف الزواج، وصعوبة السكن، وتغيّر أولويات الشباب.
ومع مرور الوقت، وجدت بعض الفتيات أنفسهن أمام خيارين: إما التخلي عن حلم الزواج، أو القبول بشريك لا يحقق الطموحات التعليمية المرجوّة. كثيرات اخترن الخيار الثاني، غير أن بعضهن اصطدمن لاحقًا بتحديات ناجمة عن غياب التوافق الفكري والثقافي.
تجارب ناجحة رغم الفارق
ومع ذلك، لا تخلو الساحة من تجارب إيجابية. من ذلك، مثلًا، ما روته إحدى المهندسات في مجال الإعلام الآلي، التي تزوجت من رجل يعمل في مهنة “حلواني”، ورغم الفرق التعليمي، فإنها تصف حياتها الزوجية بالمستقرة والسعيدة. لما يتمتع به زوجها من ثقافة، ونضج، واحترام متبادل.
>وترى أن المشكلة لا تكمن في الشهادات، بل في نضج الطرفين وصدق نواياهما. ورغبتهما الصادقة في بناء علاقة تقوم على الاحترام والتفاهم.
ليست الشهادة الدراسية هي المعيار المطلق في تقرير نجاح العلاقة. لكنها تبقى أحد المؤشرات الأساسية على وجود نوع من التكافؤ العقلي والاجتماعي، وهو ما يسهم في بناء حياة زوجية متوازنة ومستقرة.
فالزواج، شأنه شأن أي علاقة إنسانية، يحتاج إلى حوار صادق، وتفاهم عميق، وتقارب في الرؤى، وتقدير متبادل. فإذا غابت هذه المقوّمات، فلن يعوّضها لا المال، ولا الجمال، ولا حتى الحب وحده.