وضعت رانية؛ بصمتها في عالم تصاميم الأزياء التراثيَّة بشكلٍ عصريٍّ، فهي من المصمِّمات السعوديات التي تطمح لأنْ تجعل دراسة التصاميم التراثيَّة منهجًا في الجامعات السعوديَّة؛ لما تمتاز المملكة بالعديد من التصميمات التراثيَّة، ولكل منطقة ما يميِّزها من لباس يمثِّل عادات وتقاليد المنطقة.
وأجرت "الجوهرة" حوارًا مع مصممة الأزياء التراثية، للتعرف على سبب تخصصها بهذا المجال، والعديد من أسرار تصميم الأزياء التراثية، وإلى نص الحوار:-
وفي الدراسات العُليا وضعوا أمامنا خيارين: إمَّا تغذية أو ملابس، وأكثر شيء وجدتُ نفسي فيه هو الملابس وفروعها، فاخترتها وكان منها 4 تخصصات: الباترونات، تصميم الأزياء، التطريز والنسيج. في البداية اخترت الباترونات؛ لأني ظننت أنها الأقرب إليَّ من الناحية الأكاديميَّة في مرحلة الماجستير، ثم لم أجد نفسي فيها، بعد أن قضيت فصلاً كاملاً، وبعدها على مسؤوليتي ومسؤوليَّة المشرفة غيَّرت إلى تخصص جميل جدًّا اسمه تاريخ الأزياء والتطريز، الذي يدرس كل شيء عن الحضارات القديمة والتراثيَّة والفرعونيَّة، والفلكلور وتاريخ الأزياء والتطريز وأساليبه وفنونه، ووجدتُ نفسي في هذا التخصص فتحمَّلتُ في الفصل الثاني ودرست الفصلين الأول والثاني معًا، وفعلاً حدث ذلك عن قناعة.
بعد أن غيَّرت التخصص في تمهيدي ماجستير، بالفصل الثاني، اكتشفت أنني أحسنت الاختيار، ونجحت في مجال تاريخ الأزياء والتطريز، وسجلت المادة والرسالة، وأجريت بحثي في أزياء نساء قبيلة حرب بالمنطقة الغربية، وكان -ولله الحمد- رائعًا جدًّا، في ذاك التوقيت كنت أصمم لنفسي ولمن حولي ثيابًا بسيطة، وبدأت مشروعًا صغيرًا مع شريكة سابقة لي وهي (ملاك الليل)، وكانت تلك بداياتي.
وإذا لم أتقدَّم بخطوة للأمام لن يقتدي بي أحد، فقلت في نفسي "عليَّ أن أبادر بعمل مخاطرة بسيطة"، وكانت علاقتي جيدة بإدارة كلية التقنية، فطلبت عمل اتفاقيَّة بأن يكون إنتاجي لتلك السنة بأيدي الخريجات، وأنا أكون المشرفة عليهنَّ مع مشرفتهنَّ، وهن ينفذن تحت عيني تصميماتي بمقاساتي وبمواصفاتي والخامات من عندي، ولابُدَّ أنْ نصبر على بناتنا مثلما نصبر على الخياطات، ونعلِّمهنَّ وندربهنَّ، فطالباتنا أهم وأولى.
واستلمت فعلًا إنتاج بنسبة 70%، كما أتمنى، منتج سعودي بأيدٍ سعوديَّة 100%، والإنتاج جميل، وليس به عيوب كثيرة، وعلى كل مصممة، أو مصنع أن يطبِّق هذه الفكرة، وتوخِّي الحذر ليتلافى السلبيَّات التي قد تواجهه قبل أن تحدث، والحمدُ لله كانت العواقب سليمة، والنتائج وردود الأفعال جيدة، وهنَّ أخذن الثقة عالية في أنفسهنَّ؛ لتمكنهنَّ من وضع أيديهنَّ مع مصمِّمة عالميَّة مشهورة قبلت العمل معهن. وشاع صيتهن في الجرائد.
ولو مثلاً عملت 5 من بين 100 مصممة، في الموسم الثاني، بنفس الطريقة؛ وبعد ذلك يدربن الطالبات الخريجات، وكان هناك حافز وقبول، لانكسر الحاجز بين الخريجات والمصمِّمات، وصارت هناك ثقة لتشغيل القوى السعوديَّة المطلوبة التي كانت بادرتي، ولكن للأسف ما اكتملت! لكن -إنْ شاء الله- سيأتي يوم أستكملُ فيه مبادرتي، وأفتتحُ الدار الخاصَّة بي، وأكمل المرحلة التي بدأتها، وأبدأ من النقطة التي وقفتُ عندها.
أنتِ يا مصممة أبدعي.. أنتِ يا رسامة، يا معماريَّة، كل إنسانة قادرة على أن تقدم أفكارًا، فلا داعى لأن تتطلع إلى الموضة الخارجيَّة. ارجعي لتراثك -أكررها ألف مرة- التراث أرض خصبة مليئة بالأفكار الجميلة، فإن فعلتن سيرجع الغرب إلى أفكارنا، وأصولنا ويقتدون بنا.
ورسالتي هنا: ليتك تسيرين على أسس سليمة حتَّى لا تكوني فقاعة صابون؛ لأنَّ هذه فرصتك، لو لم تستفيدي من رؤية 2030 المتاحة الآن، فلن تستفيدي في كل حياتك، فتعلمي واقرأي وسيري على أسس سليمة، واستفيدي من أخطائك السابقة وصححيها، فليس عيبًا أن نستفيد من أخطائنا، والآن النظرة للمرأة السعودية أنَّها قادرة على أنْ تقود مشروعات كبيرة.
طبعًا المرأة السعوديَّة لا تقل مهارة وعلمًا عن أيِّ امرأة من جنسيَّة أخرى. بدليل أنَّي درستها في الكليَّة وفي الجامعة، وأعرف قدرتها وذكاءها، وأنْ يدها تلتف بحرير، لكنها تحتاج إلى دعم جامد، وثقة في نفسها وتحتاج أن يقف أهلها بجانبها ويدعموها ويمنحوها الثقة أولاً، وتحتاج زوجها أو والدها أن يقول لها "أنا أثق فيكِ"، وتحتاج إلى دعم المجتمع، فعندما يعرض إنتاجها للسوق يقدمون عليه تشجيعًا لها، ولا يقولون هذه عباية سعوديَّة لا نريدها، نريد عباية إماراتيَّة أو أي جنسيَّة أخرى!!
ونحتاج أن يقبل المجتمع بالمصمِّمة السعوديَّة ويثق فيها، فلماذا دائمًا الثقة والدعم تكون للإماراتيَّات والسوريَّات والمصريَّات أو الأجنبيَّات دون تحديد جنسيَّة؟! لدينا مصمِّمات على أعلى مستوى، وعندي مشروعات للطالبات -عندما درستهنَّ في الكلية والجامعة- لا تقل عن أيِّ مصممة عالمية..
وفي هذه الحالة لابُدَّ أن يكون هناك زوج متعاون، ولا يكون متضايقًا من عملي، فحين أشعر بذلك أهاود قليلاً في موضوع العمل حتَّى لا يتأثر بيتي، فأنا عندي البيت وأولادي أولاً والعمل ثانيًا!، وفترة الدراسة هي رقم واحد، وكذلك أثناء الاختبارات. فأولاً وأخيرًا الأمور تحتاج لسياسة مهاودة وتعاون.
ونصيحتي لمن تعمل مشروعًا وهي متزوجة ولها أولاد، وتخوض التجربة: لا شيء يأتي سهلاً، فلكل شيء ضريبة، ولا بُدَّ من التضحية، فنحن نحاول أن نكون مرنين سياسيين حتى المركب تسير.
افصلي بين البيت والعمل، استفيدي من خبرات الناس، فكل شيء له خصوصيَّة وأكملي حيث انتهى الآخرون.
ليس عيبًا أن تتعلَّمي من خبرة غيرك، ولا حرج في أن تسألي، وتعترفي بخطئك وتقولي أريد أن أتعلَّم. ابحثي عن نقاط ضعفك وتلافيها (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
ليس عيبًا إن وجدت عندك فجوة في شيء معيَّن، قوِّيها، خذي وقتك وراجعي وابدأي بطريقة صحيحة؛ حتى لو اضطررت لتغيري نشاطك إذا كان في تغييره نجاح.
وأشكر حكومتنا على كلِّ ما قدَّمته للمرأة السعوديَّة، لتكون رائدة أعمال تنافس المرأة العالميَّة بإنجازاتها وعلمها، وقد كنتُ واحدةً منهنَّ -ولله الحمد- ولي بصمتي باليوم الوطني، كنوع من الشكر والعرفان، باستحداث تصميمات تختلف سنة عن سنة. إمَّا باستخدام الطباعة، وتصميم الحاسب الآلي، أو استخدام الشماغ، وعقال الملك فيصل، أو العقال السعودي، واللون الأخضر الحشيشي كرمز للون العلم، أو استخدام التطريز الآلي وشعار السيفين والنخلة.