غالبًا ما يأتي التغيير السلوكي الناجح على مراحل، تتفاوت مدتها من شخص لآخر، بحسب الدافع الداخلي، وظروف الحياة، والعوائق المحيطة.
وقد يكون البعض قد بدأ بالفعل في مسار التغيير الذي عقد العزم عليه، وهذا بحد ذاته إنجاز يستحق التقدير، بينما يواجه آخرون صعوبة في التنفيذ، ما يجعل شعورهم بالإحباط مفهوماً ومبرراً.
في كل الأحوال، مجرد اتخاذ القرار نحو التغيير تحت تأثير قوة دافعية ذاتية هو إنجاز يستحق العناء، لأنه يزيد فرص النجاح، حتى وإن مر المرء ببعض التراجع المؤقت.
وعندما يتعلق الأمر بالتوصيات الصحية الشائعة مثل ممارسة الرياضة، وتناول الطعام الصحي، والحفاظ على الوزن، والامتناع عن التدخين، وأخذ قسط كاف من النوم، فإن الالتزام بها يشكل أسمى ما يمكن للإنسان أن يقدمه لنفسه.
فهذا النمط لا يحسن فقط الحالة الصحية، بل يساعد أيضاً على الحفاظ على استقلالية الأداء الجسدي والعقلي في مرحلة الشيخوخة، متجاوزاً في أهميته حتى تناول الأدوية.
ويعتمد النجاح في تغيير السلوكيات الصحية على عوامل عدة، من بينها الدعم الطبي والأدوات العلمية الحديثة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الأطباء والمعالجين لتشجيع المرضى على الالتزام بالعادات الصحية، تظل هناك عوائق نفسية تواجه الكثيرين، مثل الخوف، أو الشعور بالذنب، أو الندم. وتشير الأبحاث إلى أن المناهج التي تعتمد على التخويف أو إثارة الذنب كانت الأقل فاعلية، في مقابل المناهج التي تدعم وضع أهداف واضحة، وتقديم وسائل عملية واقعية لتحقيقها.
التغيير السلوكي، خاصة في الجانب الصحي، قد يستغرق وقتاً طويلاً. ولذلك ظهرت نماذج علمية لتفسير أسباب النجاح والفشل في هذا المجال، حيث تعتبر كل مرحلة من مراحل التغيير تحضيراً لما يليها، ويجب المرور بها دون تسرع.
هذه النماذج لا تقتصر على الأطباء فقط، بل يمكن لأي فرد الاستفادة منها لتطوير نمط حياته.
وتقسم مراحل التغيير السلوكي كما يلي:
المرحلة الأولى: ما قبل العزم
وهي المرحلة التي يفتقر فيها الشخص للرغبة في التغيير، إما بسبب نقص الوعي أو تجارب فاشلة سابقة. لكنه قد يتأثر لاحقاً بحملات إعلامية أو قصص شخصية تدفعه لمراجعة عاداته.
المرحلة الثانية: العزم
وفيها يبدأ الإنسان بإدراك المشكلة، ويدخل في مرحلة التفكير الجاد دون اتخاذ خطوة عملية. يتأرجح بين الفوائد والتكاليف، وقد يحتاج لمن يرشده أو يوجهه.
المرحلة الثالثة: التحضير والتنفيذ
تبدأ فيها خطوات عملية حقيقية، مثل التسجيل في ناد صحي، أو شراء أدوات مساعدة على الإقلاع عن عادات ضارة، وتحديد العقبات المحتملة ووضع خطط للتغلب عليها.
المرحلة الرابعة: العمل
وتعد الأصعب، حيث يواجه الشخص تحديات يومية في مقاومة السلوك القديم، مع الالتزام بالبدائل الصحية التي اعتمدها.
المرحلة الخامسة: الصبر والمداومة
تتطلب هذه المرحلة المداومة لمدة لا تقل عن ستة أشهر، حتى يتحول السلوك الجديد إلى عادة تلقائية. وهي مرحلة دقيقة تتطلب تجنب المحفزات القديمة والانفصال أحياناً عن بعض العلاقات أو العادات الاجتماعية.
رغم تعدد المراحل، إلا أن التقدم بينها ليس خطاً مستقيماً. فحدوث الانتكاسة أمر شائع، ويعد جزءاً طبيعياً من مسار التغيير، بل يشكل فرصة للتعلم الذاتي. فالعودة المؤقتة إلى العادات القديمة لا تعني العودة إلى نقطة البداية، بل يمكن أن تكون مرحلة للتقييم وإعادة التخطيط.
التغيير الصحي رحلة تحتاج إلى وعي، وتخطيط، وصبر، وتفهم للنفس. والنجاح في هذه الرحلة لا يقاس فقط بالنتائج، بل بالاستمرار في المحاولة رغم التحديات.