ازدواج الشخصية بين الاضطراب النفسي والوظائف السلوكية

كتبت: صبحة بغورة

توجد العديد من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على الوظائف السلوكية والانفعالية أو الوظائف العقلية، ويطلق عليها “المرض النفسي” أو الاضطرابات النفسية، ومن بين هذه الاضطرابات يأتي اضطراب ازدواج الشخصية.

وهنا يبرز التساؤل: هل يُعد ازدواج الشخصية حالة مرضية، أم سمة من سمات الشخصية؟

يُصنّف ازدواج الشخصية على أنه حالة نادرة في الطب النفسي، وقد اكتسب شهرة واسعة نتيجة تناوله في الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية. إلا أن ازدواج الشخصية ليس مجرد وهم، بل هو اضطراب نفسي حقيقي، يظهر فيه الشخص بأكثر من شخصية، ويُدرج هذا الاضطراب ضمن فئة الاضطرابات الانشقاقية. كان يُعرف سابقًا بـ “اضطراب تعدد الشخصية”، وأصبح يُسمى الآن “اضطراب الهوية الانشقاقي”. وهذا يعني أن مفهوم “ازدواج الشخصية” لم يعد مصطلحًا متداولًا في علم النفس الحديث، بل تم استبداله بمصطلح اضطراب الهوية الانشقاقي أو الانشطاري.

 

الضغوط النفسية والاجتماعية

 

المصاب بهذا الاضطراب قد يمتلك هويتين أو أكثر، وقد يصل العدد إلى العشرات، وتتمتع كل شخصية بأسلوبها المستقل في السلوك والإدراك والتفكير، إضافة إلى تاريخها الشخصي وعلاقاتها الاجتماعية.

ويحدث الانتقال من شخصية إلى أخرى تحت تأثير ضغط نفسي واجتماعي شديد، وغالبًا ما يكون هذا الانتقال مفاجئًا، حيث يمكن أن تتناقض الشخصيات تمامًا، مثل تحول فتاة خجولة فجأة إلى أخرى جريئة تتصرف دون ضوابط أخلاقية.

ويجمع المختصون على أن ازدواج الشخصية يُعد اضطرابًا نفسيًا يؤثر في سلوك وشخصية الفرد. غير أن الظاهرة، في سياقها المعاصر، بدأت تأخذ طابعًا مختلفًا، إذ يُنظر إليها أحيانًا كأنها سمة من سمات الشخصية الطبيعية. فلم تعد هذه الحالة تُرى كاضطراب نفسي محدد الأبعاد والمظاهر، بل أصبحت جزءًا من السلوك اليومي للعديد من الأفراد، سواء بوعي أو دون وعي. وهذا يدفع للتساؤل حول ما إذا كان الشخص السوي نفسيًا يمارس، في بعض الأحيان، نوعًا من ازدواج الشخصية ضمن حياته اليومية.

أما عن أسباب اضطراب تعدد الشخصية، فهي غالبًا تعود إلى وجود تاريخ من الإيذاء الجنسي تحديدًا، إلى جانب أشكال أخرى من الإيذاء الجسدي والنفسي في مرحلة الطفولة. لذلك، لا يُعالج هذا الاضطراب بالعقاقير، بل يتطلب علاجًا نفسيًا طويل الأمد يهدف إلى تفريغ الصدمات النفسية المكبوتة.
وقد حدد الأطباء ثلاث حالات رئيسة لاضطراب تعدد الشخصية:
1 ـ وجود شخصيتين تتجليان في سلوك فرد واحد.
2 ـ وجود أكثر من شخصيتين، تكون كل واحدة منفصلة تمامًا عن الأخرى وتتمتع باستقلالية تامة.
3 ـ ظهور الشخصيات بشكل متتابع ومتلاحق، ولكل منها نمطها وسلوكها الخاص، دون أن يكون بينها تواصل أو صلة مباشرة.

وبتحليل هذه المعطيات، يمكن القول إن ازدواج الشخصية يمثل انقسامًا في وعي الفرد، حيث يعيش بشخصيتين مختلفتين في أوقات مختلفة، وغالبًا ما تكون إحداهما ظاهرة والأخرى مضمورة، وقد لا يكون الشخص مدركًا لهذا الانقسام. كما أن فقدان الذاكرة لإحدى الشخصيتين أمر محتمل، وعند اختفاء إحداهما تظهر الأخرى.

 

هل أصبح ازدواج الشخصية حالة طبيعية؟

 

وبالعودة إلى أصل التساؤل: هل أصبح ازدواج الشخصية حالة طبيعية أو سمة من سمات الشخصية السوية؟.
يبدو أن العديد من الناس اليوم يعيشون حياة طبيعية ويتقمصون شخصيتين متناقضتين تمامًا، حتى أن التناقض بين السلوك والأفكار لم يعد مجرد تفاوت داخلي، بل أصبح تعبيرًا عن تحول حقيقي في الشخصية. وهذا الشكل من الازدواجية بات شائعًا في المجتمع لدرجة أنه يُنظر إليه أحيانًا على أنه نمط سلوكي طبيعي أو حتى سمة من سمات العصر.

ورغم إمكانية تفسير هذه الظاهرة بضغوط الحياة، إلا أن الملاحظ أن بعض هؤلاء الأفراد لا يعانون من ضغوط نفسية كبيرة. وفي المقابل، نجد من يتحمل الضغوط والمكابدة يتمتع بدرجة من الانضباط النفسي والسلوك المتزن. لذلك، فإن مراجعة النفس والانتباه إلى أنماط السلوك تظل وسيلة مهمة لحماية الفرد من الانزلاق في اضطرابات سلوكية وانفعالية، قد تنتقل إليه من غيره دون أن يشعر.

الرابط المختصر :