كتبت: صبحة بغور
يؤرق الوالدان كثيرًا موضوع اختيار الزوج المناسب لابنتهما التي يمكن أن يكون لها رأي لا يرضيهما أو يزعجهما؛ إذ إن التوجه الحالي الذي ترسمه بعض الفتيات في اختيار شريك الحياة، يبدو متأثرًا بحجم الضغوط الاقتصادية التي تمر بها الأسرة وبطبيعة الظروف الاجتماعية التي يعانيها المجتمع.
أصبح اختيار شريك الحياة، يخضع بين طرفي نقيض ورغبتين مختلفتين: الكهولة مع المال، أم الشاب المثقف؟ هناك تضارب في الأفكار واختلاف بالآراء الأحادية للنظرة الثاقبة في تقبل زواج الشهادة الأكاديمية أم المال الوفير؟
والتعمق في البحث حول هذه المسألة يضع المتأمل أمام عدة مفارقات في حال غلب رأي طرف على الطرف الآخر.
زواج الفتاة من كهل
لم يعد غريبًا أن تتزوج فتاة في سن العشرين أو أقل من كهل بعمر والدها. لامتلاكه ثروة كبيرة من المال والتي تكفي للتمتع بحياة مترفة دون أي اعتبار لما ستكون عليه حياتهما الزوجية.
فالفتاة ارتبطت وهي في عز شبابها وغمرة حيويتها وتطلعها للمستقبل بزوج يوهم نفسه أنه ما زال يتمتع بعنفوان الشباب، والذي ربما يعاني المرض وعجز الشيخوخة وتجاوز تداعيات العمر على صحته وقدرته.
هذا في انتظار وفاته كي ترث الثروة المالية، وبعدها تقرر مصيرها؛ حيث يمكنها أن تتزوج من شاب لديه شهادة تختاره هي إن أرادت.
الزواج من شاب مثقف
وفي المقابل، نجد أن فتاة أخرى تفضل الشاب المثقف الحامل للشهادة التي تؤهله للعمل وتحقق الاستقرار للأسرة. أي العامل الذي يضمن لها الحياة السعيدة وملؤها الحب المتبادل والتفاهم والتقارب الفكري.
وهنا يصبح المال وسيلتهما لا غايتهما لتحقيق النجاح. ومثلها تعتبر أن الشباب والشهادة يخلقان الطموح؛ إذ تستطيع مع زوجها الشاب تطوير مستواهما المادي وتحقيق الحياة الكريمة.
إن تجربة زواج الفتاة من رجل تتقارب معه في العمر وذي شهادة؛ حيث يمكنهما التفاهم وتكوين رؤية مشتركة للحياة قد أثبتت نجاحها. ومعها ترسخت القناعة بأن “من تبيع ذرة حب مقابل المال تعيش تعيسة طول العمر”.
زوجة أم ممرضة
إن ارتباط الكهل بفتاة شابة فارق العمر بينهما كبير تدفع على الاعتقاد أنه لا يحتاجها كزوجة، بل ممرضة مهمتها تنحصر في إعطائه الأدوية في مواعيدها ورعاية شؤونه الخاصة.
وفي مثل هذا الوضع يثور التساؤل الحائر عن ماهية متعة العيش دون الحب الحقيقي والتفاهم، وعن ما جدوى العيش بغير لذة الحياة لامرأة يخفق قلبها بنبضات الحب؟
النظرة القدرية للمسألة تحدد الموقف من موضوع الزواج من أجل المال وأنه ليس له استمرارية وهو زائل، ويمكن توقع حدوث هزات مالية تكون كفيلة بفقدان الثروة. وحينها ستقف المرأة في مفترق الطرق بين الاستمرار مع الرجل الكهل الذي تفتقد معه لحلاوة التنعم بالحياة الزوجية الحقيقية. وإما اللجوء للطلاق فتبقى عرضة للألسن اللاذعة.
الحياة الزوجية لا يمكن أن يتحكم في مسارها أحد. ويحدث أن تتزوج المرأة من رجل يكبرها بسنين كثيرة من أجل ماله؛ لسد احتياجاتها المتزايدة والتمتع بحياة لم تنل في الواقع من حلاوتها شيئًا.
طباع الرجل تبدد الفاصل العمري
وقد يحدث العكس عندما تجذب المرأة طباع الرجل الدمثة واتزانه وحسن عشرته فيبدد الفاصل العمري ويبقى الحب والاحترام صاحب السيادة.
حتى وإن أصيب بالإفلاس لن تتخلى عنه اعترافًا منها بالجميل الذي مدها به أيام الترف. ويحدث أن تتزوج الفتاة بشاب في مثل عمرها ولا تنعم معه بالسعادة ولا تتمتع بطعم الحياة. ومع توالي الأيام تتحول حياتها إلى شقاء حتى تصبح عقدة النكاح غير ذي موضوع، وصولًا إلى الطلاق.
وبالتالي تكون قد فشلت في الإمساك بالشباب والشهادة أو بحياة زوجية ناجحة. ومع هذا ففي الغالب والأعم أن زواج الفتاة من الشاب المتعلم حامل الشهادة يكسب الحياة الزوجية الديمومة والاستقرار والاطمئنان في أجواء التعاون والاحترام والتقارب، والطموح نحو الرقي الوظيفي وتنمية روح الكسب. على خلاف الكهل صاحب الثروة المالية الذي سيكتفي في حياته بالارتكاز على ما اكتسبه.
حسن الاختيار
من حق كل فتاة أن تحسن اختيارها في العيش مع من يوفر لها ظروف العيش الرغيد الذي يضمن لها الحصول على متطلباتها وفق مستلزمات العصر الحديث. ولكن قد يصل التطرف في الرأي إلى حد قبول الزواج برجل ليست له شهادة ويملك المال بدعوى أن الفتاة لن تأكل الورق ولن تتغذى على المفردات والأرقام . وتريد أن تعيش ما كتب لها من العمر، ولكن قد تموت قبل زوجها الكهل.
وعمليًا، الحياة تتطلب مستلزمات يومية ضرورية كثيرة، تتضاءل أمامها قيمة الشهادة واعتبار الشباب، على اعتبار أن السلامة الجسدية والحيوية الجسمية لا تكفي للحصول على السعادة.
ويحدث أن تخدم الظروف هذه الرؤية عندما تفرض الأزمة الاقتصادية قرارات الاستغناء المبكر عن العمالة من أجل التقشف. وما يمكن أن يلي ذلك من تراكم التبعات والعجز عن التكفل بمصاريف البيت فيضطر الطرفان إلى الطلاق.
وما يمكن أن يزيد الأمر سوءًا إذا توفي الزوج المثقف صاحب الشهادة، وهو في ريعان شبابه فإن المرأة الأرملة ستعاني كثيرًا من قساوة الحياة اليومية وستتكاثر عليها المشاكل. خاصة إذا ترك لها أبناء وليس لديها المال.
إن ما يبرر تناول هذا الموضوع هو ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج، خوفًا من تحمل المسؤولية وقلة الإمكانات ولعدم توفر المال الكافي لمصاريف الزواج الباهظة.
بالإضافة إلى المغالاة في المهور، وأنه على ذلك أضحى الشباب يبحث عن شريكة حياته بمواصفات خاصة تتعلق أساسًا بالجانب المادي. وهي مسألة تحز في نفس أي فتاة على اعتبار أن الجانب النفسي والإنساني فيها تم تجاهله.
وتحت وطأة ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمعات العربية لم يعد ممكنًا أن تقبل الفتيات بالحد الأدنى من المعيشة أو القبول بالضنك، ولا يمكنها في نفس الوقت أن تظل بقية حياتها عانسًا فتفضل الزواج بالرجل المتقدم في السن والميسور الذي لا يحتاج سوى إلى إنسانة تحبه.
السن قد لا يفرق
المرأة بطبيعتها تحب الحماية التي غالبًا ما تتوفر لها مع رجل صاحب تجربة في الحياة. والزواج ليس مرحلة سهلة في حياتنا، والحب ضروري بين الطرفين وقد لا يهم السن إن لم يكن الفارق كبيرًا.
فإذا توافق الزوجان كان الزواج ناجحًا، والرأي بأن الاقتناع بالشخص أصلًا أمر مهم دون النظر إلى مستواه الثقافي أو المادي أو العمري قد يثير الجدل؛ لأنها اعتبارات أساسية عند اختيار الزوج المناسب. كما أن المال يلعب دورًا كبيرا في اختيار الزوج لضمان استقرار الحياة الزوجية.