كتبت – صبحة بغورة:
بين حرص كل والدين على إمتاع طفلهما بألعابه، وبين سعيهما لإثراء طفولته بمهاراته تتأرجح مدى قناعته بما لديه، وهنا يطرح السؤال: متى تعزز الألعاب الطفولة الهادفة؟
شراء الألعاب
غالبًا يعبر الأهل عن سعادتهما بطفلهما بشراء كل ما تقع عليه عيناه وترغبه نفسه، ولا يترددان لحظة في اقتناء ما يتمناه قلبه ويزيدان عليه ما يشابهه لإشباع طفولته إلى أقصى حد ممكن، فلا يشعر يومًا بالحرمان في حياتهما.
هذا اعتقاد كثيرين خاصة في غمرة الفرحة بطفلهما الأول ذكرًا أو أنثى، فيحدث أن تزدحم الغرفة بالألعاب الغالية مبعثرة على الأرض. وقد يصيب بعضها التلف بسبب العبثية الطفولية وملل الطفل منها وإهماله لها.
ولأنه يريد التغيير فلن يغار أو يعترض ـ كما كان في البداية ـ إن قام أحد أقرانه من أقربائه وجيرانه بمشاركته ألعابه، وسيكون ذلك في حد ذاته من دواعي سرور الوالدين، لشراء المزيد من الألعاب لإسعاد طفلهما. فليس هناك طفل لا يفرح بالألعاب، ولكن العبرة كم يدوم فرحه بها؟ وما طبيعة تأثيرها فيه؟
تنمية إبداع الطفل وخياله
حسن اختيار اللعبة يرتبط مباشرة بعمر الطفل، فقد يراها غير ممتعة إن كانت موجهة لمن هم أصغر منه سنًا. وسيراها معقدة وغير مثيرة إن كانت تفوق مستوى إدراكه. وخير الألعاب من تحرك في نفس لطفل الميل إلى تعلم شيء عن طريق اللهو والمرح.
ولكن شرط أن يتحقق هذا الهدف الانتباه إلى أمرين أساسين: الأول، أن الوفرة تقتل المتعة. والثاني، أن قلة الألعاب تعزز نمو الطفل.
هما حقيقتان لا مفر من الاعتراف بهما، والتعامل مع الطفل على أساسهما. والمعيار الرئيس عند اختيار اللعبة يكمن في طبيعة فائدتها عند تنمية إبداع الطفل ودورها في إثارة مخيلته، وليس في العدد الكبير من الألعاب. لأنها ستأخذه بعد مرور وقت قليل إلى فراغ لا تطيقه نفسه؛ لأنها ستكون معطلة لانطلاق تأملاته وحماسته للاكتشاف وميله إلى التعرف وفضوله الطفولي.
وبغير هذا ستكون ذات اللعبة في سن معينة مجرد لهو فارغ ولا متعة فيها ولا تتفق مع شروط تعزيز نموه. لذلك؛ كثيرًا ما نجد بعض الأطفال غارقون في مختلف الألعاب وبرغم هذا لا يشعرون بالسعادة بل قد ينشب الشجار بينهم ويعلو بكاء أحدهم وصراخ آخر دون سبب محدد.
الحل لمعالجة هذا الوضع هو تقنين شراء الألعاب من خلال تحديد حجمها. وإجادة اختيار نوعها المناسب للمرحلة السنية. ومدى توافقها مع ما سيتلقاه في المدرسة لزيادة معارفه. وربطها بالشروط الإيجابية كحفلة عيد ميلاده، والأعياد الموسمية. وتحقيق النجاح في دراسته، وتحصله على نتائج جيدة.
ويجب تجنب تقديم المزيد من الهدايا في غير وقتها المناسب وخاصة بعيدًا عن موسم إجراء الامتحانات حتى لا ينشغل بها عن ما هو أهم.
التعلم والنمو
لا شك أن الأهل يرغبون دائمًا في إسعاد أطفالهم، والأهم إدراك أن التعلم والنمو متلازمين. يساعد اللعب الأطفال على التعلم وعلى تطوير المهارات الحركية واللغوية والفكرية والصحة العقلية.
والطفل يُفرغ طاقته في اللعب ويستمتع بوقته ويشعر بالرضا فتغمره السعادة وترسم الابتسامة على وجهه. والأطفال تسعدهم الأشياء الصغيرة، وما يعتبره البالغون أمرًا مفروغًا منه، نجده يجلب لهم فرحة هائلة.
فمثلًا تعطيهم قطعة حلوى فيشعرون بسعادة غامرة، ويتمتعون بمشاهدة برامج الرسوم المتحركة فلا تنقطع عنهم الضحكات، حتى وإن تابعوها مرارًا وتكرارًا، ويجدون في تقاذف الكرة متعة لا مثيل لها.
والمتفق عليه أن الأطفال يتعاملون مع العالم من حولهم وكأنه معمل تجارب، يستمتعون بكل ما فيه ويقدرون جماله ويرون كل عنصر من مكوناته على أنه فرصة للعب.
وتنعكس هذه الحالة النفسية على سلامة الصحة العصبية للطفل واتزان حالته العاطفية. فيصبح أكثر تقبلًا لإفرازات وضعه الاجتماعي دون تحيز.
كما يكون عنصرًا مقبولًا في اندماجه اللاحق مع وسطه المدرسي والرياضي وفي محيطه الاجتماعي. لأنه اندماج بكل الحب وغير مشروط.
وفي هذا تعزيز الرحمة والتعاطف في نفوسهم، فهم لا يحكمون على الناس وفق أسباب خارجية ولا تراهم يرفعون سقف توقعاتهم. بل من خلال تبني صفاتهم الطفولية، يمكنهم نسج علاقات اجتماعية أكثر توافقًا وانسجامًا.
لأنهم لا يفكرون مثل الكبار فيما يقوله الآخرون عنهم من وراء ظهورهم، حين يرونهم مثلًا لا يخافون من الاستمتاع بالمغامرة ولا يرهبون مواقف الإثارة أو يخشون من خوض تجربة أشياء جديدة قد يبدو بعضها خطيرًا نسبيًا. ولكنها بالنسبة لهم تعزز في نفوسهم السعادة وتنعش الروح وتوسع مداركهم وتكسبهم الجرأة والإقدام والشجاعة.