لم يعد النظر إلى أمر التمتع بالسعادة مقصورًا على خبراء التربية أو من اختصاص أهل الفلسفة والتوجيه والإرشاد في الجوانب العقائدية والاجتماعية فقط . بل أصبح علم الطب بشقيه البدني والنفسي معنيّا بهذا الأمر بشكل أوسع وبدرجة أعمق كثيرًا مما يظن الكثيرو .
هل المال هو سبب السعادة
يفني الكثير من الناس أعمارهم في رحلة البحث الدؤوب عن المال. والسبب الرئيسي وراء الحرص الشديد في امتلاك المزيد منه أنه في اعتقادهم هو العنصر الذي به تتحقق السعادة. وأنه العامل الذي سيجلب ما فيه الرضا في الحياة.
إذا سايرنا أحد هؤلاء حسب اعتقادهم، فهل حين يتوفر المال بين يديه ستكون سعادته أكبر حينما يشتري لحظات جميلة بهذا المال. أم حينما يشتري به أشياء عينية مادية ؟ وهل سعادة الإنسان تتحقق في سعيه لامتلاك أشياء يطمح إليها؟.
وعليه فإنه سيرضى ويسعد حينما تكون بحوزته، أم أن سعادته سيكون مبعثها الرضا بما يمتلكه ومتوفر لديه ؟ وعليه فإن سعادته ستتحقق حينما يملأه الشعور بالرضى والتقدير للنعمة التي هو في ظلها؟
الرضا والقناعة
ولأن النفس طبيًا تبحث دونما ملل عن ما فيه صحتها ومرضها، فقد ثبت بعد اختبار حول تأثير كل من شراء أوقات جميلة. مثل تناول العشاء في مطعم فاخر أو حضور مسرحية أو عروض الأوبرا. بالمقارنة مع شراء أشياء عينية جميلة كسيارة أو فيلا في الريف الهادئ أو حلي مرصعة بالجواهر. أن سعادة الإنسان ومن يعيشون حوله ستتحقق بشكل أكبر عند استخدام المال في شراء خيرات وذكريات حياتية جميلة.
وهذا الشعور بالسعادة سيرفع من الإحساس بالصحة والعافية. وذلك بمقارنة تأثيره على الشعور بالعافية والصحة عند استخدام المال في سبيل امتلاك أشياء عينية قيّمة. بمعنى أن الأولوية في الاحتياجات لدى الإنسان للشعور بأنه كائن حي مفعم بالنشاط والصحة هي في تمتعه بحيوية التواصل والترابط الاجتماعي.
وثمة اعتقاد بأن لا يزال الناس يعتقدون أن كثرة المال سيجعلهم سعداء بشكل أكبر، في حين تؤكد الشواهد عكس ذلك الاعتقاد. ولعل سبب استمرار وتماسك هذا الاعتقاد هو أن المال يجعل بعض الناس سعداء لبعض الوقت.
وإن كان المال سيعطي السعادة فإن ذلك يكون عند إنفاقه للحصول على لحظات وخيرات حياتية تعطي ذكريات واضحة. والناس لا يملون من تكرار تذكّر ما حصل لهم من الذكريات السعيدة بعكس مللهم من تذكّر الأشياء المادية العينية التي حصلوا عليها.
ومما يتردد أن السعادة لا تتحقق فقط بالسعي الحثيث لامتلاك أشياء جديدة يحبها الشخص. بل إن قسطًا كبيرًا من السعادة يمكن تحقيقه إذا ما أحب ورضى الإنسان بالأشياء التي يمتلكها بالفعل.
أن امتلاك مجموعة من الأشياء ليس مفتاح السعادة وأن هناك عنصران في السعادة، أولًا تقدير أهمية الرضا بتلك الأشياء التي يمتلكها الشخص بالفعل .
وثانيًا، الابقاء على الرضا والسعي في ترك أشياء أخرى جديدة . والنتيجة أن الأشخاص الراضين بما يمتلكونه بالفعل ويطمحون إلى المزيد منه أكثر سعادة من الأشخاص غير الراضين بما يمتلكون ولا يطمحون إلى المزيد من نوعية الأشياء التي يمتلكونها.





















