صبحة بغورة تكتب: من أجل تماسك البناء الزوجي

ليس الأزواج الذين يعيشون علاقة زوجية جيدة فقط محظوظين، بل هم واعون أن العلاقات الناجحة لا تحدث فجأة ولا تتشكل من فراغ، وهم مدركون أنها تستند إلى قيم فطرية ومبادئ رئيسية، وتقوم على قواعد طبيعية أساسية، ويساعد شمول فهمها وحسن استيعابها كل الأزواج على التمتع بحياة زوجية سعيدة.

التلقائية البديعة، هي من الكلمات الجميلة التي يزداد تألقها حينما ترتبط بالسلوك القويم، ويجسد معناها اللباقة على أرض الواقع بالقول السديد والتصرف الواعي بالفعل الصائب الرشيد، ويتميز الشخص التلقائي رجلًا كان أم امرأة بالثقة الكبيرة في النفس والوضوح، وهو بذلك متصالح مع ذاته ومتوافق مع نفسه، وماهر في استقراء الواقع بإتقان.

ومثل هذا الشخص تستقر الطمأنينة في فؤاده، وتغشى السكينة جوارحه، وحين يستحضرهما يلبيا نداءه بسرعة الاستجابة لتعانقه محبة الناس، وعلى النقيض من ذلك كثير ما يطفو على سطح الحياة الاجتماعية سلوك ذميم وهو التكلف المقيت، أحد أسباب تخلف المجتمعات وتشويه علاقات أفرادها وتزييف الأوضاع الاجتماعية وإفساد العلاقات الإنسانية وعلى رأسها العلاقات الزوجية.

والأصل أن بيت الزوجية، هو من أقدس البناءات على وجه الأرض، وتقتضي المحافظة عليه شروط معينة تجعل شخصين مختلفين في طبيعة النشأة والخصائص الشخصية ومستوى التفكير أن يعيشا معا في هدوء وسلام واستقرار طوال مسيرة حياتهما الزوجية. يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله "وجعلنا بينكم مودة ورحمة"، وهما كطرفي خيط يمسك كل من الزوجين بطرف ويمثل الخيط الواصل بينهما أمد العشرة الطيبة في مسيرة حياتهما الزوجية؛ حيث تثري الرحمة مشاعر المودة من جهة، وتجد المودة القائمة المتبادلة بينهما مبررها في الرحمة التي تغشاهم من الجهة الأخرى.

وبين الرحمة والمودة يكمن معنى الحب، والتعامل الطيب بالكلمات الرحيمة والأعمال الرحيمة والنظرات الرحيمة والأفكار الرحيمة، هي مفاتيح الحياة الزوجية السعيدة، والمعاشرة الطيبة تعني عدم إلقاء مسؤولية إخفاق أحدهما على الآخر أو التنفيس عن الضغط والغضب على الشريك خاصة الزوجة التي تبقى في معظم الحالات وعاء للمشاكل وللمشاعر السلبية والإحباط.

يتحمل الأشخاص الذين يعيشون علاقات ناجحة، مسؤولية تنظيم وإدارة أوقاتهم واستغلال لحظات فراغهم بطرق تسعدهم، دون تسلط أو تحكم في التصرف أو معاندة في الرأي، وكما يكون للشريكين وقتا للعمل فلديهما بالتأكيد وقتا كافيا لتبادل حلو الكلام والمجاملات الممدوحة، فكلما طابت الكلمة بين الزوجين كلما تقاربت القلوب وثبت في دخيلة نفس كل منهما الحب والإيمان.

فالكلمة عنوان النفس، والنفس بطبيعتها أسيرة الكلمة الطيبة واللفظ الحسن والقول الجميل، وأيضا سيجدان الوقت اللازم لمزيد من التعلم وحل المشاكل بالحوار الناضج، وللاستماع أطفالهما ومشاركة اهتماماتهم، ووقتا للقيام بالأعمال المنزلية الروتينية، ووقتا للاسترخاء، وفي كل الأحوال ينبغي أن تكون أولويتهما الأعظم هي التعامل بمودة وطيبة واحترام، ومن هنا تبرز فضيلة التنظيم كعامل ضبط إيقاع الحياة وعنصر توازنها ومحركها الرئيسي في البناء الزوجي.

الزوجان شريكان في المحبة والعمل والبناء، وحياتهما معا تخضع لقرار مشترك، فلا يقدم أحدهما على عمل على غير بصيرة وبشكل انفرادي محض يمكن أن ينعكس على الأسرة بالضرر أو يعرضها للخطر ويضعها في حالة اختلال مالي عويص أو عسر مالي خطير يهدد استقرارها.

ويمثل التصرف بالمال اعتبارًا هامًا لا ينبغي أن يكون مصدر إجهاد للآخر، فالشركاء المحبون يتفقون على وضع ميزانية لمعيشتهم ويتقاسمان مسؤولية الإنفاق، فالاعتبار المالي عنصر مهم للغاية لأنه ركيزة أي بناء، وليس غريبا القول أن السكينة والاستقرار والحب لا يتحقق منهم شيئا إلا بوجود مصدر مالي مضمون وميزانية صرف محكمة تجنب الأسرة الاضطرابات، وتمكنها من مواجهة الطوارئ بحزام واقي تضمن للأسرة راحة البال والطمأنينة، وتوفر لبيت الزوجية الستر ودوام الهناء، والأصل أنه كما يتطلب الغوص في الماء إجادة السباحة أولا، فكذلك أي مغامرة مالية يجب أن يسبقها حساب العواقب بالناقص لأن البداية لم تكن بالزائد لتحقيق التوازن .

يجسد الإدراك العميق لمفهوم المسؤولية الجماعية لدى الشريكين معنى الالتزام بالمحافظة على الصحة من أجل سلامة الذات ومن أجل الوجود إلى جانب الشريك سندا حقيقيا له،و هذه السلامة تمنح القدرة على الالتزام بحماية الشريك وعدم تعريضه للمشاكل أو إلى ما يشكل خطرًا على صحته وعلى سلامته الجسدية والنفسية أو يهدد احتياجه للأمان الشخصي.

الطبيعي أن الأزواج في العلاقات الناجحة لا يريدون أن يعاني شريكهم حزنا بسبب تصرف طائش أو بسبب المرض، والمقصود أن حرص كل شريك على التمتع بالعافية وبالصحة الجيدة هو بمثابة جدار واقي وحصن نفسي للطرف الآخر بأنه في حمايته.

كما سيكون الاعتبار الصحي مصدر زيادة الرغبة لدى كل طرف تجاه الآخر والاستمتاع بعلاقة حب ناجحة تمنح الدعم المعنوي الكبير لعلاقة زوجية هانئة ومستمرة تزيد الزوجة ثقة بنفسها وبجمالها، وتمنح الزوج ثقته بنفسه بشكل أكبر.

وعلى قدر الرضا بين الشريكين، تكون قوة أساس البناء الزوجي الجيد القائم على القاعدة الذهبية أن الرجل لا ينتظر من زوجته أن تبني له قصرًا، وإنما يحتاج عاطفتها ولين طباعها وطيب كلامها وطلاوة حديثها بدون تكلف أو تزلف، يريدها أن تكون دائما الصدر الحنون والقلب المفتوح الذي يحتضن آلامه ويحتوي أحزانه، يريدها قبسة الأمل والنور الذي يعيش ويكد من أجل إسعادها .

يمتد الحديث عن ضرورة المحافظة على البناء الزوجي إلى عدة قضايا أخرى متشعبة، أصبح واجب التصدي لها مسؤولية كل هيئات الدولة وقوى المجتمع وعلى رأسها العنف الأسري الذي تمثل الدوافع الذاتية أهم أسبابه، بسبب الأوضاع الاقتصادية وانعكاساتها على الحالة النفسية للفرد.

وسواء كان العنف جسديا أو لفظيا أو معنويا، فإنه يؤدي في أغلب الحالات إلى الطلاق والتفكك الأسري وجنوح الأطفال والتسرب المدرسي، لذا فالمسألة تقتضي نشر الوعي بأهمية استقرار الأسرة بالمودة والتعاون والحوار والاحترام، والضرورة تحتاج إلى حشد وسائل الإعلام وتفعيل المنظومة التربوية في المدارس والجامعات وأجهزة الأمن، وتفعيل دور المساجد والجمعيات لنشر الوعي الديني والأخلاقي لمواجهة الظاهرة ومحاصرتها.

من أشد ما ينغص الحياة الزوجية أن يعيش أحد الزوجين على زيف ووهم، وأن يقضي أيامه ويبيت لياليه وهو في حالة عدم يقين من صدق الشريك بسبب سلوكه الذميم والتكلف المبالغ فيه، الذي يعطي تصورًا للواقع بالنقل غير الدقيق حتى إذا ما انكشف الغطاء واتضحت الحقائق يكون الخرق قد اتسع على الراقع ونشأ الفتور وبرزت الحواجز النفسية لأن التكلف يولد الارتجال في المواقف ويبسط ملامحه المشوهة على القرارات فتكون النتيجة الحتمية هي الفشل.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: المرأة بين الأنوثة الطاغية وقوة الشخصية