صبحة بغورة تكتب: دور الأب في التربية

تأرجح دور الأب في أسرته بين عدة مفاهيم كونه أولا رب البيت وعماده، والمتكفل بضمان الملاذ الآمن للزوجة والأبناء وتلبية احتياجاتهم وقوت يومهم.

كما أنه من خلال نظرة ثانية لطبيعة المهمة المفترضة فيه كمسؤول أول عن الأسرة، فإنه يمثل السلطة المنوطة بدور استحضار المقومات الأساسية لتحديد وتشكيل شخصية الطفل المستقبلية، وإكسابه الاتزان النفسي وتنمية روحه المعنوية وتمكينه من مهارات السيطرة على تماسكه الانفعالي وثباته العصبي.

فيما يخلط آخرون بين دور الأبوة الشامل لكل معاني القيادة والمثل العليا والإرشاد والرأفة والحنو، وبين الأبوة المتسلطة القائمة على تطبيق الجزاء وتسليط العقاب.

أما الجوانب الأخرى لعملية التربية الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بالعلاقات الخاصة، بالإضافة إلى التوعية بحقائق الكون وأسرار الكائنات فهي إما تضاف للأعباء الملقاة على عاتق الأم من عناية ورعاية، وإما أن تكون متروكة للمدرسة أو للمصادفة أو للرفاق.

إن أهمية دور السلطة الأبوية في تحديد شخصية الطفل، تجعلنا نجزم بأن معظم الاضطرابات التي تصيب الأطفال تعود إلى اضطرابات السلطة الأبوية، ولهذه الاضطرابات جذورها في اضطرابات شخصية الأب وبنيتها الفردية، ومن الصعب تحديدها لأنها مرتبطة أيضا وبطريقة مباشرة بشخصية الأم وبموقفها من الطفل والأب.

ومن أشكال اضطراب السلطة الأبوية، اللامبالاة التي تعكس شعورًا بالعجز عن تحمل المسؤولية العائلية وتربية الأطفال، ويدرك الأطفال هذا الشعور السلبي بسهولة فيلجؤون إلى لتجميد سلطة الأب والتركيز على الأم في طلباتهم وكل ما يحتاجونه.

هذا التغييب اللاإرادي للأب ودوره من قبل الأطفال، يوازيه زيادة تسلط الأم، مما يشجع الأطفال على تخطي سلطة الأب، وهذا الوضع يؤثر بخاصة على الذكور الذين يتباهون بالأب ثم يكتشفون أنه لا يشجعهم على ذلك، ولا يحاول الاتصال بهم، فيضطر هؤلاء الأولاد للبحث مبكرًا عن بديل للأب وقد يكون العم أو الخال أو أحد الجيران.

أيضًا، الأب السيئ وهو ليس بالظاهرة النادرة، ومنهم الأب الاتكالي الذي تعود أن الأم هي المسؤولة عن الأبناء منذ الولادة فنشأ لديه انطباع بصعوبة مشاركة الأم في هذه المسؤولية، والأب القاسي، من لديه ميول عدائية وعدوانية تجاه المجتمع قد تصل في بعض الحالات حد الإجرام وبديهي أن يؤثر سلبا على أطفاله وعلى مفاهيمهم ومثلهم العليا، وعلاجه يصبح يمثل ضرورة ملحة لإنقاذ الأسرة والأطفال.

ومن أشكال اضطراب السلطة الأبوية، الأب العظامي؛ إذ يعطي المجتمع للرجل وضعية عظامية فإنه ينصره دائمًا على المرأة، ومن خصائصها الغيرة المفرطة، والشك المبالغ فيه، والتعدي غير المقبول للحدود الذي يؤثر على نفسية الأبناء.

هناك أيضا الأب الغائب، فالضرر الأساسي لغياب الأب ينبع من غياب السلطة التي يمثلها ومن تردد الأطفال وعجزهم عن إقامة اتصال فاعل معه، وقد يتردد الطفل في هذه الأحوال في اتخاذ موقف من الأب، وتتراوح مواقفه بين اعتباره سيأتي يوما ليحقق كل الأمنيات، إنه لا يبالي ولا يمكن الاعتماد عليه، أو إنه سيئًا لا يهتم إلا بنفسه و أهوائه، وتلعب الأم الدور الأكبر في توجيه دفة أحكام الأطفال على أبيهم.

الأب المتوفى، فمشكلة اليتم إحدى أشد المشاكل وطأة في نفسية الطفل وحياته كلها، وهذه المعاناة يظل أثرها في شخصية الطفل مستقبلا ويمكن أن تمتد لتؤثر على أولاده أيضًا، ذلك أنه في حالة اليتم يكون الطفل محروما من مثله الأعلى الطبيعي ويكون من الصعب عليه إيجاد البديل لمثله الأعلى المفقود.

الأب المشاكس، غالبًا لا يشجع على المبادرة، وإنما يثبط العزائم والهمم بتسويف الأمور بشكل مسيء جدًا لنفسية أولاده وآراؤه غير جادة، لذلك فهي في الغالب غير مفيدة ولا نافعة، والمفارقة أن وجود الأم المشاكسة موجود أيضًا إلا أنها بسبب قربها من الأطفال أكثر تنجح عادة في إلصاق صفة المشاكسة بالأب متخذة لنفسها وضعية أخرى.

الأبوة مثل الأمومة، أوسع من كونها واجبًا محددًا يقوم به الوالدان ثم يلوذ بأحاسيس الرضا عن الذات، لأنهما قاما بما عليهما من واجب، إنها عملية انخراط كامل عن قرب وعن بعد بكل ما يتعلق بحياة الأطفال وعلاقاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم والأخلاقيات التي يكتسبونها.

وليس دور الأب مقتصرًا على التمويل وضخ النقود من أجل الرفاهية المادية لأفراد أسرته، لقد عم التداخل بين المادي والمعنوي حتى باتت الأسرة مجردة من الدفء العائلي الذي كان يميزها عن مختلف البيئات الأخرى.

والملاحظ أن بسبب هذا التداخل، انتشر العنف المنزلي وشاعت حالات الإساءة إلى الأطفال في البيوت من طرف الأب أو الأم، وقد أصبحت أكبر معضلة تواجه القيم العائلية هي تغلغل حب المال في النفوس إلى درجة أنه يسيطر على سلوك الأفراد ومشاعرهم، ويحتل مقام الأولوية في اهتماماتهم وعواطفهم.

تقع الكثير من الأمهات في خطأ إقصاء الأب من التقرب من طفله الوليد، بل ولا تتردد في إظهار خشيتها عليه إذا أراد حمله، وهذا ما يفسر ظاهرة تأخر بلورة مشاعر الأبوة، في حين يفسرها آخرون بأن الآباء بحاجة إلى وقت أطول لكي يشعروا بأحاسيس الأبوة ويشعروا بالربط الأبوي مع أولادهم الجدد خاصة إذا كانوا يخوضون تجربة الإنجاب الأولى في حياتهم.

الكثير من الأولياء، يقرون بوجود اختلاف واضح بين الأب والأم في طريقة تعزيز ارتباطهما مع طفلهما، ويرجع ذلك إلى هرمونات الرجل والموروث الثقافي والاجتماعي الذي يعطي للمرأة أولوية في تربية الأبناء، ويعترف بعضهم بارتفاع أعداد الرجال الذين يهتمون بأطفالهم ويمضون معهم فترات طويلة من المرح واللعب والتسلية أكثر مما كان يفعله الآباء، ومع ذلك فإن الأغلبية تشعر بأنها تؤدي دورًا ثانويًا في عملية تربية الأطفال.

هناك مقومات عديدة تمكن الأب من النجاح في تربية الأبناء، ولعل من أهمها أن يحرص كل أب على أن يكون قدوة لأبنائه في القول والفعل، في الحديث والسلوك، والانتباه إلى عدم ظهوره أمامهم مهزوزًا دون قيمة او احترام، فلا يكذب أو يتفوه بألفاظ نابية أو يهين زوجته ويقدم على ما يشوه صورته في عقل أبنائه.

وسيكون من المفيد أيضًا، أن يشاركهم ولو في ممارسة مهارة واحدة على الأقل كالصيد مثلا أو السباحة وحب عمل الخير، والأب الناجح هو الصديق لأبنائه، الذي يحترم شخصيتهم وينمي قدراتهم ومواهبهم، ليكون مثالا لهم يحتذون به في كبره ويلقاهم في شيخوخته.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الخلافات الزوجية.. توابل الحياة أم عوامل هدم؟