صبحة بغورة تكتب: السعادة الزوجية وتحدي التوقعات

ما تزال مسألة السعادة الزوجية موضوعًا ذا شجون يحظى باهتمام بالغ من قبل الهيئات والجمعيات والمفكرين والأقلام الصحفية المعنية بقضايا الأسرة والطفولة والمرأة.

ولاشك أن الاهتمام بهذا الموضوع لا ينطلق من فراغ بل أن ثمة ما يستدعيه ويؤكد على حيوية حضوره في دائرة تفكير كل الحريصين على مستقبل المجتمع وتماسكه وسعادته التي تبدأ من سعادة أفراده.

كثيرون من يعتقدون أن السعادة الزوجية وهم كبير، ويستندون في ذلك إلى أن العاطفة الزوجية المتبادلة بعد ليلة الزفاف لا تصمد طويلا في البقاء أمام مشاعر العناد ومظاهر الاستعلاء المعلنة جهرًا وسرًا بين الزوجين تحت غطاء الكبرياء ومظلة الكرامة التي تمنع على أحد الزوجين الاعتراف بخطئه والتراجع عنه، ثم تحول دون ترسيخ ثقافة العفو والتسامح بينهما؛ فتتسلل ثقافة التنافس على فن نسج الشكوك ودقة تصويب الاتهامات بدلًا من تصويب الأخطاء.

ومن هنا يصبح الرأب المؤقت للمشاكل المتزايدة هو الشاغل الأكبر الذي يستهلك الجهد والطاقة والصبر؛ لذلك تصعب كثيرًا مهمة حصول الدعم المعنوي المتبادل الذي يقوم به كل من الزوجين تجاه الآخر ليس في إطار تلطيف أجواء الحياة الزوجية ذاتها فقط ولكن في الحياة العملية أيضًا خارج المنزل لمن يحلمون بالتقدم الوظيفي.

السعادة الزوجية

وتفسير ذلك أنه بدلًا من تحسب الخطوات وتبصر التحديات للمضي معًا بسلام في طريق الحياة، يجري استهلاك كل استعداد نفسي وعاطفي في تلمس كيفية بداية تواصل دروب السعادة بين الزوجين وضمان ديمومتها، فالأشخاص الذين يعملون في وظائف مليئة بالتوتر يصابون بأمراض ضغط الدم إذا كانت علاقاتهم مع شركاء حياتهم سيئة، وعلى العكس فإن الأشخاص الذين يواجهون توترًا في وظائفهم وعلاقاتهم الزوجية طيبة لا يتأثر ضغط دمهم.

ومن خلال ما سبق، يلاحظ التأثير الصحي لمستوى التلاحم الزوجي، وقد تسبب المشاكل الحياتية الزوجية ضغوطا على أعصاب الزوجين مما يزيد حدة الخلافات بينهما حتى يشعران بأن حياة العزوبية كانت أفضل لهما وهو ولا شك اعتقاد غير صحيح ومفهوم خاطئ إذا كان الزواج مستقرًا، فالحياة الزوجية الهادئة والمستقرة تجعل الزوجين أشد تركيزًا في التعامل مع المصاعب بصورة أفضل وأكبر قدرة على إنجاز المهام الشاقة وأكثر صبرًا في مواجهة المشاكل المعقدة.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: العنوسة.. إلى أين؟

ومن فوائد الزواج الخفية، أن الزوج قادر على تنمية زوجته من خلال اهتمامه بها فذلك يؤدي إلى شحن الخلايا الدماغية وتحفيزها على العمل بصورة أفضل من أدمغة العازبات، كما يمكن للزوجة تنشيط الخلايا الدماغية لزوجها من خلال اهتمامها العاطفي به بشكل يشعره أن مهمته في الحياة لا تقتصر على العمل والعطاء من دون مقابل بل أنه يوجد من يهتم به ويحبه وهو ما يحفز خلاياه الدماغية لتحمل أعباء وإنجاز مهام كانت صعبة التحقيق.

وفي الحقيقة، تكشف العشرة الزوجية على مر الأيام نقاط القوة ومكامن الضعف في جوانب شخصية كل طرف؛ لذلك تعلم كيفية توجيه وتصويب تلك العيوب وحتى التدرب على كيفية لفت نظر الشريك إلى ما يسبب الإزعاج في تصرفاتهم دون جرح مشاعره أو إحراجه من الأمور المهمة التي يجب الاهتمام بها من قبل المراكز التي تقدم الاستشارات الزوجية ليس في الأمور المعتادة فقط ولكن في كل شيء ومنها العلاقة الحميمية بين الأزواج، خاصة إذا كان الزوج يعاني من بعض المشاكل الخاصة به والمتعلقة بنجاح تلك العلاقة، لذلك فالحوار الهادئ الذي يحمل في طياته كلمات توصل المعنى المطلوب في طابع يغلفه الود والاحترام من الأمور الضرورية فيما يتعلق بتصويب الأخطاء بين الزوجين.

استقرار الحياة

إن مقدار سعادة الزوجين بحياتهما الزوجية وحجم اقتناعهما ورضاهما عن بعضهما يرتبط ارتباطا وثيقا بتمسكهما بدوام واستقرار حياتهما وهذا يدفعهم إلى اتباع أسلوب في توجيه سلوك الآخر ودعم ثقته بنفسه، وقد يكون من المفيد التمعن في بعض التفاصيل البسيطة بشكل إيجابي يبدو من خلاله كل طرف متفاعلًا ومهتمًا أو معجبًا بما أقدم عليه الطرف الآخر وأن يُبدي قدرًا كبيرًا من التسامح وتفهم دوافع الشريك ومبرراته، فالتسامح هو أفضل طريقة للتخلص من الشعور بالتعاسة.

ومن الممكن للحياة أن تسير بلا عواصف إذا أصغى كل طرف للآخر بالقدر المطلوب من الاهتمام والتفهم وحسن الاستماع، فهي من الشروط الأساسية للتواصل الجيد ودليل التقدير واحترام الرأي.

ومن الموضوعية في التعامل، أن يتحمل كل طرف مسؤوليته كاملة عن تصرفاته ولا يحاول إلقاء اللوم أو التبعية على الشريك واتباع أسلوب المجادلة والعناد للتملص من أخطائه هذا من جهة، ومن جهة أخرى يحسن كثيرًا تعمد التغاضي عن الصغائر والهفوات وعدم التوقف عند كل شاردة وواردة تصدر عن الشريك أو التعليق الساخرعلى كل سلوك يقوم به لأن النتيجة ستكون عكسية.

ليس أشق على الزوجة من أن تعيش مع زوج بلا مشاعر، وبلا قلب، جاف الطباع، هذا ما تردده آلاف النساء لمحاميهن وتقوله ملايين أخريات في قرارة أنفسهن، والمفارقة أن ما من زوجة أنكرت أن زوجها يقوم بواجبه تجاه بيته ويتعب طيلة النهار ليؤمن لقمة العيش لكنه يقوم بكل ذلك كصخرة صماء، نادرًا ما يضحك.

وتقول من أكدت أنها كرهت زوجها وتتمنى أن يطلقها، أنها لم تسمع منه كلمات حب تنعش فؤادها، وإذا قالها تكون بطريقة تفقدها معناها وهدفها، وإذا جلسنا معا نجلس كالضيوف أو رجال أعمال يتحدثون بجدية، لا أشاهد الابتسامة على وجهه ولا نظرات الحب الرقيقة، تمنيت ككل زوجة أن أسمع كلامًا رقيقًا، أو أن يتذكرني في العمل فيرسل لي قبلة هوائية عبر الهاتف، لم أشعر بأنوثتي أبدًا معه.

لماذا ينظر الرجل إلى مداعبة زوجته ومحادثتها بحنان كنوع من التقليل من رجولتهم؟ هذه اعترافات زوجة تلخص بكل بساطة أسباب الموت السريري للعاطفة الزوجية والتي إذا انتفت تأججت هذه العواطف لتشكل حجم السعادة المرغوبة.

وبرغم أن سنة الزواج الأولى يفترض أن تكون من أجمل سنوات عمر الزوجين، فإنها قد تحمل أحيانا بذور العواصف التي تطيح بهذا الزواج في سنته الأولى.

المشاكل الزوجية

إذا تحدثنا عن مشكلات السنة الأولى من الزواج، فالأمر عادي، وإذا وصفناها بالكوارث فلأنها تهدد العش الجديد الهادئ والسعيد، وعلى الرغم من أن الزوجين قد يكونان في "حالة حب" أو أنهما تزوجا "زواجا تقليديا " فإن الأمر في النهاية يتعلق بأقوى رابطة تجمع بين غريبين داخل أقدم مؤسسة اجتماعية عرفها التاريخ، فمع كل الرحمة والمودة والحاجة العاطفية والحاجة إلى بناء أسرة مستقلة فإن المشكلة تكمن في أن كلا من الزوجين مهما كان حجم الرابطة التي بينهما يأتي من بيئة مختلفة ومن ثقافة اجتماعية مختلفة وحتما أنهما مختلفان في الطباع والذكاء والاهتمامات ودرجة الانتماء إلى الأهل أو إلى الطبقة.

وبالتالي فلكل منهما عاداته وسلوكياته وقدراته، وعليه وجب فهم المغزى من ضرورة فهم الأشخاص في إطار بيئتهم الاجتماعية بمعنى أن الزوج يأتي من بيئة وثقافة لها أصولها، وكذلك الزوجة التي تنحدر من طبقة معينة لها اتجاهاتها وفلسفتها الحياتية ومنه تبرز لنا قيمة الانفعال المتبادل بين الزوجين بتوضيح الحاجات المكملة لكل منهما بفصاحة وبلاغة دون خوف أو حرج.

يصف الاختصاصيون الزواج بأنه عملية كاملة تحوي في إطارها النضج والنمو المستمر، والتكيف، والتأقلم وكذلك التغيير، وأن كلا من الزوجين يأتي إلى عش الزوجية بحزمة من التوقعات أحيانا ما تكون غير واقعية، بمعنى أن كل طرف يتوقع من الآخر الكثير الذي لا يمكن توفيره وبعض التوقعات تكاد تتحدد في الدعم المعنوي، الرفقة والشراكة، الدعم المادي أو المساعدة والمساهمة الواضحة.

ولتحقيق كل هذه التوقعات أو بعضها، يكون الأمر في أغلب الأحوال مرهقًا، وخلافات السنة الأولى وما يليها من سنوات بشكل عام تتمركز حول ذلك الاختلاف بين المتوقع وما هو متاح، أي بين الممكن المادي والمستحيل المعنوي، وهذا الفارق هو الذي يؤدي إلى الانزعاج والإحباط والضيق، وعندما لا تتحقق توقعات الزوجين ربما أصيبا بالتعاسة والاكتئاب، وغالبًا ما تكون التوقعات لا واقعية، ومع ذلك تسبب الكثير من المشاكل والصراعات القوية التي تهدد العلاقة الزوجية، ومن ناحية اخرى؛ فقد يهمل أحدهما أو كلا منهما الآخر ويتغافل كل طرف عن التصريح بمكنونات نفسه فلا يبوح بما يكتم، فتزيد مساحة الغموض بين الزوجين، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل بينهما.

في العلاقة الزوجية هناك أفكار لابد أن يتبناها الطرفان يسعيان فيها إلى تجنب جرح الطرف الآخر أو اهماله أو التسبب في ضيقة أو في حدوث سوء فهم أو تفاهم، وهنا يجب أن يراعي كل طرف في السنة الأولى من الزواج محاولة التعبير قدر الإمكان للطرف الآخر عن توقعاته عن طريق المشاركة بينهما.

فعلى سبيل المثال، يمكن كتابة ثلاثة توقعات من جانب الزوج كان ينتظرها من الشريك أو من الزواج ولتكن قد تحققت بالفعل ومناقشتها معا، عدم التركيز على الكمال لكن على المتاح أو على أقصى ما يمكن الإتيان به، وتجنب التوقعات الزائدة عن الحد من الشريك أي التوقعات الخيالية، والتوافق على أن بعض التوقعات في الأمور الزوجية شيء مهم للغاية وصحي لزواج صحيح، والقبول ببعض الخلاف والاختلاف في الرأي على أساس أن العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة، الزوج والزوجة تسمح بالاختلاف وتسمح بالتنوع والتلاقي والتوحد، البوح بذات الصدور والتنفيس عن الانفعالات والترويح عن النفس، والبحث عن الإيجابيات، والتواصل الحر عن طريق الحوار البناء الذي يبعث الدفء في أوصال الحب ويضفي مزيدًا من البهجة والرونق.

زواج صحي

العلاقة الصحية تستمر بطبيعتها في نضجها وتغيراتها، وصيانة زواج صحي وقوي يوجب على الطرفين أن يستمروا في عملية المصارحة والمكاشفة والمواجهة دون تجريح، وأن يخلقا جوًا من الثقة المتبادلة والشعور بالأنس الجميل بالآخر، والبوح عن المشاعر الصادقة بالكلام الطيب فهو يعد بحق مفتاح الزوج إلى قلب زوجته.

الزوجة لها طبيعة نفسية عجيبة ورائعة، فهي تتأثر بكلام زوجها العذب، إنها طبيعة مفعمة بالرقة والأنوثة تجعل المرأة تتأثر باللفظ الجميل والأسلوب الجذاب، فاللفظ الرقيق الجميل من الزوج لزوجته عبارة عن دفقة حب ونبض إخلاص وقطرة حنان لو أتقن الزوج كلامه مع زوجته لاكتسب قلبها دائمًا وأبدًا.

اقرأ أيضًا.. صبحة بغورة تكتب: العنوسة.. إلى أين؟