دكتورة رانيا يحيى تكتب: الماجنا كارتا.. الميثاق الأعظم للحريات

يوافق تاريخ 10 ديسمبر من كل عام الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ للعمل على توعية المجتمعات والحكومات والأنظمة بكيفية الحفاظ على مقدرات الكائن البشري، ومن ثم كرامته الإنسانية.

وتدور حقوق الإنسان حول المبادئ الأخلاقية والمعايير الاجتماعية التي تصف نموذجًا للسلوك البشري، الذي يفُهم عمومًا بأنه حقوق أساسية لا يجوز المساس بها، فهي حقوق مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونه إنسانًا، بغض النظر عن الانتماءات أو الأيديولوجيات وبعيدًا عن تصنيفات الهوية أو اللغة أو العقيدة أو الجنس؛ أو أي اعتبارات أخرى.

ومع إقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان والسلامة ويصبح قادرًا على اتخاذ القرارات التي تنظم كل شئون حياته. فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم، أما ازدراء أو إغفال حقوق الإنسان فهو أمر أفضي إلى كوارث ضد الإنسانية، وأعمالُا همجية آذت وخلّفت جروحًا وشروخًا عميقة في الضمير الإنساني؛ لهذا فمن الضروري والواجب أن يتولى القانون والتشريعات الدولية والوطنية حماية حقوق الإنسان؛ حتى لا يضطر المرء إلى التمرد على الاستبداد والظلم؛ ما يجعل العالم والإنسانية يشهدان مزيدًا من الكوارث ضد حقوق الإنسان والضمير الإنساني.

ووضعت الأمم المتحدة تعريفًا لحقوق الإنسان بأنها الضمانات القانونية العالمية لحماية الأفراد والجماعات من إجراءات الحكومات التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، ويلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات ببعض الأشياء ويمنعها من أشياء أخرى؛ أي أن رؤية المنظمة الدولية لحقوق الإنسان تقوم على أساس أنها حقوق أصيلة في طبيعة الإنسان والتي بدونها لا يستطيع العيش كإنسان، كما تكفل حقوق السلامة الشخصية، كأمن الإنسان وحريته فلكل امرئ حق في الحياة والحرية، كما لا يجوز استرقاق أحد أو قهره وتعذيبه أو اعتقاله تعسفيًا.

الماجنا كارتا

أما الحريات المدنية فإنها تقر حرية التعبير عن المعتقدات بالأقوال والممارسة؛ حيث تكفل لكل شخص حريته في الرأي والتعبير والاعتقاد، بجانب الحرية في حق الاقتراع بالانتخابات، وتقلد الوظائف العامة، وعلى المستوى الاجتماعي: الحق في الزواج وتأسيس أسرة من منطلق الرقي الاجتماعي، والرفاهة على صعيد المأكل والمسكن والملبس والعناية الطبية والتعليم.

وفي هذا الإطار المفاهيمي لحقوق الإنسان أرى تعريف الأكاديمي الراحل "محمد عبد الملك متوكل" موجزًا لكنه شامل وافٍ، باعتبار حقوق الإنسان هي مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم.

وتعتبر أول وثيقة في التاريخ أُطلقت من منطلق حقوقي هي "الماجنا كارتا" المعروفة بـ "الميثاق العظيم للحريات"، وصدرت الوثيقة في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، وتحديدًا عام 1215؛ لتضمن الحقوق الأساسية في إنجلترا كوثيقة ملكية بريطانية، وكانت بمثابة عهد بين الملك والنبلاء، وأسست مبادئ دستور حكم الملك ومحدودية نفوذه وسلطته.

اقرأ أيضًا: د. رانيا يحيى تكتب: فؤاد الظاهري وإبداعاته للسينما

وهى واحدة من أهم الوثائق القانونية في تاريخ الحرية السياسية والليبرالية، يلتزم خلالها الملك بالقانون الإقطاعي والمحافظة على مصالح النبلاء، وبمقتضى هذه الوثيقة مُنحت الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا الكثير من الحقوق، بينما لم ينل المواطن العادي من الحقوق غير القليل، وأُجبر الملك على الخضوع للقانون وتم كبح جماح السلطة المطلقة له، واحترام ما جاء بهذا العهد؛ حيث تم تقييد حريته في التعامل مع البارونات، والأساقفة، ورؤساء الأديرة، وانتفعت بهذه الوثيقة معظم البلاد الغربية خلال القرون اللاحقة؛ لأن كثيرًا من الأقطار الديمقراطيّة اتبعت نهج القانون الإنجليزي في إنشاء حكوماتها.

بعد ذلك بدأ التفكير في وضع أسس لحقوق الإنسان خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث اعتمد الحلفاء الحريات الأربع: حرية التعبير، حرية التجمع، التحرر من الخوف، والتحرر من الحاجة، كأهداف الحرب الرئيسية.

[caption id="attachment_59790" align="alignnone" width="1184"]المرأة تتصدى للعنف د. رانيا يحيى[/caption]

وجاء ميثاق هيئة الأمم المتحدة لتأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وقدرة الشخص البشري، وتلتزم به جميع الدول الأعضاء لتشجيع الاحترام العالمي ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز، وصدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر عام 1948 في باريس بمواده الثلاثين معبرًا عن رأي الأمم المتحدة في حقوق الإنسان المحمية.

ونادت الجمعية العامة بهذا الإعلان باعتباره المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كل الشعوب والأمم؛ حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع -واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم- إلى ترسيخ قيمة احترام هذه الحقوق والحريات؛ عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.

ومع صدور هذا الإعلان أصبح لهذا التاريخ شأن في حياتنا الإنسانية؛ إذ نحتفي باليوم العالمي لحقوق الإنسان لتذكير الأفراد والحكومات بأهمية الالتزام بهذه المبادئ العامة والحفاظ على الحريات وكرامة البشر.

وتظل محاولة تحقيق أهداف حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة والخاصة للأفراد الشغل الشاغل لكثير من المؤسسات المعنية بهذا الملف والمجتمع المدني الحقوقي، وعلى رأس قائمة أولويات الدول الديمقراطية الباحثة عن الاستقرار العالمي والسلم الاجتماعي، وبهذه المناسبة ننشد السلامة والعدل والحرية للجميع.. وسلامٌ على من يخوضون معارك الحياة من أجل هذه الأهداف النبيلة.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: عداوة الحموات والزوجات.. حقيقة أم افتراء؟