"ختان الإناث" في الوطن العربي .. مجرم قانونيًا ومباح شعبيًا

200 مليون فتاة تعرضن للظاهرة حول العالم..

"الخفض".. عادات قديمة تؤثر على صحة الفتيات

المجتمعات العربية بدأت تجريمه.. والعديد من دور الإفتاء تحرمه

الجهل والعادات والتقاليد سبب انتشار الظاهرة في الأرياف

"الخفض" أو ختان الإناث، مصطلحات تعبر عن العادات والطقوس التي اعتادت عليها بعض الدول العربية وخاصة النامية منها، وتتمثل تلك العملية في إزالة أجزاء من الأعضاء التناسلية الأنثوية، ولا زالت جزء كبير من هذه الدول تتبع تلك العادة؛ لاعتقادهم بفوائدها الصحية ووقاية الفتيات من الأمراض، فضلًا عن الاختلافات الفقهية في وجوب ختان الفتيات.

وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة للحد من هذة الظاهرة داخل بعض المجتمعات العربية، إلا أنه لا تزال بعض المجتمعات النامية ترى بضرورة القيام به، لما تعتمد عليه من النظر إلى منظومة العادات والتقاليد لتبرير هذا الختان، كما يزيد التفسير الديني من حمولتها.

وتتناول مجلة "الجوهرة" في تحقيق موسع، أراء الخبراء والأطباء في التأثيرات السلبية لختان الإناث التي لا زالت تُجرى في بعض المجتمعات والأرياف، على صحة الفتاة الجسدية والنفسية، ومساهمته في تدمير جزء من شخصيتها.

في البداية تقول الحقوقية رباب عبده؛ نائب رئيس أحد الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان، إن عمليات ختان الإناث التي تجري في بعض المناطق الريفية النائية، تُعد مخالفة لقوانين رعاية الطفل وحمايته من أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة وكافة الممارسات الضارة بصحته، والتي تنص عليها أغلب الدساتير في دول العالم.

وأضافت "رباب" أن كثير من منظمات الصحة حول العالم أكدت على أن هذة العملية تعد من الممارسات الضارة بصحة المرأة، مؤكدة أن كل هذة الموروثات الثقافية الخاطئة تعد خطر حقيقي يصيب أي دولة تعمل به.

ونادت الحقوقية، بضرورة إيجاد حلول جذرية ونهائية للقضايا التي تواجه الوفاء بحقوق الطفل والأسرة، خاصة عن طريق المساهمة في إنفاذ القانون ووضع الالتزامات الدولية نصب الأعين أثناء مناقشة وتمرير التشريعات داخل الدول، بما يساعد في حماية حقوق الطفل.

وفي تقرير لمنظمة اليونيسف، قدرت أعداد الإناث المختونات بحوالي 70 مليون فتاة وامرأة تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا تعرضن للختان في 28 بلدًا أفريقيًا، ضمن 200 مليون فتاة تعرضوا لهذه العملية حول العالم.

وقال تقرير اليونيسف، إن الصومال تصدرت أعلى الدول الأفريقية بنسبة 98 %، فيما جاءت إندونيسيا في المركز الثاني بنسبة 97.5 %، وغينيا في المركز الثالث بنسبة 97%، فيما وصلت جيبوتي إلى 93 %، وسيراليون وصلت نسبة الختان فيها إلى 90 %، واحتلت مالي المركز السادس بنسبة 89 %، والسودان في المركز السابع بنسبة 87%، ومصر في المركز الثامن بنسبة 87 %، وإريتريا في المركز التاسع بنسبة 83 %، وبوركينا فاسو في المركز العاشر بنسبة 76 %.

وأوضح التقرير، أن ختان الإناث يشكل انتهاكًا أساسيًا لحقوق الفتيات، ويمثل عادة اجتماعية راسخة، وهو أحد مظاهر التمييز بين الجنسين، حيث تقوم الأسر بهذه الممارسات دون وجود نية أساسية للعنف، ولكنه عمل بحكم الواقع عنيف في طبيعته.

وأكدت منظمة اليونيسف، أنها مستمرة في مساعدة الحكومات في تعزيز التشريعات التي تُجرّم هذه الممارسة والسياسات التي تمكن المجتمعات المحلية من اتخاذ خيار منسق وجماعي للتخلي عن ختان الإناث.

تجريم الختان

واتجهت العديد من الدول خلال الفترة الأخيرة لتجريم ختان الإناث في المجتمع، ومنها على سبيل المثال" مصر وموريتانيا"، حيث غلظت مصر مؤخرًا العقوبة من يقوم بختان الإناث، لتضع عقوبات عليه بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات، وذلك بدلًا من العقوبات القديمة والتي تراوحت من ثلاثة شهور إلى سنتين.

وقالت مي التلاوي؛ رئيس مؤسسة القيادات المصرية من أجل التنمية، إنه يجب تشديد الرقابة على عمليات ختان الإناث وخاصة التي تتم في الخفاء داخل أرياف مصر، بعيدة عن القانون، والتي وصلت في آخر إحصائيات إلى 95 % من عدد الفتيات المختونات في مصر.

وأضافت التلاوي أن تجريم ختان الإناث ضرورة يجب أن تقوم كل الدول بتفعيلها، وخاصة أنه شيء يخالف حقوق الإنسان وحرمته داء الإفتاء.

وقال بيان صادر من مؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان"، إنه يجب على المجلس القومي للطفولة والأمومة ضع الأسس التي يضمن بها تعزيز وحماية حقوق الطفل، ومتابعة تنفيذ مجموعة من الخطط الوطنية التي تهدف لإيجاد حلول جذرية ودائمة للقضايا التي تواجه الوفاء بحقوق الطفل والأسرة، خاصة عن طريق المساهمة في إنفاذ القانون ووضع الالتزامات الدولية لمصر نصب الأعين أثناء مناقشة وتمرير التشريعات.

ولم يقتصر الأمر على مصر، بل اتخذت موريتانيا نفس النهج بتجريمها عمليات ختان الإناث بعقوبات تصل إلى ثلاث سنوات سجن، فضلًا عن الغرامة، وذلك بعد أن وصلت إلى حوالي 80 % سابقًا، وساهم التشريع الجديد في خفضها لحوالي 60 %.

وتقول خديجة الشيخ؛ المكلفة بالبرمجة في مندوبية صندوق الأمم المتحدة للسكان في نواكشوط، إن الدولة بدأت تمارس دور مجتمعيًا كبيرًا خلال الفترة الماضية في التوعية ضد الختان ، ويساهم في هذه التوعية منظمات المجتمع المدني والزعماء الدينيون، بالإضافة إلى المنظمات الدولية.

وتضيف الشيخ أن الأمر لم ينتهي وما زال توجد خطوات طويلة سيتم إتخاذها في هذا الأمر، حتي يتم الوصول إلى القضاء على هذه العادة السيئة داخل الدولة.

ولايزال المجتمع اليمني يناضل لمجابهة الختان، على الرغم من صدور قرار حكومي منذ عدة سنوات بمنع كافة المستشفيات الحكومية والمستوصفات العامة والخاصة من إجراء عمليات ختان الإناث، وذلك لكونها أحد أشكال العنف التي تمارس ضد المرأة في البلاد، وتعد انتهاك واضح لحقوقها الصحية والانسانية، بالنظر للآثار الجسدية والنفسية المترتبة عليها على المديين القريب والبعيد.

وفي السودان، بدأت الدولة في دراسة قانون لتجريم ختان الإناث، وذلك بعد أن وصلت إلى المركز السابع عالميًا ضمن الدول الإفريقية التي تمارس هذه العمليات. وكشفت هيئة علماء السودان، مؤخرًا، عن اقتراب إجازة قانون من المجلس الوطني يجرم ختان الإناث، وخاصة بعد أن ثبت طبيًا المخاطر الكبيرة التي يسببها الختان، وما يترتب عليه من إصابة المرأة بالعقم.

وفي تصريحات لـ "عطيات مصطفي"؛ مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، أكدت أن عادة ختان الإناث مازالت تُمارس بشكل واسع في عدة مناطق في العاصمة السودانية الخرطوم، بالإضافة إلى أن هناك العديد من المجتمعات في العاصمة تُمارس هذه العادة باعتبارها جزءاً من الموروث الديني والثقافي والاجتماعي، ولكنها حاليًا بدأت الانحسار، حيث كانت النسبة في الخرطوم أكثر من ٨٠ ٪ والآن انخفضت إلى نحو ٦٠٪ ، وهو أمر جيد ومؤشر على زيادة الوعي وسط المجتمعات بأضرار الختان.

الرأي الديني

اختلفت الآراء الدينية في ختان الإناث، ومدى مشروعيته، وأجمع البعض عن وروده في السنة، فيما اختلف البعض الآخر في جواز ختان الإناث، ولكن بعض الجهات الدينية في الدول العربية اتخذت مواقف قاطعة تجاه هذه القضية.

وأصدرت دار الإفتاء المصرية، فتوى تؤكد أن قضية ختان الإناث ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، ولكنها قضية ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية، خاصة وأن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضار كثيرة جسدية ونفسية؛ ما يستوجب معه القول بحرمته والإتفاق على ذلك، دون تفرق للكلمة واختلافٍ لا مبرر له.

وأوضحت الدار، أن عادة الختان عرفتها بعض القبائل العربية نظرًا لظروف معينة قد تغيرت الآن، وقد تبين أضرارها الطبية والنفسية بإجماع الأطباء والعلماء، مشيرة إلى أن الدليل على أن الختان ليس أمرًا مفروضًا على المرأة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختن بناته رضي الله عنهن.

وأشارت "الإفتاء" إلى أنها تفاعلت مبكرًا مع البحوث العلمية الطبية الصادرة عن المؤسسات الطبية المعتمدة والمنظمات الصحية العالمية المحايدة، التي أثبتت الأضرار البالغة والنتائج السلبية لختان الإناث؛ فأصدرت عام 2006 بيانًا يؤكد أن الختان من قبيل العادات لا الشعائر، وأن المطلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القول بالتحريم.

كما أصدرت هيئة الفتوى في السودان والمتمثلة في "هيئة علماء السودان"، قرارًا بتحريم ختان الإناث، مشيرة إلى أن الأحاديث التي يستند عليها في إجازته ضعيفة، ولا يجب الإستناد عليها في مسألة ما بين التحريم أو تحليلها، وأن ما حدث في القديم بإجازة الختان كان بناء على رؤية علماء العهد السابق وفق أوامر أطباء عصرهم، وهذا ما اختلف حاليًا، وثبت بالدليل الطبي القاطع مخاطر ختان الإناث.

مخاطر طبية

وتمتد مسألة الختان أو "الخفض" للتأثير سلبًا على صحة الفتاة سواء الجسدية أو النفسية وذلك على عكس ما يردده البعض من كونه يحفظ الفتيات من الأمراض سواء المنقولة جنسيًا أو الميكروبات.

ويقول الدكتور محمد مجدي، إن ما يقوم به البعض من عمليات ختان الإناث وخاصة في الأرياف يمكن أن يسبب العديد من المخاطر الصحية، وفي أولهم احتمالية إصابة الفتاة بميكروب شديد بسبب إجراء هذة العالميات في أماكن غير مجهزة طبيًا ولا معقمة، ما يساعد في انتشار الأمراض المختلفة.

وأضاف مجدي، أن من ضمن المخاطر الصحية المتحمل إصابة الفتاة بها هي متلازمة المبيض متعدد الكيسات، والعقم، واحتباس البول، كما أنها تزيد من مخاطر وفاة الأطفال حديثي الولادة، فضلًا عن التأثير على حياتها الجنسية، وإصابتها بالأنيميا الشديدة.

ولم يقتصر الأمر على مجرد المخاطر الصحية على صحة الأنثى بل أنها تمتد إلى صحتها النفسية حيث يؤدى لمشكلات نفسية ترتبط بعملية الختان المؤلمة محدثة اضطرابات من الطفولة إلى المراهقة ثم خلال مرحلة الزواج، حيث تؤدي إلى فتور زوجي يستلزم تدخلا طبيا لتحسين العلاقة بين الزوجين.