وكيل مؤسسة UCB Canada للإرشاد الأسري في الوطن العربي:
تجربة “عسى أن يقمن صلبي” لن تكون الأخيرة
علينا أن نمحو من قاموس الأسرة الإهانات اللفظية
مصر تحتاج إلى ثورة توعية بأسس الزواج الصحي
الحفاظ علي صحة الإنسان النفسية مطلب هام
الحل الأمثل لمشاكل المرأة الريفية هو توعيه وتطوير الرجل
كانت الأسرة هي اللبنة الأولى في مسيرتها الطويلة ونجاحاتها المتواصلة، فأعانتها منذ الصغر، ومدت لها يد العون؛ لتكون ما هي عليه الآن، ثم جاء زوجها وأكمل المشوار، وكان بمثابة درة التاج، إنها الدكتورة هاجر مرعي؛ التي طالما حاضرت ونظرّت من أجل إصلاح الأسرة وترميم ما بالمجتمع من أدواء وأعطاب، التقيناها وكان لنا معها الحوار التالي:
حدثينا عنكِ، وعن تكوينك الفكري والعلمي؟
أنا هاجر مرعي؛ حاصلة علي ماجستير إرشاد أسري وتربوي، وكيل لمؤسسة UCB Canada للإرشاد الأسري والتربوي والصحة النفسية في مصر والوطن العربي، محاضر معتمد بوزارة الشباب والرياضة، محاضر معتمد بقناة التعليم العالي، محاضر زائر بالمجلس القومي للمرأة، وعضو لجنة خبراء الأمن الأسري بالمركز الاستراتيجي لصحة المرأة، محاضر زائر بالهيئة العامة للاستعلامات، محاضر تحت إشراف المركز الإعلامي لوزارة البيئة، ولي العديد من الحلقات التلفزيونية والمقالات بكثير من الصحف والمجلات.
أنا، في الحقيقة، محظوظة بوجودي في أسرة تحب العلم وتقدر الإنجاز، فوجدت في منزلنا مكتبة كبيرة مليئة بكتب العلماء في كثير من المجالات، وكان لوالدي دور كبير في إنشاء هذه المكتبة ومتابعتي وتحفيزي على القراءة وتنمية مهاراتي، وكذلك والدتي؛ التي لم تقصر في دفعي لتعلم الكثير والكثير، ومع ذلك كان حبي للعمل الاجتماعي ودراسته بعمق عنصر هام في اختيار تخصصي، كما أن المحصلة القديمة من القراءة لكتب علم النفس جعلتني أتميز في مجالي.
وعلى كل حال، فإن الثقافة، ودعم الأسرة، وحب العلم هي العناصر الأساسية في تشكيلي منذ الصغر وأتم الله نعمه عليّ بزوج ُيدعم عملي وأخ يدفعني للأمام، فالأسرة أساس كل شيء.
الخيانة الزوجية.. جرس إنذار
لم يقتصر دورك على التدريب وإنما كانت لكِ تجربة في الكتابة، احكِ لنا عن هذه التجربة؟
نعم، فـ “عسى يقمن صلبي” تجربتي التي أعتز بها جدًا، فلم أقُبل عليها إلا بعد إعداد طويل للفكرة، من خلال الدراسة والخبرة، وكذلك من خلال الجلسات العلاجية، فالموضوع شائك، ولكنه مهم، إذ منتشر في العالم كله، ألا وهو خيانة المرأة، والتي تحدث أحيانًا بشكل غير مباشر، والوعكات النفسية التالية لها، فأردت أن أجعله جرس إنذار للأزواج والزوجات، وتوضيح أسباب الخيانة، ومداخلها، وتأثيرها وخاصه على الأبناء.
وأردت كذلك توضيح كيفية قيام الاستشاري الأسري بعلاج مثل هذه المشكلات، وأعتقد أن هذه التجربة الخاصة لن تكون الأخيرة، فردود الأفعال بعد قراءته من المتابعين نقلتني إلى شعور آخر بالمسؤلية تجاه توعية الناس، وأهمية الدعم الأسري، فالسلام الحقيقي يبدأ من المنزل.
ما هي أبرز نصائحك لحياة زوجية سعيدة؟
من النصائح الهامة لاستقرار الحياة الزوجية ما يلي:
علي الزوجين أن يعلموا أن حياتهم الزوجية هي طفلهم الأول؛ الذي يحتاج دائمًا للرعاية والعناية دون أنانية أو تسلط، كما أن هناك أمور يجب التمسك بها مثل: المغفرة، والصبر، والاهتمام بالتقدير والاحترام المتبادل، والوقوف جوار بعضهم البعض في الأزمات الصحية والمالية.
فالحب غير المشروط علامة صحية لاستمرار الزواج، وكذلك زرع الشعور بالأمان حتي يحدث الاطمئنان للمستقبل؛ والذي بدوره يقضي علي الشك غير المبرر، كذلك يجب الانتباه إلى أن تنظيم العلاقة مع أسرة الطرف الآخر بشكل مريح لا يصنع المشكلات، ولا يعطي فرصة لتدخل طرف ثالث بينهما.
والسلام الحقيقي داخل المنزل، وعلينا أن نمحو من قاموس الأسرة الإهانات اللفظية، والاتهام بدون دليل، والغيرة المرضية، والتخلي عن مسؤولية التربية حتى لا ينتهي الحال إلى الخرس الزوجي.
ما هي أسباب ارتفاع معدلات الطلاق عربيًا ؟
البدايات تدل كثيرًا على النهايات، وفكرة الارتباط والبحث عن شريك الحياة أصبحت غير سوية وتؤدي إلى الطلاق، فأصبح الزواج مشروط بأمور كثيرة غير الاستقرار كمطلب في حد ذاته.
فهناك من يفكر في الزواج للخروج من دائرة تسلط الأهل، أو رغبة في تحسين مستوى المعيشة، أو فرصة سفر؛ فيصتدموا بعد ذلك بواقع المسؤولية والأمانة الأسرية، ويصبح الاستمرار صعب، ومع غياب الهدف يحدث النفور.
وهناك أسباب كثيرة أيضًا للطلاق منها: الرغبة في الإنجاب فقط، المظهر الاجتماعي، الخوف من الوحدة، غياب الوعي بمراحل الزواج، وعدم الارتباط الصحيح، وعدم تنظيم العلاقات خلال الخطوبة والسنه الأولي من الزواج، وسنوات التغيير السبع وهكذا.
وفي مصر هناك غياب كامل للوعي بأهمية استقرار الأسرة، وأصبح الزواج مجرد مظهر اجتماعي، وهروب من لقب العنوسه الفاشل، ولا نغفل دور العادات والتقاليد والموروثات السلبيه مثل: الزواج في سن مبكر، وزواج الأقارب وغيرها، فمصر تحتاج إلى ثورة توعية، ودعم أسري نفسي، وتوعية بأسس الزواج الصحي بداية من جيل الآباء والأبناء والمقبلين على الزواج.
تربية الأبناء مسؤولية مشتركة
حدثينا عن الطريقة المثلى في تربية الأطفال؟
من أخطر ما يعيق عمليه نجاح التربيه للأطفال الإسقاط النفسي للآباء والأمهات، ورغبتهم في أن يصنعوا طفلًا يعوض فشلهم في الماضي، وينفون قدراته ورغباته الخاصه، ولهذا تقوم التربية الصحيحة علي أشياء كثيرة، ومن أهمها: عدم وضع الطفل في دائرة التذبذب؛ وهو اختلاف رأي الأب عن رأي الأم، فيصبح الطفل لا يمتلك القدرة علي اتخاذ القرار،
وكذلك اللوم، والنقد، والمقارنة؛ التي بدورها تغتال شخصية الطفل، بل يحتاج الطفل إلى إعطائه فرص لإثبات ذاته وقدراته الشخصية.
وعلينا تجنب السخرية، والألقاب السلبية، واستخدام الوصف الإيجابي، فالكلمة بإجماع علماء النفس لها دور كبير في تشكيل نفسية الطفل ونظرته لنفسه، كما أن المناقشة منذ الصغر في كل الأمور تجنب العند، ومن الواجب إعطاء الطفل العاطفة بشكل كافي، فالحرمان العاطفي يدفع الأطفال إلى الكذب والسرقة.
ومن المهم كذلك اكتشاف مواهب الطفل مبكرًا، والعمل علي استخدامها، حتى تستمر، ولكي يتمكن من استثمار عقله وقدراته لحمايته في المستقبل، كذلك الاهتمام بالجانب الصحي، والنظام الغذائي للحفاظ على تركيزه، وتعليمه القدرة على الاختيار بإعطائه فرصة الاختيار بين شيئين مختلفين.
ويجب توعية الطفل بأهمية الحفاظ علي جسده والدفاع عن نفسه، ويتعين على الآباء تصديقه وطمأنته، وعدم التخلي عنه في الأزمات الدراسية واتهامه بالغباء، ومن المهم جدًا عدم تخلي كلا الأبوين عن دورهما، فالطفل يحتاج الأم والأب بنفس القدر، وغياب دور أحدهما يعني غياب جزء من استقراره النفسي.
ويتعين على الأبوين غرس القيم الاجتماعية والدينية في نفس الطفل بشكل وسطي، حتى يصبح شخصًا متزنًا واجتماعيًا يتعامل مع الجميع ولا يكون له أعداء.
أطلقتِ مؤخرًا مبادرة “مش ماما_ مش مهم”، ما هي أهدافها، وما أسباب إطلاقها؟
انطلقت المبادرة أولًا من قبل السيدة شيرين محمد شريف؛ التي قضت سبع سنوات في انتظار الإنجاب، وبعد محاولات نجحت بفضل الله في الحصول على طفل، وأصبحت فكرة دعم السيدات اللاتي حرمن من الإنجاب هدفنا المشترك، على أن ندعم ذلك بالجانب النفسي.
وأصبحنا، فيما بعد، نقدم ذلك علي جانبين، أولًا: دعم السيدات اللاتي حرمن من الإنجاب بكيفية الاستقرار النفسي، والتعامل مع الأزمة، ووضع خطة الحياة، وثانيًا: دعم الزوجات اللاتي يخضن تجربة الحقن المجهري، وتقديم التحفيز والاحتواء النفسي لهن حتى تمر التجربة بسلام.
وكنا نعمل مع فريق عمل كامل، ونجحت تجارب كثيره بفضل الله، وتحولت الفكرة إلى مبادرة تخدم فئة كبيرة من النساء يغفل عنها الكثير.
هل تعتقدين أن غياب الذكاء العاطفي والاجتماعي هو سبب الكثير من المشكلات الأسرية الحالية؟
لا شك أن عدم تنظيم العلاقات الاجتماعية، وكذلك العاطفة غير المنظمة لها دور في كثير من الفجوات، فتداخل العلاقات والعشوائية في الصداقات سمحت بالكثير من المشاكل نتيجة المقارنات والتدخل غير المقنن الذي سمح بظهور الخيانات والعلاقات الخاطئة.
كما أن زيادة الوعي بتنظيم دوائر العلاقات، وتحديد دور الصديق، والقريب، وزملاء العمل، وأصدقاء النوادي، وأصدقاء الدراسة.. إلخ، كلها أمور تجعل المشاعر والأدوار والعلاقات سوية، ولا تسمح بظهور مشاكل أسرية غير مباشرة.
الصحة النفسية والاستقرار الأسري
هل تعتقدين أن الحصول على دبلومات في الإرشاد الأسري سيسهم في حل المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع؟
مؤكد أن دراسة هذا المجال فارقة في حياة الفرد، وتحميه من وعكات نفسية كثيرة، وتحدد له احتياجاته، وتقيه من سلبيات المستقبل، ولكن علينا أن نكون أكثر دقة، فالحصول على الدبلومات هام جدًا، فلابد من وجود متخصصين يقدمون الدعم المجتمعي بشكل علمي وصحيح، وكذلك نشر الوعي بمشاكل المراهقين والأطفال، وليس الأزواج فقط.
ويجب أن يكون حضور الدورات الخاصة بالمقبلين علي الزواج والدورات الخاصة بالتربية الصحيحة والوقاية من الإدمان وغيرها يجب أن تكون من الاهتمامات الأساسية في حياه الناس، لأننا نعيش في زمن مليء بالأحداث المتسارعة، والتكنولوجيا الحديثة؛ التي تتطلب منك فهمها، والتعامل معها بشكل صحيح، كذلك الوعي بضرورة الحفاظ على صحة الإنسان النفسية مطلب هام في ظل انتشار أمراض واضطرابات كثيرة، مثل: الاكتئاب، والتوحد، والذي أصبح يصاحبها أمراض أخرى وراثية كثيرة.
وما أجمل أن يكون الإنسان علي دراية بتطورات حياته الأسرية واحتياحاته النفسية ولا يحتاج إلى أحد.
حدثينا عن المرأة العربية، وعن أبرز مشكلاتها؟
المرأة العربية مميزة جدًا، ولديها قدرة كبيرة علي تحمل المتاعب، وتستطيع أن تعيش في أي ظروف، وأن تعمل بكل قوتها، وأن تتحمل متاعب الزواج من أجل أبناءها، ولكن مشاكلها كثيرة علي الجانب النفسي، فتحملها المسؤولية وحدها أحيانًا يجعلها تفقد الكثير من فرصها في الحياة الطبيعية، حيث تحتاج الأرملة والمنفصلة، كذلك إلى أن تجد فرص عمل تغنيها عن العودة إلى أهلها، وتكليفهم عبء الإنفاق عليها، أو تكرار زيجة غير ناجحة.
وتعاني المرأه في بعض الدول العربية، من عدم القدرة علي مواجهة بعض مشاكل الانفصال عن الزوج، وتعاني، أيضًا، من الزواج المبكر في القرى وبعض المناطق الفقيرة، ما يفقدها الكثير من حقوقها وفرصها في النجاح.
ما هي الطريقة المثلى لتحقيق السلامة النفسية للمرأة؟
السلامة والصحة النفسيه للمرأة ضروريتان لاستقرار الأسرة، فالحالة المزاجية الجيدة للمرأة تنعكس على أدائها وحياتها عمومًا، ومن هنا عليها تنظيم أولوياتها، على أن تكون الصحة النفسية أول اهتماماتها، ثم الأسرة، ثم العمل والهوايات، ثم التعليم، كما أنه يتعين على المرأة الاهتمام بنظامها الغذائي، والتركيز على الأطعمة التي تساعد على تنشيط المخ وعمل الذاكرة، والمواظبة على المشي، والخروج عن الروتين كل فترة، وجود صديقة ثقة للفضفضة، والرجوع لهواية قديمة وتجديدها، واستمرار التواصل مع الأصدقاء والمعارف الإيجابيين، والسعي لوضع هدف وتحقيقه، كلها أمور مهمة لتحقيق السلامة النفسية للمرأة.
وفي كل الأحوال، يجب على المرأة أن تحب نفسها، وأن تسعى لرفع ثقتها في نفسها، وتقدير الذات بشكل متزن وخاصة في أزمة منتصف العمر.
التكنولوجيا وتهديد استقرار الأسرة
هل ترين أن التكنولوجيا الحديثة أثرت على العلاقات الأسرية والاجتماعية؟
طبعًا وللأسف أثرت بشكل سلبي جدًا، فأصبح التواصل في الأعياد وبالرسائل فقط، كما أن الأم لم تعد تعرف أخبار أبنائها إلا من خلال الفيسبوك، ناهيك عن أن هناك من الألعاب سيطرت على عقل المراهقين؛ ففُقدت صلة الأرحام، والتواصل الأسري حتى في الأعياد، والمشكله الأكبر هو التقليد للغرب، بحيث أخذنا السلبيات وتركنا الإيجابيات فلم نركز على التقدم.
توعية الرجل..هي البداية
تعاني النساء الريفيات من الكثير من المشكلات، كيف يمكننا القضاء على مثل هذه الظواهر؟
الحل الأمثل لمشاكل المرأة في الريف، هو توعية وتطوير الرجل الريفي من الأساس، فكل محاولات تطوير المرأة دون تطوير عقل المسيطر عليها لن تجدي نفعًا، فقد شاهدت الكثير من النساء الريفيات اللاتي يسعين للتطوير، ولكن الحاجز هو سخرية الزوج، وإهماله، ونظرته السلبية لقدراتها.
وبالفعل أقوم بهذا العمل في تطوير شخصية الرجل في بعض القرى، ونحقق نتائج جيدة، وإن كان التقدم بطيئًا، ولكن هناك دائمًا فرصة، كما يجب التركيز علي خطورة الزواج المبكر في القرى وبعض المناطق التي تُهدر حق المرأة في اختيار شريك الحياة، والإنجاب المتكرر دون النظر لصحة المرأة.