مسألة تمييز المعاملة بين الأبناء ــ مهما كانت عن غير قصد ــ من أكثر المشاكل التي تؤثر في نفسيتهم، وقد تبقى عقدة تلازمهم طوال حياتهم. ورغم وعي الوالدين بسوء هذا السلوك وآثاره السلبية، ما يزال كثيرون لسبب أو لآخر يقعون في فخ التفرقة بين أطفالهم.
صبحة بغورة
تؤكد الدراسات النفسية الحديثة، أن معاملة أحد أطفال الأسرة سلبيًا أو تمييزه عن آخر بأسلوب سيئ وجاف، لن ينعكس فقط على الطفل الذي يعاني التمييز، لكن سيمتد إلى بقية إخوته في الأسرة؛ ما يؤكد سلوك التفاعل النفسي لجميع أفراد الأسرة، ولكل طفل في العائلة على حده.
تأثير الضغوط النفسية في الأطفال
وأوضحت أن هذا السلوك يتعلق بالآباء الذين يتعرضون لضغوط نفسية، فهم في الغالب يميلون إلى معاملة الأطفال بشكل غير طبيعي ومختلف.
كما اهتمت الدراسات بالأم ومستوى تعليمها وطبيعة البيئة التي انحدرت منها. وعما إذا كانت قد تعرضت إلى ضغوط نفسية مختلفة. وإلى التأثير التراكمي للكثير من عوامل الخطورة التي تتمثل: في الضغط العصبي أو التوتر النفسي. سواء في الماضي أو الزمن الحاضر.
مثل أن تربي الأم الأطفال بمفردها، أو أن الأسرة تعاني من ضائقة مالية، أو أن تكون الأم تتعرض للإهانة أو الضرب وغيرها من الضغوط النفسية.
وتبين أنه كلما تعرضت الأم لعدد أكبر من الضغوط، زادت احتمالية أن تفرق في المعاملة بين أولادها أكثر من الأمهات اللائي يتعرضن لضغوط نفسية أقل. وأن الأمهات اللاتي عانين من ضغوط متزايدة أظهرن اختلافًا كبيرًا في المشاعر بين طفل وآخر. حسب طبيعة الطفل.
بمعنى أن المنطقي معاناة الأم التي تتعرض لضغوط نفسية ولا تتحلى غالبًا بهدوء الأعصاب وبالصبر الكافي مع الطفل المشاغب.
فهي ستلجأ إلى تعنيفه، وقد تستخدم الإيذاء البدني أو الصراخ في وجهه. بينما لن يعامل الطفل الأكثر هدوءًا وتعقلًا، بمثل هذا الإيذاء سواء النفسي أو البدني؛ ما سيشكل فجوة كبيرة بين الأطفال في المعاملة.
التمييز السلبي والإيجابي
وبملاحظة الأطفال في المنازل، اتضح تأثير التمييز بالسلب في جميع الأطفال. وقد ارتبطت زيادة عوامل الخطورة، بالنسبة للأم، بوجود مشاكل نفسية، مثل: العدوانية ونقص التركيز والمشاعر المضطربة.
ومن الغريب أن الطفل الذي يحظى بالتمييز الإيجابي، يمكن أن يشعر هو الآخر بالذنب نتيجة تأثره بالتعامل غير العادل. ويكون الاضطراب في السلوك بمثابة نوع من الاعتراض على مثل هذه المعاملة، وإرسال رسالة لاشعورية إلى بقية الإخوة أنه لم يشارك في التمييز ضدهم. وبالتالي فإن الأم المضطربة نفسيًا، يمكن أن تمهد إلى نشر المشاعر السلبية بين أفراد الأسرة جميعًا.
قد تكون هناك بعض الظروف التي تضطر الآباء إلى الاهتمام بطفل أكثر من آخر لأسباب مختلفة، مثل: تدليل الطفل الأصغر الذي يعتمد كليًا على أمه. هنا يجب على الأم أن تشرح بشكل مبسط للطفل الأكبر في السن، ضرورة مشاركته في توفير الرعاية لأخيه الصغير، حتى يتسنى له أن يكبر ويصبح مثل أخيه.

هكذا يمكن استبدال المشاعر السلبية، كالغيرة مثلًا، والإحساس بعدم الاهتمام، بمشاعر أكثر إيجابية، كالعطف.
حالات استثنائية
وفي الحالات الاستثنائية، كأن يكون الطفل الذي يتم تمييزه يعاني من مرض مزمن يستدعي اهتمامًا متزايدًا من الوالدين. فإن الأطفال يمكنهم تفهم هذه الحالة، لاسيما لو شاركوا والديهم في العناية بالأخ المريض. وسيكون الأمر سهلًا لوجود الدافع الحقيقي لهذا الاهتمام. ويمكن أن يتم شرح الأمر للأطفال بشكل مبسط، وتوضيح أن الأخ يحتاج إلى رعاية أكثر نظرًا لظرف استثنائي معين.
ينجم عن التمييز في معاملة الأبناء نتائج نفسية سلبية عميقة، ومنها أن الطفل الذي يعامل على نحو سلبي يفقد الثقة في نفسه، ويصبح مترددًا في القول والعمل. ومتراجعًا عن المبادرة بالفعل. ويشعر بأنه أسوأ من إخوته. ويتولد لديه الإحساس بالقهر والظلم وعدم المساواة. ويبدأ في مقارنة نفسه بأقرانه في المدرسة والحي.
وهذا انعكاس للمقارنة الأصلية التي قام بها الآباء بتمييز طفل عن آخر، سواء بوعي أو عن جهل تربوي منهم.
تعامل الطفل مع محيطه الخارجي
قد يتمكن الطفل ضحية سوء المعاملة، من التعايش ولو بصعوبة مع المقارنة خارج المنزل أي بينه وبين زملائه، لكن المقارنة داخل المنزل تشعره بحرج الإهمال وعدم القيمة وتحطم ثقته واعتداده بنفسه.
ومثله معرض بشدة لخطر الانضمام للجماعات سيئة السمعة، خاصة في مرحلة البلوغ. وقد ينقاد بسهولة إلى عادات سيئة، مثل: التدخين وشرب الكحوليات وتناول المخدرات.
وليس مستبعدًا تورطه في نشاط إجرامي مثل السرقة والغش والخداع والتحايل على الناس. وعليه نفهم حقيقة أن التمييز بين الأبناء يضعهم في دائرة الانحراف وعلى طريق الضياع.
عناية الوالدين اللازمة
أهمية الموضوع تقتضي التنبيه إلى ضرورة إدراك الآباء أن لكل طفل شخصيته التي تختلف عن باقي إخوته. وليس بالضرورة أن يكون كل الإخوة متشابهين في جميع الطباع. وأن اختلاف الشخصية لا يجب أن يترتب عليه تمييز في المعاملة.
وعلى كل أم أن تتفهم طبيعة واختلاف شخصية كل ابن من أبنائها. فمنهم من هو هادئ الطباع، أو موفور النشاط. فلا تتم معاقبة الطفل موفور النشاط إلا حال فعل الخطأ. بمعنى ألا يتم عقابه لمجرد أنه كثير الحركة أو الكلام مقارنة بالطفل الآخر.
فعلى كل أم أن تظهر حنانها وتمنح حبها وتقدم رعايتها بنفس القدر من التساوي لكل أطفالها، وألا تلجأ لأسلوب المقارنة باستمرار حتى ولو على سبيل التحفيز.
ولعل الأكثر سوءًا التفرقة المقيتة بين الولد والبنت في بعض المجتمعات الريفية والصحراوية المحافظة. لأنها تؤثر في استقرار الأسرة وتهدد تماسك المجتمع. والواجب عدم التمييز في المحبة بين الذكور والإناث. لأن ذلك قد يولد لديهم شعورًا بالتفرقة. بل يمكن أن يشعرهم بالكره تجاه أنفسهم أو تجاه الجنس الآخر.
مشكلة أخرى قد تتعرض لها بعض الأسر تظهر مع تطور العمر من الطفل المدلل. بدءًا بعدم القدرة على رفض أي طلب له في صغره. ثم انعكاس ذلك بالسلب على الأبوين في كبره. وقد يصل حجم وتكلفة الطلبات إلى تخطي الحدود الممكنة ماديًا.