صبحة بغورة تكتب: الصمت العاطفي بين ثرثرة الزوجات وخرس الأزواج

شاع في الكثير من المنازل تعبير "ما فيش تفاهم بيننا"، حتى أصبح قاسمًا مشتركًا لاختصار وصف ما ينشب من خلافات بين كل زوجين شابين، وهو تعبير يصف خصومة مفتوحة على عدة احتمالات، تبدأ من مرحلة صعوبة التواصل، ألا وهي حالة "حوار الطرشان".

انقطاع الحوار بصورة مقلقة، تنم عن وجود مشاكل عميقة مستمرة ودائمة سببها الفروق الأساسية القائمة سواء في تركيبة الشخصية أو المستوى الثقافي والاجتماعي التي تقلق أحلام الحياة الزوجية السعيدة والمستقرة في الهواء.

ويؤدي اشتداد الجدل والنرفزة والتوتر وتبادل الاتهامات، إلى الميل نحو التزام السكوت الذي يعد في حد ذاته خصومة، لأنه يتميز بعدم إعارة المتكلم أي انتباه وهو سلوك يعكس طابع الجزاء او العقوبة لتأديب الطرف الآخر.

وقد يحدث أن تنفعل الزوجة عندما تتجادل مع زوجها وتصيح في وجهه، بينما يبقى هو هادئًا غير مبال بما يحدث حوله،وهي حالة " سكتة كلامية" يصاب بها الزوج معظم الأحيان وليست حالة مرضية، وإنما حكمة للهروب من المشاجرات وبناء جدار من الصمت حوله عندما تتعصب الزوجة وتصرخ؛ حيث تصبح شريطًا مسجلًا له أوله وليس له آخر، إنهم أزواج يرسلون ولا يستقبلون.

كل الأزواج يعلمون جيدًا منذ البداية أن الشجار الزوجي لا مفر منه، وأنه حتى لا تتحول البيوت إلى ساحات للحرب، فلابد لكل عاقل من تقبل الاختلافات في الرأي وفي الذوق والمزاج والاعتراف بأن هناك اختلافا في الطباع بين البشر وتباين في استيعاب كلا منهم للآخر، ولكن معظمهم لا يتقبل الاختلافات ولا يعترف به ولا يكف عن توجيه الاتهامات والانتقادات الجارحة بل والنبش في الماضي فتقع الخلافات.

الكلام أداة اتصال بين الناس، واللغة التي يتفاهمون بها فن يجب على كل شخص أن يجيده لأنه صلة وصل بين الشخص والآخرين، والكلمة عندما تخرج بنبرة قاسية تكون غير مريحة وتفقد قيمتها وتضعف معناها كوسيلة تعبير راقي عن أسمى العواطف.

ومن يحرص على نجاح حياته الزوجية والعملية، يجب أن يحرص على خروج كلماته ممزوجة بأسلوب معبر عن احساس مرهف يُعبر عن شخصية القائل، وهذا ما يحصل مع الأزواج الذين لا يدركون أن قيمة الكلام ليس في النطق به ولكن المهم الاحساس الذي يقال به.

وما يؤثر أكثر في الزوجات هو"صمت الأزواج " الذي صار وراء أكثر من 50 بالمائة من المشاكل، فالزوجة ترى أن زوجها يقبل على الحديث مع أصدقائه وزملائه خارج المنزل ويفتقد لفن الحديث وآداب الحوار داخل المنزل، خاصة مع زوجته؛ إذ يلتزم الصمت التام معها، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

الزوجة تنتظر قدوم زوجها لتتحدث معه لأنها بحاجة إلى من يتحدث معها وينصت إليها باهتمام، أما هو فلا يملك حتى القدرة على الحديث معها بسبب إرهاقه وقد استنفد قدرته خارج المنزل ويلجأ للمنزل للراحة فقط، ويرفض مع ذلك الاعتراف بأن هناك خطأ ما ولا يجيد الحوار مع زوجته، وأنه بسبب ذلك صامت.

وتنعكس نتيجة هذا الوضع سلبا على المرأة بسبب عدم اهتمامه بها وبحديثها، وهنا يتشكل حاجز صعب الاختراق بين الزوجين لا يمكن أن يزول إلا بالحوار الصريح بينهما، وقد تصل هذه الحالة إلى حد يستحيل معها الاستمرار.

يمكن أن يعود ضعف الحوار عند الرجل بسبب التنشئة، فحديث الفتاة الوسيلة التي تعبر بها عن مشاركتها في المجتمع وتكوين الصداقات وهي تعبر باللغة عن اهتماماتها وعن عواطفها، أما الفتى فمعاملته أكثر خشونة وقلما يلجأ للحوار خاصة مع أقرانه.

والحوار عند الفتى أقل استعمالا من الفتاة، ويميل الفتى إلى الصراحة والكلمات المباشرة بدلا من المناورة واستعمال عبارات المراوغة التي تجعل من حديثه فن من فنون الكلام، ويبقى هذا الأسلوب في الحوار يرافقه حتى يصبح رجلًا، والزوج بطبيعة الحال يريد أن تكون زوجته أفضل أصدقائه ولكن لاختلاف مفهومي الرجل والمرأة باستعمال فنون الحوار وأساليبه، فالمرأة غالبًا ما تقوم بالحديث والشكوى دائما ولا توجه حديثها لأمور مفيدة وجذابة، والرجل يعارض ذلك الأسلوب باستمرار.

وكان على المرأة أن تستفيد من قدرتها على الحديث والمحاورة واستغلالها في أنشطة وأعمال نافعة، فهذا سيجعل لحديثها قيمة وستكون حياتها أكثر متعة، وتصبح أحاديثها أكثر تنوعا، مما يسكبها قدرًا من الثقافة تكسر به ملل الطرف الآخر ويجعله أكثر انصاتا، خاصة إذا تحلت بالإحساس وبالثقة العالية بالنفس وباللهجة السليمة، وحينها لن تكون بالضرورة ثرثرة الزوجات سببا يؤدي إلى خرس الأزواج.

إن أسوأ ما يمكن أن يقال في هذا الموضوع، أن تنشب مثل هذه الخلافات داخل الأسرة عندما تزيد المسِؤوليات من ثقل المهام على كاهل من كانوا زوجين شابين وأصبحوا والدين لأطفال، فمع صعوبة ضغوط الحياة وتزايد أعباءها وسرعة إيقاعها وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، تبرز الضغوط النفسية المتزايدة خاصة على الأم التي يصطدم طموحها بصخرة الواقع المعاكس الذي إذا استحلت مرارته عاشت مكسورة الخاطر، أسيرة واقع صعب لا تحسد عليه ثم لا تجد من طريقة للتنفيس سوى الصراخ، تلك الظاهرة الجديدة التي تسللت إلى البيوت حتى أصبحت مرضا خطيرًا وظاهرة مزعجة يجب التوقف عندها.

وحينها سنجد أنفسنا أمام مسؤولية الزوج الوالد المنشغل دائما بعمله أو سفره للخارج، وهو يعتقد أن دوره يقتصر على العمل لتوفير المال لأسرته وأن اعتماده الكامل على الزوجة في التربية والتنشئة ومساعدة الأطفال في تحصيل دروسهم أمر يدخل في إطار التوزيع الطبيعي للأدوار داخل الأسرة، وبين زوجة منهارة معنويا ومنهكة جسديًا ومحبطة نفسيًا، وزوج انزلق دون إرادة منه في منزلق الصراخ هو الآخر تضعف إمكانية وجود أسلوب للتعامل به مع هؤلاء سوى الصراخ، وتفشل محاولات العقلاء لاحتواء الموقف والتعامل مع الظاهرة الصارخة بالحكمة والمنطق والهدوء.

المفارقة الجديرة بالتأمل، أنه من المعروف أن قلب المرأة في أذنيها تطرب للكلمات وتستهويها العبارات، ولكنها ستصادف رجل صامت "بطبيعته" يتهرب منها مخافة أن تفشي أسراره أمام الآخرين، في حين أن الزوج الذي من المطلوب أن يكون متحدثا لبقا، مقنعا، معبرًا ماهرًا جيدًا عن عواطفه، مغازلًا ماهرًا لزوجته يغذي مشاعرها بالرومانسية التي ترغب فيها يصاب بالصمت أو الخرس الزوجي حيث يجد نفس خاسرًا أمام الزوجة كثيرة الكلام والشكوى، الثرثارة، فيميل تلقائيا إلى الانسحاب والصمت للتعامل مع الضغوط من خلال التفكير التحليلي.

بينما تلجأ المرأة للكلام والتعبير لأنها تستخدمه لتخفيف الضغط النفسي وربما لإيجاد الحلول أيضا.. إذًا نحن أمام ملامح مقلوبة لحالة امرأة تعاني من الصمت العاطفي، وزوج يغفل عن أن الكلمة الحلوة هي مفتاح لحل المشاكل الزوجية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: عندما يعتذر الأزواج.. هل تغفر المرأة زلات الرجل؟