تمتلك المملكة العربية السعودية كنوزًا من المشروعات التراثية والثقافية الفريدة، تشكل جزءًا أصيلًا من هويتها وتاريخها العريق. من المواقع الأثرية الشاهدة على حضارات عريقة، مرورًا بالفنون الحرفية الأصيلة، وصولًا إلى التقاليد والعادات الاجتماعية الثرية، حسب “هيئة التراث” السعودية. ويمثل هذا التراث مخزونًا هائلًا يمكن أن يسهم بفاعلية في تعزيز مكانة المملكة على الخريطة العالمية، ليس فقط اقتصاديًا وسياحيًا، بل وثقافيًا وحضاريًا. لكن، كيف يمكن تحويل هذه المشروعات التراثية إلى علامات فارقة عالميًا، تجذب الأنظار وتلهم الآخرين؟
كيفية وصول المشروعات التراثية إلى العالمية
ويمكن الوصول بالمشروعات التراثية السعودية إلى العالمية من خلال اتباع بعض الخطوات، وهي:
الخطوة الأولى: الاستثمار الذكي والمستدام
إن الوصول بالمشروعات التراثية إلى العالمية يبدأ باستثمار ذكي ومستدام يراعي طبيعة هذه المشروعات وحساسيتها. لا يقتصر الاستثمار هنا على الجانب المادي فحسب، بل يشمل تطوير البنية التحتية المحيطة بالمواقع التراثية، وتأهيل الكوادر العاملة في هذا القطاع، وتبني أحدث التقنيات في حفظ وترميم الآثار. كما يجب أن يكون هذا الاستثمار مدروسًا بعناية، ويضمن الحفاظ على أصالة التراث وقيمته التاريخية بالإضافة إلى ذلك الثقافية، وفي الوقت نفسه يجعله جاذبًا للزوار من مختلف أنحاء العالم.
الخطوة الثانية: الابتكار في العرض والتسويق
لم يعد العرض التقليدي للتراث كافيًا لجذب جمهور عالمي متنوع. بل يتطلب الأمر ابتكارًا في طرق العرض والتسويق، والاستفادة من الأدوات الحديثة مثل الواقع الافتراضي والمعزز لتقديم تجارب تفاعلية وغامرة للزوار. يمكن للمتاحف والمواقع التراثية أن تتحول إلى منصات حية تحكي قصص الماضي بطرق عصرية وشيقة، تجعل الزائر جزءًا من التجربة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الحملات التسويقية الذكية، التي تستهدف شرائح محددة من الجمهور العالمي وتبرز الجوانب الفريدة والمميزة للتراث السعودي، دورًا حاسمًا في جذب الاهتمام العالمي.
الخطوة الثالثة: بناء شراكات عالمية فاعلة
لا يمكن تحقيق العالمية بمعزل عن الآخرين. يتطلب الأمر بناء شراكات فاعلة مع المنظمات الدولية المتخصصة في التراث والثقافة، والمتاحف العالمية المرموقة، والخبراء الدوليين في مجالات الترميم والحفظ والتسويق السياحي. كما يمكن لهذه الشراكات أن تساهم في تبادل الخبرات والمعرفة، وتنظيم المعارض المشتركة، ووضع المشروعات التراثية السعودية على الأجندة الثقافية العالمية.
الخطوة الرابعة: تمكين المجتمعات المحلية
تعد المجتمعات المحلية الحاضنة الحقيقية للتراث. لذا، فإن تمكين هذه المجتمعات وإشراكها بفاعلية في تطوير وإدارة المشروعات التراثية أمر بالغ الأهمية. يجب أن تستفيد هذه المجتمعات اقتصاديًا واجتماعيًا من هذه المشروعات، وأن تشعر بملكيتها لها؛ ما يضمن استدامتها وحمايتها على المدى الطويل. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير فرص العمل، ودعم الحرف والصناعات التقليدية المرتبطة بالتراث، وتشجيع المبادرات المحلية الهادفة إلى الحفاظ على الهوية الثقافية.
الخطوة الخامسة: التركيز على الجودة والتجربة الفريدة
في عالم يتنافس على جذب السياح والمهتمين بالثقافة، يصبح التركيز على الجودة وتقديم تجربة فريدة لا تُنسى أمرًا حتميًا. يجب أن يحظى الزائر بتجربة متكاملة تبدأ بسهولة الوصول إلى الموقع التراثي، مرورًا بجودة الخدمات المقدمة. وانتهاءً بالانطباع الذي يتركه لديه. الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، وتقديم قيمة مضافة تتجاوز مجرد زيارة مكان تاريخي. سيساهم في بناء صورة إيجابية عن المشروعات التراثية السعودية في الخارج وتشجيع الآخرين على القدوم واكتشافها.
جهود المملكة في نقل المشروعات التراثية إلى الساحة العالمية
وتولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بتعزيز مشروعاتها التراثية والثقافية، إيمانًا منها بأهمية هذا الموروث الحضاري في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخها. بالإضافة إلى دوره المحوري في التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل من خلال السياحة الثقافية. وتتجلى هذه الجهود في عدة محاور رئيسية تهدف إلى ترميم المواقع الأثرية وتأهيلها، وتطوير البنية التحتية المحيطة بها. وتقديمها للعالم بصورة جاذبة ومبتكرة. حسبما ورد على موقع “العربية”.
في مجال ترميم وتأهيل المواقع التراثية، تبذل المملكة جهودًا حثيثة للحفاظ على كنوزها التاريخية. ويعد مشروع تطوير الدرعية التاريخية، “جوهرة المملكة”، أكبر دليل على هذا الاهتمام. حيث يهدف إلى تحويلها إلى وجهة سياحية وثقافية عالمية المستوى، مع الحفاظ على طابعها المعماري الفريد وقيمتها التاريخية. كما تشمل الجهود ترميم العديد من القلاع والحصون والأسواق القديمة والقرى التراثية في مختلف مناطق المملكة. وإعادة الحياة إليها لتصبح نقاط جذب سياحي وثقافي.
أما فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية، فتعمل المملكة على تهيئة المواقع التراثية لاستقبال الزوار من خلال تحسين الطرق المؤدية إليها. وإنشاء الفنادق والمنتجعات والمرافق الخدمية المتكاملة. وتعد المشاريع العملاقة مثل “نيوم” و”البحر الأحمر” بالإضافة إلى ذلك “القدية” أمثلة بارزة على هذا التوجه. حيث يتم دمج العناصر التراثية والثقافية في إطار عصري ومستدام. ما يخلق تجربة سياحية فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة.
إستراتيجية متكاملة تعتمد على الترويج والتسويق الفعالين
ولنقل هذه المشروعات التراثية إلى الساحة العالمية، تتبع المملكة إستراتيجية متكاملة تعتمد على الترويج والتسويق الفعالين. ويشمل ذلك المشاركة في المعارض والمنتديات الدولية المتخصصة في السياحة والتراث. واستخدام المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور أوسع، وإنتاج محتوى إعلامي وثائقي يسلط الضوء على القيمة التاريخية والثقافية لهذه المواقع. كما تعمل المملكة على تسجيل المزيد من مواقعها التراثية في قائمة التراث العالمي لليونسكو. ما يمنحها اعترافًا دوليًا بالإضافة إلى ذلك يعزز مكانتها على خريطة السياحة العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، تولي المملكة اهتمامًا خاصًا بتعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي لدى الأجيال الشابة والمجتمع بشكل عام. من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمعارض التي تحتفي بالتراث والفنون التقليدية. كما يتم دمج مفاهيم التراث الثقافي في المناهج التعليمية لترسيخ الهوية الوطنية بالإضافة إلى ذلك تعزيز الانتماء.
علاوة على ذلك، فإن جهود المملكة في تعزيز المشروعات التراثية ونقلها إلى الساحة العالمية تعكس رؤية طموحة تهدف إلى إبراز ثراء وتنوع موروثها الحضاري. وتحويله إلى رافد اقتصادي وثقافي مستدام، يسهم في تحقيق أهداف رؤية 2030 ويعزز مكانة المملكة كوجهة ثقافية عالمية مميزة.