في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس قيم التسامح والتفاهم، ما تزال المرأة المطلقة في مجتمعاتنا العربية تعاني من نظرة دونية وموقف اجتماعي جائر، لا يضع في الاعتبار ظروف الطلاق أو الأسباب التي دفعته إلى الحدوث.
وتبقى المرأة المطلقة، في أغلب الأحيان، هي الطرف الوحيد الذي يحمل مسؤولية فشل العلاقة الزوجية، بينما يعفى الرجل من أي اتهام أو تبعات، بل يمنح الفرصة مرة تلو الأخرى لإعادة بناء حياته دون محاسبة أو مساءلة.
ظروف المرأة المطلقة
وعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهدته المجتمعات في مختلف مجالات الحياة، فإن قضية زواج الشاب العازب من امرأة مطلقة لا تزال تقابل برفض قاطع من قبل الكثير من الأسر، خاصة من طرف الأمهات، اللائي يتمسكن بموقف واضح وصريح من هذه المسألة، ويعارضنها بشكل مطلق، بغض النظر عن تفاصيل التجربة السابقة أو مزايا الفتاة المطلقة من حيث الأخلاق أو الثقافة أو المستوى الاجتماعي.
ووفقًا لمراقبين اجتماعيين، فإن هذا الرفض ينبع من قناعات راسخة ترى أن المطلقة لا تصلح لتكون زوجة لابنهم الأعزب؛ لأن “سجلها الاجتماعي” ملوث بتجربة زواج فاشلة، وهو ما يشكل في نظرهم وصمة عار تلاحقها طيلة حياتها، وتورث في بعض الأحيان لأطفالها.
فحتى وإن اختارها الشاب بنفسه، وأعرب عن رغبته في الارتباط بها بناء على مشاعر حب واحترام وتفاهم، إلا أن كلمة العائلة تكون غالبًا الفاصلة، فترفضها بدعوى الحفاظ على “سمعة العائلة”، ورفض “الإهانة” المترتبة على زواج ابنهم من امرأة سبق لها الزواج.
الواقع يظهر أن المطلقة لا تمنح الفرصة العادلة لتفسير أسباب طلاقها، ولا يمنح المجتمع الفرصة لسماع روايتها. فسواء كانت ضحية رجل مريض نفسيًا أو مدمنًا أو عنيفًا، فإنها تتحمل وزر الانفصال بمفردها.
الطلاق في جوهره ليس جريمة ولا وصمة
ويغيب عن الأذهان أن الطلاق في جوهره ليس جريمة ولا وصمة، بل هو حل مشروع أقرته الشريعة والقوانين لإنهاء علاقة استحالت فيها العشرة، وربما كان الطلاق في بعض الحالات حماية لها ولأبنائها من الانهيار النفسي أو الجسدي.
ومن اللافت أن هذا الرفض لا يرتبط دائمًا بعوامل منطقية أو مبررات واقعية، بل يغلب عليه الطابع العاطفي والاجتماعي؛ حيث يخشى من “كلام الناس” أو “نظرة المجتمع”، وتستدعى حجج واهية مثل إمكانية أن تخطئ المرأة المطلقة بذكر اسم طليقها أمام زوجها الجديد، أو أن تعيد ذكريات ماضية، أو تعقد مقارنات حميمية دون قصد، الأمر الذي قد يجرح مشاعر الزوج الشاب ويحدث شرخًا عاطفيًا يصعب ترميمه.
وتؤكد بعض الأسر أن حرصها على أبنائها يدفعها لاتخاذ موقف الحذر من زواجهم من مطلقات، خشية أن يتحملوا أعباء غير مستعدين لها، مثل رعاية أطفال من زواج سابق، أو التعامل مع ظروف نفسية صعبة مرت بها الزوجة، أو الدخول في علاقات اجتماعية مع طليقها السابق بحكم وجود أطفال مشتركين.
إلا أن الحقيقة على أرض الواقع تثبت أن كثيرًا من المطلقات لسن كما يصورهن المجتمع. بل إن منهن من تتمتع بصفات إنسانية راقية وخبرات حياتية كبيرة، تجعلهن أكثر قدرة على إنجاح الزواج الثاني. وأكثر حرصًا على الحفاظ عليه خوفًا من تكرار الفشل. فالمطلقة، في كثير من الأحيان. تكون ناضجة وواعية وقادرة على تجاوز العقبات والمحن، وتتسم بالحكمة والهدوء في إدارة شؤون البيت. كما تحرص على تحسين سلوكها ومظهرها لضمان استمرار العلاقة الجديدة.
شهادات حقيقية
وتفيد شهادات حقيقية أن الكثير من المطلقات لا يطلبن الكثير من الشروط للزواج الثاني، ولا يشترطن متطلبات تعجيزية. بل يقبلن الزواج من رجل أرمل أو مطلق أو حتى ممن يعاني من ظروف اجتماعية أو صحية معينة. وهو ما يجعل منهن زوجات مثاليات لبعض الرجال الباحثين عن الاستقرار والاحتواء
بالمقابل، بدأ بعض الشباب يغيّرون نظرتهم النمطية نحو المرأة المطلقة، وأصبحوا أكثر تقبلًا لفكرة الزواج منها. بل يرون فيها امرأة ذات تجربة وخبرة، وقادرة على تفهم احتياجات الرجل، خصوصًا إذا كانت مظلومة في زواجها الأول. وتنتشر بين بعض الأوساط الشبابية فكرة أن المطلقة غالبًا ما تكون أكثر تفهمًا وعقلانية وحرصًا على الشراكة الزوجية. ما يجعلها شريكة مناسبة في بناء حياة مستقرة.
وتبقى المرأة المطلقة ضحية لأحكام مسبقة ومواقف اجتماعية متوارثة لا تنصفها ولا تعطيها الحق في إعادة بناء حياتها على أسس جديدة.
ورغم أن الطلاق في حد ذاته ليس عيبًا أو خطأ، إلا أن المجتمع لا يزال يحمّل المرأة تبعاته الكاملة. ويقف حائلًا دون منحها فرصة ثانية.
ولعل التغيير يبدأ من إعادة النظر في هذه التصورات المجحفة. والانفتاح على قصص النجاح التي تحققت بفضل وعي بعض الرجال واختيارهم لشريكاتهم بناء على الكفاءة والاحترام. لا على الحالة الاجتماعية أو الماضي الذي قد لا تكون المرأة فيه مسؤولة.