يعد صيد اللؤلؤ من أبز الحرف التي يجيدها المقيمون على شاطئ الخليج العربي. خاصة أن أهل شبه الجزيرة العربية يتمتعون بعلاقة وطيدة مع مياه البحر بشكل عام. حيث تمتد الواجهة البحرية لشبه الجزيرة العربية مسافة طويلة على بحار ومحيطات مفتوحة، من الشرق والغرب، والجنوب أيضا.
ولما كان البحر عماد حياتهم والمصدر الرئيسي للرزق، فقد أصبح من الطبيعي أن تشرئب الأعناق، وتمتد التطلعات نحو اكتشاف خيرات أعماقه.
كتبت صبحة بغورة
تجاوز أهالي شبه الجزيرة العربية مرحلة صناعة قوارب الصيد الخفيفة، ليبرعوا في تطوير صناعة السفن. ويتمرسوا في فنون الملاحة البحرية، ويبتكروا أدواتها الخاصة بالإبحار البعيد والغوص لجلب اللؤلؤ، وصيد الأسماك الضخمة في المياه العميقة.
وكما توحّدت جهود أبناء القبائل العربية في مقاومة قسوة الصحراء. فكذلك أوجدت الرحلات البحرية تضامنًا وتعايشًا بينهم في رحلاتهم البعيدة. فكانت الرابط القوي الذي عزز سلوك التجاور الخلّاق لقيم التعايش والتسامح.
كما حفظ لهم أسس تماسك المجتمع المحافظ، ومثّل الحصن الحصين لعاداتهم وتراثهم. فتشكلت من طبيعة مقومات حياتهم ثقافة امتدت لمئات السنين، وولدت من واقع رحلاتهم البحرية الجماعية البعيدة. التي أكدت أصالتهم وعزّزت هويتهم أمام رياح الثقافات الدخيلة.

استخراج اللؤلؤ.. رحلة المخاطر
وكان ما سبق دافعا ومبررا لانطلاق صناعة المراكب الشراعية الكبيرة، مثل: “الجالبوت”، و”السمبوك”. وهي الحرفة المكمّلة لمهنة الغوص لجلب اللؤلؤ. الذي احتل صدارة اهتمام الأسواق العالمية.
علاوة على ذلك أصبح اللؤلؤ مادة تجارية مطلوبة، ومصدر رزق للكثير من الصيادين. لذا باتت رحلات الغوص تتطلب شروطًا خاصة. إذ غالبًا ما تكون جماعية لكونها محفوفة بالمخاطر. فيما تكون وجهتهم مناطق تكثر فيها قناديل البحر اللاسعة، وأسماك القرش، التي كثيرًا ما أصابتهم بجروح وإعاقات. أو التهمت بعضهم. فيما يفترض في جميع المشاركين أن يجيدوا السباحة، والغوص، كشرط أساسي لمزاولة هذه المهنة الخطيرة، التي تستلزم تضامنًا وتعاونًا بين عدد كبير من الأفراد.
كيف تبدأ رحلة صيد اللؤلؤ
تبدأ الاستعدادات لرحلة صيد اللؤلؤ بتجهيز السفينة الصالحة للإبحار. وتوفير أدوات الغوص للبحارة، مثل: الفطام، وهو المشبك الذي يغلق به الغوّاص أنفه. علاوة على ذلك يتم توفير الثقل أو “الجليلة”، وهو ما يربطه الغوّاص بأحد ساقيه حتى لا يطفو سريعًا، وأيضا الشمشول، وهو رداء الغوص.
كما يتم أيضا توفير النجيل، وهو الكيس الذي تجمع فيه الأصداف والمحار، واليدا، أي الحبل المتصل بالغواص. وكذلك السيب، وهو الذي عن طريقه يرفع الغوّاص إلى ظهر السفينة. كما ينم أيضا الاهتمام بتوفير المفلقة، وهي أداة شبيهة بالسكين تستخدم لفتح المحار.

الطواش والوناس والجلاس
وعلى ظهر سفينة يتجمع الرجال في وسط البحر، حيث يعيشون على وجبة واحدة مكونة من الأرز والتمر، ويرافقهم الطوّاش، وهو تاجر اللؤلؤ، والونّاس الذي يعدّ لهم القهوة، والجلّاس وهو طباخ السفينة. علاوة على النهّام الذي يؤدي الأهازيج بعد غروب الشمس، للترويح عن البحارة حتى يخلدوا إلى النوم على ظهر السفينة.
في جين تتنوع السفن بحسب الغرض من استخدامها، مثل: سفينة الجالبوت التي تصنع محليًا، وتستخدم في رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ. كما تستخدم أيضًا في الأسفار ونقل البضائع، وصيد الأسماك في المياه العميقة، إلى جانب سفينتي الشبوك والشوعي. وهما من القوارب الصغيرة التي تستعمل للتنقل السريع بين السفن الكبيرة والشواطئ. وتعتمد جميع هذه السفن في اندفاعها على الشراع والمجاديف.

وكان عرب الخليج أول من استخدم الشراع المثلث في مجال الملاحة البحرية، وكان أكبر وأجود ما يجري اصيطاده من أنواع اللؤلؤ يسمى الحصباة، وأصغرها يعرف باليكة. كما تسمى المرحلة الأخيرة للعودة إلى الديار بالقفال، وهي احتفالية تقام على طول شواطئ الخليج، ويشارك فيها النسوة والأطفال، ابتهاجًا بعودة الغائبين.