تقع مدينة الطائف، عاصمة الورد السعودية، وسط مرتفعات الحجاز، على ارتفاع يزيد عن 1700 متر فوق سطح البحر.
وترسم الطائف بعبير ورودها هوية المملكة وتاريخها العريق. كمدينة فريدة لا مثيل لها في العالم العربي.
عبير الورد الطائفي.. ثروة زراعية وعطرية
وفي كل ربيع، ومع بداية شهر مارس وحتى نهاية أبريل، تتفتح ملايين الورود الطائفية على مساحة مئات الهكتارات من المزارع المنتشرة في أرجاء المدينة وضواحيها. خاصة في مناطق الهدا والشفا ووادي محرم. وتنتج هذه المزارع البالغ عددها نحو 800 مزرعة، أكثر من 300 مليون وردة سنويًا. تقطف بعناية فائقة مع ساعات الصباح الأولى، ليبدأ بها موسم صناعة العطر والماء الوردي.
وتعرف الوردة الطائفية بصغر حجمها وكثافة عبيرها. وهي تنتمي إلى نوع “الورد الدمشقي”. ولكن مناخ الطائف الجبلي أعطاها نكهة وروحًا سعودية خالصة.
فيما تحول هذه الورود بعد قطفها إلى ماء ورد وزيت عطري فاخر عبر عملية تقطير تقليدية دقيقة. غالبًا ما تتم في قدور نحاسية داخل معامل تراثية لا تزال تحتفظ بشكلها القديم.
رمز روحي وعلامة اقتصادية
الورد الطائفي لا يستخدم فقط في صناعة العطور ومستحضرات التجميل، بل يحمل أيضًا بعدًا روحانيًا وثقافيًا. حيث يستخدم ماء الورد الطائفي في غسل الكعبة المشرفة، وهو ما يعزز من قيمته الدينية والرمزية لدى المسلمين.
كما يعد الورد الطائفي سلعة اقتصادية مهمة للمنطقة، حيث تصدَّر كميات محدودة من زيته النقي إلى الأسواق العالمية لاستخدامه في صناعة العطور الراقية، في حين يستهلك الجزء الأكبر داخل المملكة. مما يعكس مكانته الخاصة لدى السعوديين.
تحديات مناخية تهدد المستقبل
ورغم شهرة الطائف ووردها، تواجه هذه الزراعة تحديات بيئية متزايدة بفعل التغير المناخي، حيث باتت تقلبات الطقس، من برد شديد إلى فترات جفاف طويلة، تؤثر على جودة وإنتاجية المحصول. بعض المزارعين، كما صرحوا في تقارير صحفية محلية، لم يتمكنوا من حصاد أي وردة في مواسم سابقة بسبب الصقيع غير المعتاد.
صناعة متجددة وجذب سياحي متنامٍ
الجهات المختصة في السعودية، ضمن رؤية المملكة 2030، بدأت في دعم مزارعي الورد وتعزيز مكانة الطائف كوجهة سياحية زراعية فريدة. ويُقام سنويًا “مهرجان الورد الطائفي”. الذي يجذب آلاف الزوار للاحتفال بجمال الزهرة ومراحل إنتاجها، من الزراعة إلى التقطير وحتى التغليف.
وقد ساعد هذا التوجه في تنمية السياحة البيئية والثقافية، بالإضافة إلى تشجيع الشباب على الدخول في مجال الزراعة والعطور، عبر مبادرات تعليمية وتدريبية مدعومة من الجهات الرسمية والقطاع الخاص.
الطائف.. حين تفوح الأرض بعطر التاريخ
الطائف اليوم ليست مجرد مدينة ورد، بل هي حكاية تراث وصبر وعشق بين الإنسان والأرض. وبين أيدي أجيال مثل خالد الله الطلحي – أحد رموز زراعة الورد في المنطقة – يستمر عبير الطائف في الانتشار، حاملاً معه رائحة التاريخ ونبض المستقبل.