تعد الصراحة بين الزوجين العمود الفقري للحياة الزوجية الناجحة والمستقرة، إذ لا يمكن لعلاقة تقوم على الكذب أو الخداع أن تصمد طويلًا أمام تحديات الحياة. فالصراحة تعزز الثقة، وتبعد الشك، وتبني جسور التفاهم بين الطرفين. بينما يهدد الكذب كيان الأسرة وقد يؤدي بها إلى الانهيار.
كثير من الأزواج والزوجات يترددون في كشف بعض جوانب ماضيهم أو تفاصيل حياتهم السابقة، خوفًا من ردة الفعل أو حرصًا على استقرار العلاقة. غير أن المصارحة، في جو من الوعي والنضج، أمر ضروري، إذ لا يمكن تصور حياة زوجية صحية تخلو من الصراحة الكاملة، فبعد الزواج يفترض أن يتحول الزوجان إلى روح واحدة في جسد واحد، لا تخبئ الروح عن الجسد أسرارها.
بعض الأزواج يمتنعون عن السؤال عن ماضي زوجاتهم، معتبرين أن الماضي ملك لصاحبته، ولا ضرورة لنكئه، خاصة بعد أن أصبحت زوجته شريكة حياته، وذلك منعًا للوساوس والشكوك التي قد يزرعها الشيطان في النفس، فتحدث فجوة قد يصعب ردمها. وينبغي للرجل إن أراد أن يعرف تفاصيل عن ماضي شريكته، أن يفعل ذلك في فترة الخطوبة، لا بعد الزواج حين تصبح العلاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.
أهمية الكتمان
بالمقابل، هناك من الزوجات من يجدن في الكتمان راحة وطمأنينة، لكن منهن من يفضلن المصارحة الكاملة، حتى فيما يخص علاقات العمل أو المعارف، فيخبرن أزواجهن بتفاصيل علاقاتهن الخارجية في حدود الاحترام. وتبني هذه العلاقة على قناعة تامة بأن المصارحة هي الأساس المتين الذي يمنح الثقة ويطرد الشك، ويمنع تراكم الظنون التي قد تؤدي إلى صراعات متكررة.
وينصح الخبراء الفتيات في فترة الخطوبة بالحذر من الإفراط في الصراحة، خاصة في الحديث عن علاقات سابقة أو أشخاص تقدموا لخطبتها، لأن الرجل الشرقي — وإن بدا متحررًا أو متعلمًا — يبقى محكومًا ببعض التقاليد والأفكار التي قد تدفعه إلى فسخ الخطوبة أو التعامل بحساسية مفرطة مع هذه الأمور بعد الزواج، ما قد يقود إلى شجار دائم أو حتى انفصال.
أما في الجانب المالي، فبعض الأزواج لا يرون ضرورة في كشف جميع مصادر دخلهم لزوجاتهم، تفاديًا لزيادة الطلبات أو النفقات غير الضرورية، ما قد يولد خلافات حادة في حال عدم التفاهم، وقد يؤدي ذلك إلى تنازل الزوج عن احتياجاته لتلبية طلبات زوجته، أو إلى الطلاق الصامت.
دعامة أساسية
رغم ذلك، يجمع كثير من علماء الاجتماع على أن المصارحة هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها البناء الأسري، فهي تخلق بيئة من الثقة والاستقرار، وتسهم في تربية الأبناء تربية سليمة قائمة على الصدق وتحمل المسؤولية. فالأب، بحكم موقعه، هو القدوة والمصدر الأول لسلوكيات الأبناء، وكذلك الأم، التي تدير شؤون البيت وتغرس القيم في نفوس أطفالها.
إن المصارحة بين الزوجين ليست مجرد تبادل للكلمات، بل هي ترجمة حقيقية للمصداقية، والأمانة، والوعي المشترك، وتحمّل المسؤولية تجاه الأسرة بأكملها، وهو ما ينعكس إيجابًا على الأبناء في مستقبلهم وسلوكياتهم.