صبحة بغورة
إن قوة الخيال وحب الاستطلاع لدى الأطفال يعدان من أهم العوامل التي تغذي فضولهم الطبيعي، وتدفعهم للبحث الدائم عن وسائل جديدة لتعميق الفهم، واكتساب المهارات، والنضوج العقلي والعاطفي. ففي مرحلة الطفولة، يحتل حب الاستطلاع مكانة متقدمة في سلوك الطفل، حيث يظهر هذا الميل بوضوح لدى الرضّع منذ عمر الشهرين إلى أربعة أشهر، حين يبدأون بالتحديق المطول في الألعاب أو الأشياء المعلقة فوق أسرّتهم أو تلك التي تتدلى من رقبة أمهاتهم.
ومن خلال هذا التركيز البصري، يبدأ الطفل في استكشاف العالم من حوله. لينتقل حب الاستطلاع تدريجيًا من العين إلى اليد في منتصف سنته الأولى، فيبدأ بتقليب الأشياء وتحريكها وضربها بأثاث المنزل لاختبار تفاعلها. كما يحاول تذوقها بوضعها في فمه، مستعينًا بحواسه لاكتشاف خصائص الأشياء المختلفة.
ومع بلوغ الطفل عامه الثاني، تمنحه مهارة المشي حرية حركة أوسع، فتزداد رغبة الاكتشاف لديه. يدفعه فضوله إلى فتح الخزائن، وسحب الأدراج، وتناول ما على الرفوف، والدخول إلى المطبخ لتفحص محتوياته. كما يبدأ بتجربة قدراته الجسدية من خلال تسلق درجات السلم، والكراسي، وأثاث الصالونات. ودفع أو سحب كل ما هو غير مثبت بإحكام. كذلك، يواصل اختبار الأواني المنزلية، مما يعكس نشاطه الاستكشافي المتزايد.
في مرحلة ما قبل المدرسة، تصبح تجليات الخيال أكثر وضوحًا من خلال أنواع الألعاب التي ينشغل بها الأطفال يوميًا. إذ يختلقون قصصًا أثناء لعبهم ببناء البيوت البلاستيكية، والتي ترمز لديهم إلى الحياة العائلية. في هذه الألعاب الرمزية، يقوم الطفل الذكر بتقليد دور الأب، فيما تتقمص الطفلة دور الأم. وتكون اللعبة المفضلة هي الطفل الرضيع. أثناء أداء هذه الأدوار، يقلد الطفل ما يشاهده من سلوكيات يومية لوالده، مثل تناول الفطور، تشغيل محرك السيارة، ارتداء المعطف استعدادًا للخروج إلى العمل. بينما تقلد الطفلة روتين والدتها اليومي.
مسؤولية الأم
كما تقع على عاتق الأم مسؤولية كبيرة في توجيه طفلها وتعليمه هذه الأدوار، عبر تقديم القدوة والاستجابة لفضوله. ما يمكنه من السير بخطى ثابتة نحو اكتساب المهارات والفهم عبر التمثل بالكبار. ومع تقدم الأبناء في السن ودخولهم سنوات الدراسة، تتطور اهتماماتهم، وينتقل خيالهم وألعابهم تدريجيًا بعيدًا عن أجواء العائلة. فيبدأون بالاهتمام بالطبيعة والعلوم والتكنولوجيا، ويحلمون بالاختراعات والإنجازات البطولية.
والخيال في الطفولة ليس مجرد مظهر ترفيهي عابر أو متعة سطحية، بل هو عنصر حيوي وأساسي في النمو العقلي والعاطفي. وليس كل الأطفال يمتلكون خيالاً خصبًا بنفس الدرجة؛ إذ تتفاوت قدراتهم في هذا المجال. لكن عندما يكون الطفل صاحب خيال نشط، غالبًا ما يكون ذلك نتيجة بيئة عائلية داعمة توفر له الحب، والاستجابة لاحتياجاته، وتشجعه على النشاط العقلي المستمر.
ويعتبر الخيال العلمي لدى الأطفال من أهم المحفزات لتطوير شخصية نشطة وحيوية، وهو مؤشر على تمتع الطفل بذكاء جيد وقدرة على الابتكار. فالخيال يعد دافعًا قويًا للنمو والنضوج، ويساعد الطفل على رؤية المعاني العميقة الكامنة في تجاربه اليومية، ويفتح أمامه آفاقًا واسعة لاستكشاف مناطق جديدة من المعرفة.