من عبق التاريخ إلى حاضر الأناقة.. البخور والعطور في ذاكرة المرأة العربية

البخور والعطور
البخور والعطور

يعد الشرق هو مهد البخور والعطور، وهو مرتبط بالطقوس والنصوص الدينية القديمة. وقد اقترنت الأطايب والعطور منذ العصور السحيقة، بكثير من مقومات الحياة اليومية. فكانت رمزًا للأناقة والنظافة وعلامة من علامات الترف لدى مختلف الشعوب.

كتبت صبحة بغورة  

كما غدت الروائح الطيبة المنبعثة من احتراق المركبات العضوية لبعض النباتات قديمًا، مثل: “الراتينج”، الأصل الذي تطوّرت منه منتجات الروائح العطرة. التي ميّزها الإنسان منذ أقدم الحضارات، كالصينية، والهندوسية، والفرعونية، واليونانية، والرومانية، والعربية. بينما كان العرب أول من برعوا في صناعة العطور، حتى أصبحت جانبًا مهمًا من جوانب حياتهم.

وكان العرب أول من استخدموا تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهر، قبل أكثر من 1300 عام، فظلت البخور والعطور، ولا تزال تستعمل منذ آلاف السنين في الطقوس والاحتفالات. ويُقال إن آلاف الكيلوجرامات من البخور قد أُحرقت في المعابد عام 2000 ق.م، وأنه قد عُثر على أنواع شتى من العطور في أضرحة الفراعنة.

العطور إبداع أندلسي

وفي عصر ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في بلاد الأندلس، أبدع العرب في استخدام العطور، وضربوا بها الأمثال في الشعر والنثر للتعبير عن الحب والغناء، واصفين العطور بـ”غيمة المطر”. وكانت النساء يرششن في البيوت عطرًا للصباح، وآخر لما بعد الظهيرة، وثالثًا للمساء والسهرات، ولم يكن ذلك ترفًا بقدر ما كان ذوقًا وأناقة واحتفاءً بسحر الطبيعة وجماليات الحياة، وتهذيبًا للعقل من خلال تهذيب حاسة الشم.

وتتصدر منتجات البخور العربية قائمة الهدايا في رمضان والأعياد والمناسبات السعيدة، لا سيما حفلات الزفاف، وذلك لما تحمله من دلالة على المحبة والرحمة بين الأهل والأقارب. فيما تشمل هذه المنتجات العود والعنبر والمسك وزيوت العود بمختلف أنواعها، فضلًا عن العطور الشرقية والفرنسية. وتقوم كثير من النساء في المملكة العربية السعودية بصناعة البخور والعطور في منازلهن يدويًا. دون اللجوء إلى أي إضافات كيميائية، حتى وإن كانت تخفض التكاليف، حفاظًا على جودة المنتجات وأصالتها، فصارت منتجاتهن رمزًا للعراقة والتميّز. ومن بين أشهر هذه المنتجات “المعمول”.

وهذا نوع من البخور في شكل أقراص لينة تدل على طبيعتها الطبيعية، أما العود المعطّر، فهو بخور ممزوج بمسك الغزال، أغلى أنواع المسك وأجودها في العالم، ويخلط بعدد من الزيوت كزيت العود الكمبودي والعطور الفرنسية، إذ يصعب تحمل رائحته منفردًا. كذلك يعد بخور العود الهندي المخلوط بالعنبر من أشهر الأنواع. وتصنع معطرات الجسم وغرف النوم من مواد طبيعية خالصة، مثل: ماء الورد الخام، دون أي إضافات كيميائية، وتتكون من الزيوت والكريمات المعطرة بخليط من المسك والعود والورد الجوري وأنواع مختلفة من الورود، وتدوم رائحتها على الجسم لمدة عشرة أيام.

البخور والعطور ورموز الأزهار

علاوة على ذلك ارتبطت الأزهار، برموزها وأنواعها، بالعطر كما ارتبطت بالفن والحياة، فيوحي بعضها بعطر الحبيب أو بعطر الحياة نفسها. ويزخر الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى العصر الأندلسي، بصور حسية تنتمي تحديدًا إلى حاستي الشم واللمس. وقد احتل دهن العود العربي مكانة خاصة بين العطور. حتى أن الأوروبيين اقتبسوا منه عددًا من العطور الشرقية. واشتهرت مدينة الطائف. هذا إلى جانب حاصلاتها من الفواكه والزيتون والعسل، بورودها وعطورها التي كانت تمد أهل مكة بما يحتاجون من الطيب. وكانت مهنة بيع البخور والعطور من المهن المحترمة لدى العرب،

 

البخور والعطور
البخور والعطور

 

فيما يقال إن أبا طالب، عم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان تاجرًا في العطور. كما أسهمت نساء مكة في صدر الإسلام في هذه التجارة، ومن بينهن أسماء بنت مخربة، أم أبي جهل، التي كانت تتاجر مع القادمين إلى الشام. واشتهرت في بيع العطور امرأة تدعى “منشم” التي أصبحت مضرب المثل في الشؤم. أما النساء الجاهليات. فكن يلطخن أجسادهن بالعطور، وينشرن الطيب في الفراش. كما أنهم في الأعراس العربية قديمًا، كانت توضع الدنانير في أوانٍ فضية، والدراهم في أوانٍ ذهبية، وتحفظ أوعية المسك والعنبر في أوعية زجاجية، وتوزع على الناس، وتوقد شموع العنبر في أنوار من ذهب.

ومن أبرز النباتات المعروفة بأرض العرب منذ القدم نبات الآس، طيب الرائحة، وقد ورد ذكره في النصوص المسمارية والجداول النباتية منذ الألف الثالثة قبل الميلاد. وله استعمالات طبية كثيرة، ويستخرج منه عطر يعرف بـ”زيت الآس”. وكان اليونانيون والرومان يقطعونه ويستعملونه في الزينة خلال الولائم والأفراح، إذ كان لديهم رمزًا للحب والمودة.

بينما شهدت صناعة الأدوية والعطور تقدمًا ملحوظًا في عهد الطولونيين والإخشيديين. إذ تطلب إعداد الروائح العطرية أدوات أشبه بما يستعمل في علم الكيمياء. وكان العرب واسعِي الاطلاع في علم النبات، فأنشأوا الغابات والحدائق والبساتين، وعرفوا أنواع النباتات وفصائلها ومزاياها، وزرعوا الرياحين والورود والأزهار، واستخلصوا منها العطور بالتقطير.

صنفت العطور إلى أربعة أصناف هي:

العطور الحيوانية، المستخرجة من الحيوانات كالمسك والعنبر. والتي تستخلص من الزيوت النباتية. علاوة على ذلك توجد العطور المركبة، وهي خليط من مواد عطرية متعددة، تكسبها رائحة مميزة. وأخيرا العطور الصناعية، وهي ما يصنعه الكيميائيون في المختبرات، فيما تمتاز بعبير متنوع وجذاب.

وفي فترة ازدهار الزراعة خلال العصر العباسي، تعاظمت الخبرات الكيميائية الدقيقة في مجال العطور. وتوسّعت صناعة استخراج الزيوت العطرية من الورد والزنبق والبنفسج والياسمين.

وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوتس أن بلاد العرب كانت تفوح بالعطور والبخور والأطايب، وكانت المصدر الرئيسي لإنتاج المر والقرفة واللادن واللبان، حتى إن جنوب الجزيرة العربية أطلق عليه اسم “بلاد الأطايب”.

وكان المصريون القدماء يستوردون اللبان من هناك، لاستخدامه في الهياكل وتحنيط الموتى. وتعد أفضل أنواع أزهار البلسان، هي تلك التي تستخرج من الأشجار قرب مكة المكرمة.

وقد اشتهرت قبائل عربية عديدة بتجارة العطور، منها “قبيلة الباي” في حضرموت، التي كانت لها الصدارة في تجارة اللبان والعطور، ولا تزال من أبرز مصادر هذه التجارة لما تحتويه أراضيها من وفرة في الأشجار العطرية وتنوعها.

ومن أهم النباتات التي تستخلص منها العطور في المملكة العربية السعودية الورود، والياسمين، والقرنفل، والنعناع، والبنفسج، والكافور، والليمون، واللارنج، والبرتقال، والصنوبر. وتستخرج منها جميعًا المركبات العطرية والزيوت العضوية القابلة للتقطير، التي تعد أساس صناعة العطور الحديثة.

 

الرابط المختصر :