لطالما ساد في ثقافتنا، لا سيما في المجتمع الحديث، ميلًا إلى ربط القيمة الشخصية بعوامل خارجية متقلبة: وظائفنا، أو نجاحنا المهني، أو دعمنا المالي للعائلة، أو علاقاتنا، أو مكانتنا الاجتماعية. نحن نستخدم هذه الإنجازات لمنح أنفسنا “هدفاً”، وكأن قيمتنا تحدد بمدى استحقاقنا للوجود بناءً على ما نقدمه للآخرين. لكن هذا السعي المستمر وراء التقدير الخارجي غالبًا ما يقود إلى شعور مزمن بـ”النقص”، حتى بعد تحقيق أعلى المراتب. نصعد إلى قمة الجبل، لندرك أننا ما زلنا نبحث عن شعور “الكفاية” المراوغ.
السؤال الجوهري الذي يجب أن نطرحه: ماذا لو كنت جديرًا لمجرد وجودك؟ ماذا لو كانت قيمتك متأصلة وغير قابلة للتفاوض، ولا يمكن لأي مبلغ من المال أو المكانة أو الخدمة أن يعوضها أو ينقص منها؟
الفصل بين القيمة الذاتية والقيمة المضافة (قانون التعويض)
ووفقًا لـ”foreverroyalty” هناك خلط شائع بين القيمة الذاتية (Self-Worth) والقيمة المضافة للآخرين (Value Added). كثيرون يعيشون بمبدأ: “ما دمت أقدم شيئًا، فأنا أمتلك قيمة”.
وهنا يظهر قانون التعويض: “إن القيمة التي تُضيفها للآخرين هي التي تحدد ما تتلقاه في المقابل—سواء كان مالاً، فرصاً، نفوذاً، أو مكانة. على سبيل المثال، موسيقي موهوب يحصل على أجر كبير لأنه يخلق قيمة عالية للمستمعين. هذا لا يجعله “أكثر استحقاقاً” كإنسان من شخص غير مشهور. إنه ببساطة يعرف كيف يخلق قيمة أكبر للسوق.
إن ربط قيمتك بأشياء مثل نجاح أطفالك، أو إبداعك الفني، أو وظيفتك، هو إستراتيجية جيدة لضمان نجاحك في تلك المجالات. لكن ماذا يحدث عندما تتغير هذه العوامل الخارجية بطرق لا يمكنك التحكم بها؟ ماذا إذا لم تُعجب الناس بموسيقاك فجأة؟ هل تفقد أهميتك؟
إن التحقق الخارجي غير مستقر ولا يمكن التحكم به، ولذلك يجب ألا يكون مصدر تحديد قيمتك.

الانتقال من “الفعل” إلى “الوجود“
ويكمن السر في ربط قيمتك بـالأشياء التي لا يمكن أن تسلب منك، وأبرزها هو وجودك (Being).
هذه العقلية الجديدة تحول التركيز من الفعل (“يجب أن أكسب قيمتي”) إلى الوجود (“أنا جدير لأني موجود”). عندما تربط جدارتك بحضورك، لا يمكن أن تُسلب منك قيمتك إلا إذا توقفت عن التواجد مع نفسك. هذا يضعك في موقع سيطرة كاملة على مشاعرك بالقيمة الذاتية.
التحول إلى هذه العقلية له نتائج عميقة:
- الرضا والاكتمال: تشعر بالرضا حتى وأنت مسترخٍ، تلعب، أو تشاهد التلفزيون. أنت مهم مهما كان ما تفعله أو لا تفعله.
- الإبداع المدفوع بالرغبة: تنتقل من الإبداع بدافع الخوف (“أخشى أن أشعر بعدم القيمة إن لم أُنتج”) إلى الإبداع بدافع الفضول والرغبة الداخلية.
- المرونة العاطفية: تشير الدراسات إلى أن تبني التعاطف مع الذات (معاملة النفس بلطف) يقلل من الآثار الضارة للكمال والقلق والإرهاق، ويطور آليات تكيف صحية.
| العقلية القديمة (التحقق الخارجي) | العقلية الجديدة (القيمة الجوهرية) |
| “يجب أن أكسب قيمتي من خلال الإنجاز” | “أنا جدير لمجرد أنني موجود” |
| النتيجة: الإرهاق، الخوف، عدم الاستقرار العاطفي. | النتيجة: السلام، الثقة بالنفس، الإبداع دون خوف. |
تحدي التحول وإعادة برمجة العقل الباطن
إن تطوير عقلية القيمة الجوهرية ليس سهلًا؛ لأنه يتطلب التقبل والثقة والاستسلام لمفهوم أنك لا يمكن أن “تخطئ” بشكل جوهري.
ولإعادة برمجة عقلك الباطن، تحدى نظام معتقداتك الحالي:
- الوعي الذاتي: حددي بدقة المعتقدات التي تربط قيمتك بعوامل خارجية (النجاح، المظهر، العلاقات).
- استشعار المعتقدات: اجلسي مع تلك المعتقدات والمشاعر التي تثيرها.
- التأكيدات: عززي فكرة أن وجودك وحده يكفي؛ أنت كامل وكافٍ بالفعل.
- الثقة والاستسلام: ثقي بأن قيمتك مستقلة ودائمة، وأنك تستطيعين الإبداع والقيادة دون التشكيك المستمر في قيمتك.
عندما تفصلين قيمتك الشخصية عما تفعليه، تشعري بحرية أكبر في مجرد الوجود. ومن المفارقات، أنك ستصبحين أكثر إنتاجية وإبداعًا وتأثيرًا، لأنك الآن تتحركي بدافع الرغبة الداخلية لا بدافع الخوف من فقدان القيمة. الرحلة هي الانتقال من السعي وراء القيمة إلى تجسيدها.

















