تعد منطقة القطيف، الواقعة على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية. حاضنة لتاريخ عريق وثقافة غنية تتجلى في أدق تفاصيل حياة سكانها. ومن أبرز هذه التفاصيل الأزياء التقليدية والحلي. فما يرتديه أبناء وبنات القطيف ليس مجرد أقمشة أو معادن، لكنه مرآة تعكس هوية متجذرة. تجمع بين الأصالة المتوارثة وروح الحداثة المتجددة.
بينما لا تعد هذه القطع الفريدة مجرد زينة، بل هي سرد لحكاية حضارة. ومزيج متناغم يروي قصة التطور والتكيف مع الحفاظ على الجذور.
أزياء المرأة القطيفية
في حين تتميز أزياء المرأة القطيفية بتنوعها وجمالها؛ إذ تبرز فيها الألوان الزاهية والتطريزات الدقيقة التي تحكي قصصًا من الماضي.
كما من أبرز القطع التي لا تزال تحظى بمكانة خاصة هو الثوب النشل، الذي يعد أيقونة للأناقة التقليدية. يصنع هذا الثوب عادة من قماش التور أو الشيفون، ويزين بتطريزات ذهبية أو فضية باهرة، تعرف محليًا بـ”الخوص”، على الصدر والأكمام وأسفل الثوب.
ورغم أن النشل كان يتم ارتداؤه في المناسبات الكبرى كالأعراس والأعياد فإن المصممين المعاصرين في القطيف بدأوا دمجه في تصميمات أكثر حداثة. باستخدام أقمشة خفيفة وتطريزات أقل كثافة ليتناسب مع الاستخدام اليومي أو المناسبات الأقل رسمية. ما يمنحه بعدًا عصريًا دون المساس بجماليته الأصيلة.
وإلى جانب النشل نجد العباءة، التي وإن كانت رمزًا للحشمة في عموم المملكة. إلا أنها في القطيف تأخذ طابعًا خاصًا.
وبجانب العباءات السوداء الكلاسيكية تنتشر العباءات الملونة أو تلك التي تزينها تطريزات بسيطة. أو نقوش مستوحاة من التراث البحري للمنطقة، مثل: أشكال اللؤلؤ أو الأسماك.
كما أصبحت العباءات المفتوحة التي تلبس فوق الفساتين العصرية شائعة. ما يتيح للمرأة القطيفية الجمع بين الستر والأناقة المعاصرة.
فيما تؤدي الأقمشة الفاخرة، مثل: الحرير والشيفون والدانتيل. دورًا كبيرًا في إضفاء لمسة من الرقي على هذه الأزياء. مع الحرص على استخدام أقمشة تسمح بمرور الهواء. وتناسب الأجواء الحارة والرطبة في المنطقة.
أناقة الرجل القطيفي بين البساطة والرصانة
كما لا تقل أزياء الرجل القطيفي أهمية عن أزياء المرأة في عكس هويته الثقافية. ويظل الثوب السعودي أو “الدشداشة” هو الزي الرسمي والأكثر شيوعًا للرجل في القطيف, تمامًا كما هو الحال في بقية مناطق المملكة.
في حين يتميز الثوب القطيفي بقصته المريحة وألوانه الفاتحة. مثل: الأبيض والبيج في فصل الصيف، بينما تتجه الألوان إلى الداكنة في الشتاء كالبني والرمادي.
وما يميز الثوب في القطيف غالبًا هو الرصانة والبساطة في التصميم. مع الاهتمام بجودة القماش والخياطة.
وإلى جانب الثوب تكتمل أناقة الرجل بـالغترة أو الشماغ والعقال. وتختلف طريقة ارتداء الغترة أو الشماغ قليلًا من منطقة لأخرى. ففي القطيف قد يميل البعض إلى لف الغترة بطرق تختلف عن باقي المناطق، أو استخدام غتر ذات نقوش معينة تعكس الطابع المحلي.
وفي المناسبات الرسمية يرتدي الرجل البشت الفاخر، وهو عباءة رجالية تصنع من الصوف أو الوبر وتزين بالتطريزات الذهبية أو الفضية، وتعد رمزًا للمكانة والوقار.
ورغم التمسك بهذه الأزياء التقليدية نجد أن الشباب في القطيف يفضلون تصميمات أكثر عصرية في الثوب، مع قصات أضيق أو تفاصيل بسيطة تتماشى مع الموضة الحديثة. ما يمزج بين الأناقة التقليدية واللمسة الشبابية.
“الحلي” بريق يروي تاريخ اللؤلؤ والذهب
لا تكتمل الصورة الجمالية للأزياء القطيفية إلا بـالحلي التي تضفي بريقًا خاصًا وتعكس الثراء الفني للمنطقة. ولطالما اشتهرت القطيف بكونها مركزًا رئيسيًا لتجارة اللؤلؤ في الخليج العربي، وهذا التراث يتجلى بوضوح في تصميمات الحلي التقليدية.
وكانت اللآلئ الطبيعية هي المادة الأساسية التي تزين بها المرأة القطيفية نفسها، ولا تزال تحظى بمكانة خاصة حتى اليوم.
بينما تتنوع الحلي التقليدية بين المرتعشة، وهي قلادة كبيرة مزينة باللؤلؤ والذهب، والشناف الذي يزين مقدمة الرأس، والحجول أو الخلاخيل التي تزين القدمين، والزماط وهو سوار عريض يلبس في المعصم.
هذه القطع غالبًا ما تكون مصنوعة من الذهب الخالص وتتميز بنقوش وزخارف دقيقة مستوحاة من الطبيعة المحيطة أو الفن الإسلامي. ومع مرور الوقت بدأت تلك التصميمات تتطور لتشمل: الذهب الأبيض والألماس والأحجار الكريمة الأخرى، إلى جانب اللؤلؤ الصناعي؛ لتناسب الأذواق العصرية والميزانيات المختلفة.
مزيج فريد من المحلات التقليدية والمصممين الشباب
تشهد سوق الحلي في القطيف اليوم مزيجًا فريدًا من المحلات التقليدية التي لا تزال تصنع القطع بنفس الأساليب القديمة، والمصممين الشباب الذين يقدمون تصاميم مبتكرة تجمع بين الطابع الشرقي الأصيل والخطوط الحديثة البسيطة.
هؤلاء المصممون يعيدون إحياء القطع التقليدية بلمسة عصرية، مثل: تحويل أجزاء من المرتعشة إلى قلادات بسيطة، أو دمج نقوش الشناف في أقراط أو خواتم حديثة. هذا المزيج يضمن أن تظل هذه الحلي جزءًا حيويًا من الهوية الثقافية للمرأة القطيفية؛ إذ يمكنها اختيار ما يناسب ذوقها ومناسبتها، سواء كانت تفضل الأصالة الكاملة أو الابتكار الممزوج بالتراث.