ما يعرفه الإنسان عن الصابون أنه وسيلة تنظيف، يستخدم لغسل اليدين والجسد، غير أن له في لبنان نظرة يتجاوز فيها كونه أداة تنظيف فقط. ليكتسب أبعادًا أخرى ووظائف متعددة، فالصابون في لبنان خرج عن مفهومه التقليدي ليصير فنًا وثقافة وقصصًا تدخل ضمن صفحات التراث.
فمنذ اكتشاف الصابون من أكثر من ثلاثة آلاف سنة اشتهرت بلاد الشام بتصدير الزيتون والصابون الحرفي الذي كان يزين بنقوش. مثل اسم العائلة أو التاريخ أو الختم أو بأي رموز تدل على معرفة مصدره ونوعيته أو مكوناته.
تصنف صناعة الصابون في لبنان ضمن صناعات الدرجة الأولى وتمتد عبر مناطق الكورة، وحصابيا في البقاع الغربي، والشوف. وأشهر مناطقه مدينة صيدا التي تعتبر مركزًا مهمًا وأساسيًا في صناعة الصابون.
متحف الصابون
يسرد هذا المتحف الذي يقع بمنطقة السوق الشعبية القديمة في مدينة صيدا تاريخ حكاية الصابون الممتدة من حلب السورية إلى نابلس الفلسطينية. ويلقي الضوء على مراحل تصنيعه، ويبدأ بمواده الأساسية إلى تنوع أشكاله واختلاف خصائصه وفوائده العديدة.
يمتلك المتحف تاريخًا وعراقة تعود إلى القرن السابع عشر، وكانت أول مصبنة في صيدا تعود للمفتي الشيخ جلال الدين. ولكنها اليوم خالية من الحياة والإنتاج لما تعرضت من تدمير نتيجة الحروب والغزوات.
اما مصبنة “عودة” تبدأ قصتها من تأسيسها على يد عائلة حمود في منتصف القرن السابع عشر. وكانت وظيفتها في البداية أن تلبي حاجات السكان المحليين والمجاورين لمدينة صيدا وحمامات المدينة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر انتقلت ملكية المصبنة إلى آل عودة، وهي عائلة كبيرة ومعروفة. استمر العمل في انتاج الصابون حتى عام 1975 ثم توقف وأغلق أبوابه نتيجة الحرب الأهلية في لبنان. ثم قامت عائلة ريمون عودة بإعادة تأهيل المعمل وتحويله في عام 1996 إلى متحف للصابون.
بهدف صون هذا التراث والمحافظة على أقدم الحرف اليدوية في صيدا وهو واحد من المتاحف النادرة في الشرق الأوسط وله مثيل وحيد في فرنسا. ويعتبر المتحف مقصدًا سياحيًا يقصده الزوار للحصول على الصابون المصنوع من زيت الزيتون. ومع مرور الوقت تحولت صناعة الصابون من مهنة إلى حرفة يدوية ثم إلى فن، ثم إلى علاج طبيعي، ثم إلى متحف للصابون.
الصابون.. صناعة وفن وعلاج
يكتسب الصابون المصنوع من زيت الزيتون شعبية واسعة وإقبالًا عالميًا، لنظافته ونقاوته وميزاته الطبيعية والزيتون من الأشجار المعمرة المهمة في لبنان مثل شجرة الأرز، لقد جمعت صناعة الصابون الشباب والكهول، وكانت نموذجًا لانتقال الخبرة من الأجداد إلى الآباء، ثم إلى الأبناء والأحفاد، وقد دخلها الفن من خلال النقوش والأشكال والرموز، والصابون يُشكل جزءًا من عادات وتقاليد القرويين، ويذكّر برائحة التراث اللبناني القديم.
الفوائد الصحية للصابون اللبناني
وللصابون المكون من زيت الزيتون والغار مع مكونات طبيعية أخرى مثل النعناع، الشاي الأخضر، بنفسج البابونج، الزعتر، الفريز، إكليل الجبل. العسل والأعشاب الأخرى تساعد على تنظيف الوجه وشده من جهة، ويفيد من جهة أخرى في معالجة الفطريات في كامل الجسم. ويساعد في الحد من تساقط الشعر، ويعالج القشرة، ويستعمل في ترطيب الجسد وفي علاج الإكزيما وحساسة الجلد.
تعرض بالمتحف الأدوات التقليدية التي تستعمل في صناعة الصابون بزيت الزيتون وفي صبه القوالب وتقطيعه، كما يستعرض مراحل التصنيع، والتطورات التي طرأت على تصنيعه بالوسائل الحديثة مع المحافظة على قيمة ومكانة الأدوات القديمة.
إن صناعة الصابون عمود من أعمدة التراث اللبناني الذي يؤكد بداية تلك الحرفة وتطوره فيه، وقد بات الناس يحتفظون بالصابون كزينة في المناول تفوح منه رائحة العطر، ومنهم من يستعمله كهدايا جميلة شكلًا ورائحة يتبادلها الأشخاص في المناسبات بما يمتلكه من قيمة تراثية وفنية وعلاجية.




















