فيلم «the platform».. فن الغرابة

ربما تشعر، وأنت في بداية مشاهدة فيلم «the platform»، للمخرج الأسباني «جالدير جاستيلو أوروثيا»، والذي تم عرضه للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان تورنتو السينمائي الدولي خلال سبتمبر من عام 2019، أنك بإزاء فيلم يندد بالطبقية.

ويقف في وجه انعدام المساواة، فالجملة الأولى فيه والتي تأتي على لسان ترماغسي (الممثل Zorion Eguileor) هي: «أن هناك ثلاثة أنواع من البشر في هذا العالم، مَن هم بالأعلى، ومَن هم بالأسفل، ومَن يسقطون».

لكن الحكاية أعمق من كونها عن الطبقية، أو حتى عن تعسف السلطة، إنها عن الإنسان ذاته، بكل ما فيه من خير وشر، عن شجعه وإيثاره، عنه كشيطان وملاك في الوقت ذاته.

مشهد البداية لافت إلى حد كبير؛ حيث يبدأ بتصوير دقيق ومفضّل لعين غورينج؛ السجين الذي استيقظ لتوه ليجد نفسه شريك تريماغسي في زنزانته، والعبرة من هذا التصوير الدقيق للعين، هي، أنها أداة كشف الروح، واكتشاف العالم أيضًا؛ ففي كل شهر يتم تنويم كل نزلاء هذه المنصة، الحفرة، أو «المركز العمودي للإدارة الذاتية»، كما تسميها الإدارة، ليجدوا أنفسهم بعدما يستيقظون في أحد هذه المستويات.

كل الحكاية، في بساطتها، تتعلق بطاولة طعام كبيرة تهبط من أعلى، من قِبل الإدارة، وتتوقف عند كل مستوى وقتًا محددًا ثم تهبط إلى المستوى الذي يليه حتى تصل إلى النهاية، ولأن الإنسان جشع بطبيعته، فإن من هم في المستويات يسرفون في تناول الطعام، فيضطر الذين في الأسفل إلى فعل كل القبائح، ومن بينها أكل بعضهم البعض إن لزم الأمر.

«بطبيعة الحال».. هذا هو واقع الحال!!

هذه الجملة «بطبيعة الحال» كان يريماغسي يكررها دائمًا، حتى وهو يتحدث عن تناوله جثة ما، وكأنه أمر بديهي، إن لم ستأكل سأموت، ومن ثم لابد أن آكل كل شيء.

ولعل المغزى من ترديد هذه الجملة هو الإشارة إلى أن الإنسان يعتاد كل شيء، طالما أنه وُجد في ظروف تفرض عليه ذلك، وخير مثال على ذلك هو غورينج؛ الذي أتى إلى هذه الحفرة حاملًا كتاب: العبقري النبيل لدون كيخوتي، ثم ما لبث أن تناول لحم صديقه تريماغسي حالما اضطر إلى ذلك.

التضامن العفوي

لو كان لدى هذه الحفرة أو «المركز العمودي للتضامن العفوي» شيئ تريد أن تعلّمه فهو التضامن العفوي، أي أن يتضامن من هم في المستويات العليا مع من هم في المستويات الدنيا حتى يجدوا ما يقتاتون عليه، لكن هل هذا يحدث؟! ما يحدث هو العكس، والمؤكد أن هذا التضامن غير موجود لا في هذه الحفرة ولا في الخارج، والفيلم تشخيص لهذه الحالة، كما تشخيص لأمور جمة، لا يتسع المقام لذكرها.

والغريب أن شتى الوسائل لم تفلح في ترسيخ وتعزيز هذا التضامن العفوي، لا الإقناع ولا الهزيمة والقوة، فـ غورينج الذي قرر أن يؤسس نظامًا في هذه الفوضى لم يستطع الصعود إلى ما فوق بعدما وصل إلى قاع الحفرة.

ولعل هذه إشارة يائسة مفادها: أن أولئك الذين يحاولون تعديل المسار، وخلق نظام من قلب الفوضى، ورعاية الإنسان الموجود بداخلنا لن يكون له مصير سوى البقاء في القاع.

الفيلم إشارة إلى أن الذئب في الإنسان مستفحل جدًا، وأن مسار الإنسانية منحرف حتى النخاع، ومحاولات الإصلاح عسيرة ومكلفة أيضًا.

اقرأ أيضًا: فيلم «The End of the Affair».. حين تجتمع المتناقضات