صبحة بغورة تكتب: نور القلوب يحيي الشجاعة و الأمل

يقف الأولياء منهارين أمام تعرض أبنائهم إلى أبسط المشاكل الصحية وهم زينة الحياة الدنيا وهبة ونعمة من عند الله تعالى وأمانة يجب المحافظة عليهم والاعتناء بهم في كل الظروف، فكيف لو تعرضوا للأمراض الخطيرة الفتاكة وتلك التي تسبب الإعاقة، إنها الصدمة الكبرى للوالدين عندما يعلمهما الطبيب بحقيقة الوضع الصحي الصعب لطفلهما وحالته المرضية الحرجة.

ترى كيف هي يوميات الأم بعد أن تأكدت أن طفلها معاق حركيًا، وأن لا علاج له سوى الصبر والدعاء أن يخفف الله آلامه ومعاناته؟.

الأم هي الأقرب لطفلها المريض، تعتني به وتلبي حاجته وتبقى إلى جانبه تسهر على راحته، الكثيرات من الأمهات لم يتقبلن في البداية أن ولدها مشلول كليا لا يستطيع الحركة ولا الكلام، ولم تحظ بالراحة منذ عرفت بمرض ابنها؛ إذ تبقي اليوم كله في إطعامه وتنظيفه.

وقد يحدث أن تهمل طفلها الثاني وحتى واجباتها الزوجية، وتتعمد أن تتجاهل الدعوات لحضور المناسبات السعيدة وحفلات الزفاف لتفادي لقاء الناس فتبقى منعزلة عن المجتمع، ثم أنها لا تأمن أن تتركه في عناية آخرين لعدم ثقتها بهم.

ويزيد الأمر سوءًا مع مرور السنين، عندما يكبر الطفل ويصبح وزنه أثقل وتنظيفه أكثر حرجًا، وهكذا تمر أيام حياتها متشابهة، ولكن تراها معتزة بدورها ولا تكترث إن لم تغادر منزلها ولم تختلط مع المجتمع لأن بشجاعتها تعتبر ابنها بها أولى. يجهل الكثير من الأولياء أعراض بعض الأمراض، ويعجزون عن التعامل مع طفلهم المريض لجهلهم طريقة التعامل معه، ويحدث أن ترى الطفل لا يتعامل إلا مع أمه بالرغم من أنه يحب أن يتفاعل من الآخرين حول.

ومع مرور الأيام، يبدأ الطفل في الميل للانفراد بنفسه ويفضل مشاهدة التلفزيون وقناة طيور الجنة، ثم يهم بتكسير جميع اللعب، ويقوم بحركات غير طبيعية، ويبلغ الأمر حد القلق عندما ترفض دور الحضانة استقباله، ويرفض هو خروج أمه من المنزل ويمنعها من النزول لقضاء حاجات الأسرة، وسرعان ما تبرز حقيقة مرضه جلية إنه مصاب بالتوحد، ينظر إليه الناس في الأماكن العامة على أنه طفل غير مؤدب لقيامة بالتكسير والصراخ بغير سبب واضح ، تدعو الأم المرهقة قبل أن تستسلم للنوم أن تنهض صباحا وتجده قد تعافى كليا، نور قلبها يدعوها أن لا تفقد الأمل في شفائه.

نستشف من الآية الكريمة "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ "، أن أحد دلائل عظمة الخالق نعمة البصر، ومن يستمتع بهذه النعمة الكبيرة يظن أنه يرى كل الأشياء لمجرد أن رأى في الظاهر جمالها ويكون قد غفل عن حقيقة جوهر الأشياء وسرها، لأن إدراكها ليس من فعل البصر وإنما من فضل البصيرة، تلك الهبة الربانية التي يمنحها الله تعالى لمن رضى عنهم ، أي لا يحظى بها إلا عباد الله المميزون بشدة إيمانهم فنور البصيرة عبق من الجنة، ومن فقدوا نعمة البصر يلمس المرء احساسهم المذهل تجاه الأشياء حولهم لشدة رهافته ودقته ورقته.

فالمولى عز وجل، يعوض فقدان المرء حاسة ما بحواس أخرى وجديدة لا نرقها ولا يمكننا أن نختبرها إلا إذا شعرنا بها، وقوة الإيمان هي أهم إرادة من معجزات الصبر على تحمل الصعاب وتجاوزها، ومن ذلك دعوة الكفيف التي تتجاوز القول يا رب عندي حزن كبير، إلى يا حزن عندي رب كبير.

يمكن أن يخفي الوالدين حزنهما وخوفهما الشديدين قدر إمكانهم عن طفلهما المريض، فمرضه الخبيث يجبرهما أن يتعاملا مع طفلهما المريض بشكل عادي، لأن المرض لن يخف بالتهويل ولن يزول بالخوف ويطفئ جمرة الأسى البكاء.

فلابد من مواجهة حقيقة مرض السرطان الفتاك بالسؤال عن أسبابه وطريقة علاجه بعيدًا عن أنظار الطمع ومسامعه، وهي أولى خطوات العلاج النفسي أو الذي سيصير هو الأساس للعلاج الكيماوي، وفي هذه المرحلة يجب على الوالدين إخبار طفلهما بحقيقة مرضه حتى يبدي قدرًا كبيرًا من التعاون والتجاوب مع العلاج، وهي مهمة تتطلب شجاعة كافية للقيام بها.

إصابة فلذات الأكباد بهذا المرض الخبيث، تضع الوالدين أمام اختبار الشجاعة واستحضار الإيمان في القلوب نورا يشع بالأمل في الشفاء يخفون به عن طفلهما المريض تأثرهم الشديد ودموعهم .

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تأثير الحروب على نفسية الأطفال